مونديال قطر 2022: مكاسب ضخمة

مونديال قطر 2022: مكاسب ضخمة

18 نوفمبر 2022
أبراج الدوحة تتزين بدعاية مونديال قطر (فرانس برس)
+ الخط -

بدأ العدّ التنازلي لانطلاق فعاليات كأس العالم 2022 الذي سيُقام لأوّل مرّة في بلد عربي، وللمرّة الثانية في قارة آسيا، حيث تتضافر جهود مختلف شرائح المجتمع، من شتّى المجالات والجنسيات والخبرات، كفريق واحد من أجل تنظيم نسخة استثنائية، فريدة ومميَّزة على جميع المقاييس لم يسبق لها مثيل على مدار تاريخ تنظيم بطولات كأس العالم.

في 18 ديسمبر/ كانون الأوّل، سيتزامن الاحتفال باليوم الوطني للدولة مع نهائي مونديال قطر، ليشهد العالم في هذا اليوم تتويجاً لجهود اثني عشر عاماً من العمل المتواصل، استعداداً لأكبر حدثٍ رياضي عالمي، بداية بخطوة الترشُّح وتقديم الملف، مروراً بلحظة نيل شرف الاستضافة، وصولاً إلى الاستحقاق التاريخيّ الذي يؤسِّس لمرحلة جديدة من الازدهار القطري غير المسبوق.

سخَّرت قطر إمكانات مالية ضخمة لبناء وتشييد هياكل البنية التحتية اللازمة لإعادة بناء الدولة وتقديم نسخة فريدة من المونديال تترك أثراً إيجابياً كبيراً على قطر يتوافق مع تحقيق رؤيتها لعام 2030.

فقد ضخَّت أكثر من 220 مليار دولار في الاستعدادات للحظة انطلاق المونديال التي طال انتظارها، سعياً منها لترك بصمة قويّة الأثر في الساحة الرياضية العالمية وأذهان عشاق الساحرة المستديرة، وهي الميزانية الأعلى في تاريخ مسابقات كأس العالم قاطبة، مقارنة بـ500 مليون دولار في مونديال أميركا 1994، و2.3 مليار دولار في مونديال فرنسا 1998، و7 مليارات دولار في مونديال اليابان وكوريا الجنوبية 2002، و4.3 مليارات دولار في مونديال ألمانيا 2006، و3.6 مليارات دولار في مونديال جنوب أفريقيا 2010، و15 مليار دولار في مونديال البرازيل 2014، و11.6 مليار دولار في مونديال روسيا 2018.

علماً بأن مبلغ الـ220 مليار دولار الذي ضخته قطر لم يكن مخصصاً فقط لتشييد ملاعب وغيرها من احتياجات كأس العالم، بل كان موجهاً لتمويل مشروعات البنية التحتية للدولة بالكامل من طرق ومواصلات وأنفاق وكباري وتشييد مترو الدوحة وتوسعات مطار حمد الدولي وغيرها.

من الناحية العملية والفعلية، تعتبر هذه الميزانية الضخمة التي رصدتها قطر لتنظيم بطولة كأس العالم 2022 جزءاً مهمّاً ومتكاملاً من رؤية قطر الوطنية 2030 الهادفة إلى إنشاء بنية تحتية عالمية المستوى.

فقد وضعت الدوحة تاريخ انطلاق المونديال كموعدٍ نهائي لا رجعة فيه للانتهاء من مرحلة إنجاز استثمارات هائلة في البنية التحتية والفوقية المتطوِّرة لتسهيل قيام صناعة سياحية متطوِّرة ومستدامة وتنافسية على المستوى العالمي.

بمعنى آخر، اعتبرت قطر مشروع تنظيم بطولة كأس العالم تحدِّياً محفِّزاً لها لقطع شوطٍ كبير في تحقيق أهداف رؤيتها الوطنية لعام 2030 وإنجاز الكثير في فترة قصيرة نسبياً.

من خلال استلام مهمّة تنظيم الحدث الكروي الأضخم في العالم، وضعت قطر التزاماً شديداً على عاتقها بضرورة إنجاز بنية تحتية متكاملة على أحدث طراز ومرافق متميِّزة لتكون بمثابة استثمارات تؤتي أكلها على المدى القصير والمتوسِّط والطويل.

على عكس العديد من الدول الغنية بالنفط والغاز في المنطقة العربية، قرَّرت قطر تسخير ثرواتها الطبيعية لتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة وتأمين استمرار العيش الكريم لشعبها جيلاً بعد جيل، ووضعت من أجل ذلك خططاً استراتيجية وطموحة قابلة للتنفيذ، وقد كان هذا الحدث الرياضي الأكثر شعبية في العالم إحداها.

لقد أنفقت قطر جزءاً مهمّاً من عائدات صادرات النفط والغاز على تنظيم حدث رياضي عالمي يحقِّق لها العديد من المكاسب الاقتصادية ويخلِّف إرثاً مهمّاً يُحدث بدوره تغييراً إيجابياً ملموساً في حلقة الوصل بين الجيل الحالي والجيل القادم.

من المُتوقَّع أن تصل قيمة المكاسب الاقتصادية التي ستحقِّقها قطر من استضافة بطولة كأس العالم 2022 إلى 17 مليار دولار، مقارنة بـ3.31 مليارات دولار في ألمانيا، ومكاسب مماثلة تنوَّعت ما بين مساهمة اقتصادية بقيمة 509 ملايين دولار في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي لعام 2010 وفوائد اقتصادية بقيمة 769 مليون دولار للأسر في جنوب أفريقيا، و13.4 مليار دولار في البرازيل، و14.5 مليار دولار في روسيا.

ووفقاً لتوقُّعات صندوق النقد الدولي، سيرتفع معدل النمو الاقتصادي في قطر إلى 3.4 بالمائة في عام 2022 (ونمو قدره 4.1 بالمائة في القطاع غير النفطي) نتيجة ارتفاع أسعار المحروقات واستضافة المونديال.

بشكل عام، إن التأثير الاقتصادي الإيجابي لهذا الحدث الكروي العالمي لا يقتصر على قطر فحسب، بل سيكون لجاراتها الخليجية أيضاً نصيب منه، فمن المُتوقَّع أن تنتعش السياحة وترتفع نسب إشغال الفنادق في السعودية، الإمارات، الكويت، البحرين، وسلطنة عمان.

تتطلَّع قطر أيضاً إلى تحصيل مكاسب أخرى تفوق في أهميتها المكاسب الاقتصادية، حيث ترغب هذه الدولة الخليجية في الوصول إلى مكانة دولية مؤثِّرة، تعزيز أدائها الدبلوماسي وحضورها الدولي، إبراز قوَّتها الناعمة، وتحسين الصورة المرسومة عن المنطقة العربية الموبوءة بالصراعات؛ فمن شأن استضافة هذا الحدث الرياضي العالمي الضخم أن يعزِّز ثقة العالم بقطر، ويزيد من حظوظها في إقامات شراكات استراتيجية أكثر وتكثيف جهود الوساطة لوضع حدًّ نهائي للخلافات والأزمات السياسية المعقَّدة.

سياحة وسفر
التحديثات الحية

لقد أنفقت قطر مبالغ مالية هائلة لجعل حلم مونديال 2022 حقيقة ملموسة، رغم كل ما لابسها من ظروف وما أحاط بها من عوامل وما واجهها من تحديات وما اعترض طريقها من صعاب، بهدف ترسيخ مكانتها كصانع للسلام في العالم.

ويأتي هذا الحدث الكروي العالمي ليتوِّج جهود قطر الأخرى كالمساهمة في ضمان أمن الطاقة لبقية العالم من خلال إمدادات الغاز الطبيعي والتوسُّط لتوقيع اتِّفاق تاريخي للسلام بين الولايات المتَّحدة وحركة "طالبان" الأفغانية.

خلاصة القول، لن تقع قطر في فخّ المكاسب قصيرة الأجل لاستضافة بطولة كأس العالم كما حدث مع البرازيل وغيرها، بل على العكس تماماً يهيِّئ هذا البلد الخليجي نفسه ليصبح مركزاً رياضياً وسياسياً واقتصادياً ذا مواصفات عالمية في الشرق الأوسط.

وعلى عكس كل الدول التي سبق لها تنظيم بطولة كأس العالم، لا تنظر قطر لمونديال 2022 من زاوية الربح والخسارة الضيِّقة، بل تسعى حقّاً لإيجاد موضع استراتيجي لها في الساحة الدولية وموقع متقدِّم في لعبة التوازنات، وتطمح لأن تكون أيضاً "الحصان الأسود" الذي يجمع بين يديه خيوطاً كثيرة تجعل منه طرفاً ضرورياً في النظام العالمي الجديد الآخذ في التشكُّل.

المساهمون