هستيريا الذهب

هستيريا الذهب

28 يونيو 2017
هل يعثرون على الذهب؟ (أشرف شاذلي/ فرانس برس)
+ الخط -

هستيريا الذهب واحدة من أكبر مهددات البيئة في الريف السوداني. فالعاملون في مجال التنقيب الأهلي في تزايد مستمر في ظل غياب فرص العمل للشباب المتعلمين والأميين على حدٍ سواء. فقد تضاءل الإنتاج الزراعي بشقيه، وعاني هذا القطاع من إهمال الدوائر الحكومية، بجانب آثار التحولات المناخية، ما جعل أبناء الرعاة والمزارعين يلجأون إلى مصادر أخرى لكسب العيش، ومن بينها التعدين الأهلي.

وتنشط الشركات في البحث عن الذرات الصفراء، دون الالتفات إلى تزايد وتنُّوع ضحاياها ما دامت عيون الرقابة في غفلةٍ أو تغافلٍ عنهم. فقد يصدف أن يكون صاحب الشركة من المتنفذين، أو أنه في حماية أحدهم، وهذه مفسدة تتولَّد عنها مفاسد أخرى بلا حصر.

شمال كردفان في غرب السودان، تُعد من الولايات الغنية بيئياً، إلا أن تسونامي التحولات المناخية قد ضربها مؤخراً ضمن حزام واسع النطاق في أفريقيا، لتتحول مناطق السافانا الفقيرة والغنية إلى صحراء، أو شبه صحراء، وتتناقص معدلات الأمطار، ليعرف مواطنو الولاية النزوح البيئي جراء افتقار بيئاتهم إلى سبل كسب العيش القديمة من زراعة مطرية ورعي. كما فاقم الإهمال التنموي للريف جراء السياسات التنموية الخرقاء من معاناة إنسان الريف السوداني عامة، ومن بينهم مواطنو هذه الولاية.

شركات التعدين مشكلة جديدة قضّت مضاجع هؤلاء الريفيين البسطاء، وضيّقت عليهم الخناق، ليرفعوا الشكوى تلو الأخرى دون أن يجدوا من يصغي لهم. وتعد منطقة أبو زعيمة الواقعة في محلية سودري نموذجاً صارخاً لتعدي شركات التعدين، ومعاناة المواطنين وشركاء بيئاتهم من حيوانات وطيور. فقد تم رصد حالات نفوق لأعداد كبيرة من الحيوانات الأليفة والطيور النادرة جراء شربها من أحواض تنقية التراب المذهّب باستخدام مادة السيانيد القاتلة، بل تعدّى الأمر إلى إصابات وصلت إلى المواطنين أنفسهم، شخّصها الأطباء بمبادئ التليُّف الرئوي.

المواطن هناك يحدثك بأسى عن موت طيور القماري النادرة وتيبُّس أجسادها الصغيرة قرب الأحواض، وتحوُّل عظامها الهشة بعد يوم واحد إلى رماد تذروه الرياح، وعن التحوّل الكبير في طعم ولون ألبان الماعز، الذي يشكل عنصراً أساسياً في غذائهم، إلا أنهم باتوا يخشونها، مثل خشيتهم من لحومها. وهناك من فقدوا نسبة كبيرة من مواشيهم. ولم تجد صرخات المواطنين ولا شكاوى لجان الأحياء صدى. ويلاحظ عجز المسؤول المحلي في إبعاد الشركات، مثلما تعجز الدوائر الطبية في علاج المصابين، وتزداد الشكوى، ولا حياة لمن تنادي.

*متخصص في شؤون البيئة

دلالات

المساهمون