غزة: ارتفاع جنوني في كلفة النقل إلى "المناطق الإنسانية"

غزة: ارتفاع جنوني في كلفة النقل إلى "المناطق الإنسانية"

16 مايو 2024
وسائل النقل محدودة في رفح مقارنة بحجم النزوح (فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- النازحون الفلسطينيون في غزة يواجهون قرارات صعبة بين البقاء في مناطق الخطر أو النزوح إلى مناطق آمنة، مع تحديات تكاليف النقل المرتفعة جنونيًا والأزمة المالية الخانقة.
- الإغلاق الإسرائيلي للمعابر ومنع دخول مشتقات البترول يؤدي إلى ارتفاع تكاليف النقل بشكل خيالي، مما يجبر النازحين على دفع مبالغ كبيرة للانتقال.
- النزوح يستنزف الموارد المالية المحدودة للفلسطينيين، حيث يضطرون لترك منازلهم ودفع مبالغ كبيرة للانتقال، مما يزيد من معاناتهم في ظل الحرب والأزمة الإنسانية.

يجبر النازحون الساعون إلى النجاة مع أسرهم من المجازر الإسرائيلية والتوجه إلى "المناطق الإنسانية" في غزة على الاختيار بين نار الحرب المستعرة، وبين تكلفة النقل المبالغ فيها.

اضطر النازح الفلسطيني سمير أبو دلال إلى نقل خيمته، بما تضمه من مستلزمات المعيشة الأساسية، على عربة يجرها حصان بفعل الغلاء الجنوني في تكلفة النقل، في حين يعاني مثل غالبية سكان قطاع غزة من أزمة مالية خانقة.
وبات عشرات آلاف النازحين الفلسطينيين مجبرين مجدداً على مغادرة مدينة رفح في أقصى جنوبي القطاع بسبب مناشير التهديدات الإسرائيلية التي تتساقط عليهم من الطائرات الحربية، أو الاتصالات الهاتفية التي تطالبهم بضرورة المغادرة الفورية، أو على وقع الأحزمة النارية التي يشنها الاحتلال لتدمير المناطق السكنية، لكنهم يعانون بسبب كلفة مضاعفة لمختلف وسائل النقل.
يقول أبو دلال، الذي بدا منهكا بعد رحلة النزوح الطويلة والشاقة، إنه اضطر للركوب على "الكارة" بجانب "عفش البيت"، فيما ذهبت زوجته وطفلاه بسيارة أجرة بمقابل مرتفع وصل إلى 40 شيكلا للفرد الواحد، وذلك بعد فشله في توفير شاحنة تقله هو وأسرته وحاجياته نحو منطقة النزوح الجديدة.
ويوضح لـ "العربي الجديد"، أنه يعيش النزوح الرابع، والذي أعاد إلى أذهان أسرته فترة بدايات الحرب، حيث كانت كلفة النقل خيالية. يضيف: "طلب مني أحد السائقين مبلغ 600 دولار لنقل العفش، فيما طلب آخر 1500 شيكل، ما دفعني لاستئجار كارة بمبلغ 500 شيكل. تكلفة هذا النقل لم تكن تتجاوز 100 شيكل في الأوضاع الطبيعية". (الدولار يساوي 3.8 شواكل تقريبا).

ويرجع السبب الرئيسي في الارتفاع الكبير لتلك الكلفة إلى الإغلاق الإسرائيلي المتكرر للمعابر منذ بداية العدوان في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، ومنعه دخول مشتقات البترول، بما فيها الوقود اللازم لتشغيل المركبات، فيما تفاقمت حدة الأزمة بعد السيطرة الإسرائيلية الكاملة على معبر رفح، وإغلاقه في وجه المساعدات الإنسانية، وشاحنات البضائع المكدسة على الجانب المصري من المعبر.
وأفقدت الحرب المستعرة غالبية سكان قطاع غزة السيولة النقدية بفعل عدم انتظام صرف الرواتب، وعدم القدرة على سحب أموالهم من جراء إغلاق البنوك، وعدم وجود سيولة في مكاتب التحويلات المالية، وعدم القدرة على التعامل مع تطبيقات البنوك الرقمية بسبب عدم توفر الإنترنت أو الهواتف.

باتت العربات التي تجرها الحيوانات وسيلة نقل أساسية (فرانس برس)
باتت العربات التي تجرها الحيوانات وسيلة نقل أساسية (فرانس برس)

أمضى الفلسطيني حمادة ديب ثلاثة أيام من البحث عن وسيلة نقل بسعر معقول لنقله من مدينة رفح نحو ما يطلق عليه الاحتلال الإسرائيلي "المناطق الإنسانية الآمنة"، ثم اضطر إلى التشارك مع مجموعة من الجيران في ايجار شاحنة لنقل خيامهم وأسرهم قبل اشتداد الأزمة مع تواصل التهديدات الإسرائيلية بتوسيع العملية العسكرية.
يقول ديب لـ "العربي الجديد": "لا يمكنني دفع 2500 شيكل، فأنا أعاني من أزمة مالية بفعل عدم تمكني من سحب راتبي منذ شهرين بسبب التكدس الشديد على الصراف الوحيد الذي كان يعمل في مدينة رفح، وبسبب نسب الفائدة المرتفعة للغاية عند مكاتب الصرافة، والتي تصل إلى 25 أو 30 في المائة في بعض الأحيان. النقل بهذه الطريقة كان مرهقا للغاية، وأفقدني بعض الأدوات بسبب اختلاط الأغراض مع الجيران. لم أتمكن من الجلوس طيلة الطريق، وبقيت واقفاً على حافة الشاحنة لعدم وجود متسع، وخشية من سقوط العفش في الطريق".

اضطرت الفلسطينية علا الأشرم إلى النزوح في بداية الحرب من منطقة "التوام" في شمالي قطاع غزة إلى مخيم النصيرات في وسط القطاع بعد تدمير الطائرات الحربية الإسرائيلية منزل عائلتها، ثم اضطرت مجددا للنزوح إلى مدينة رفح، وتقول إن "تجربة النزوح بحد ذاتها مؤلمة وقاسية، وتزيد الظروف المحيطة من قسوتها". 
تعيل الأشرم أسرة مكونة من أربعة أيتام، وتؤكد لـ "العربي الجديد"، أنها كانت تدخر بعض المال المتبقي من ثمن عقد الذهب الذي اضطرت لبيعه على أمل العودة إلى منطقة سكنها في شمالي القطاع، إلا أن بدء العملية العسكرية في رفح اضطرها إلى دفع ما تبقى معها للنزوح مجدداً نحو مدينة دير البلح. وتضيف: "دفعت قرابة 1500 شيكل لصاحب حافلة صغيرة لنقلي مع أبنائي وخيمتنا القماشية وبعض المواد الغذائية وأدوات المطبخ والملابس. رغم هذا الرقم الخيالي للنقل من مدينة رفح إلى دير البلح، إلا أنه كان من أفضل الأسعار التي صادفناها على مدار أيام". ويتشابه واقع معظم النازحين الفلسطينيين الذين استنزفت الحرب جيوبهم بفعل المتطلبات المعيشية المتواصلة، فالغالبية تركوا بيوتهم بما فيها، واضطروا لاحقاً لشراء المستلزمات الحياتية في ظل غلاء شديد، ما أفقدهم كل ما يملكون، حتى أن الحصول على أي خدمة بات بمقابل مادي في ظل عدم القدرة على الإيفاء بمتطلبات أسرهم.

المساهمون