جدّد مساعد الأمين العام للشؤون الإنسانية، مارتن غريفيث، الجمعة، الدعوة لوقف إطلاق النار في غزة، قائلاً إنه "إذا لم نتحرك، ستصبح هذه ندبة على جبين إنسانيتنا لا يمكن محوها... أكرر دعوتي لهذا المجلس لاتخاذ إجراءات عاجلة لإنهاء هذه الحرب"، وذلك خلال اجتماع طارئ عقده مجلس الأمن الدولي بطلب من الجزائر لنقاش خطط الاحتلال الإسرائيلي لتهجير الفلسطينيين قسرياً من غزة، والوضع الإنساني عموماً.
وأوضح أن "شبح المجاعة يحوم فوق قطاع غزة الذي لا مكان آمناً فيه، حيث تستحيل الحياة الكريمة والجثامين في الشوارع"، مشيراً إلى وجود "عشرات الآلاف من القتلى والجرحى، غالبيتهم العظمى من النساء والأطفال (...) فقد قُتل حتى الآن أكثر من 23 ألف فلسطيني، وجُرح أكثر من 58 ألفاً آخرين منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول".
وتوقف المسؤول الأممي طويلاً عند الظروف الإنسانية الكارثية في غزة، وقال: "الملاجئ مكتظة، والغذاء والماء ينفدان، مع تزايد خطر المجاعة يوماً بعد يوم. النظام الصحي في حالة انهيار. النساء غير قادرات على الولادة بأمان. لا يمكن تطعيم الأطفال. ولا يستطيع المرضى والجرحى الحصول على العلاج. الأمراض المعدية آخذة في الارتفاع. والناس يبحثون عن مأوى وملجأ في ساحات المستشفيات".
وأشار إلى تعرّض 134 منشأة تابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين الأممية (الأنروا) للقصف، فضلاً عن مقتل 148 من موظفي الأمم المتحدة وموظفي المنظمات غير الحكومية في غزة، وذلك "على الرغم من معرفة وإخطار الجيش الإسرائيلي بمواقعها"، على حد تعبيره. وتحدث عن تأخير ورفض إسرائيل لدخول المساعدات الإنسانية إلى شمال قطاع.
ولفت غريفيث إلى أن الظروف الإنسانية والأعمال العدائية، من شأنها أن تزيد كثيراً من الضغط وتؤدي إلى نزوح جماعي إلى البلدان المجاورة، مؤكداً ضرورة السماح لأي شخص ينزح عن غزة بالعودة إليها كما ينص عليه القانون الدولي الإنساني. وعبّر عن قلقه البالغ "إزاء التصريحات الأخيرة لوزراء إسرائيليين بشأن خطط لتشجيع ترحيل المدنيين من غزة إلى بلدان ثالثة، التي يشار إليها حالياً باسم الانتقال الطوعي، وتثير هذه التصريحات مخاوف جدية بشأن الترحيل القسري المحتمل".
نزوح داخلي لقرابة 85 بالمئة من سكان غزة
وفي إحاطتها أمام مجلس الأمن، قالت مساعدة المفوض السامي لحقوق الإنسان، إيلزي غراندز كيريس، إن القطاع شهد نزوحاً داخلياً لقرابة 85 بالمئة من سكان غزة، أي ما يقارب 1.9 مليون فلسطيني. وأضافت أن "عمليات النزوح الجماعي الداخلي في غزة بدأت في 12 أكتوبر/ تشرين الأول بعد أن أمرت السلطات الإسرائيلية المدنيين الفلسطينيين شماليّ وادي غزة بإخلاء منازلهم والذهاب جنوباً".
ولفتت إلى أن أوامر الإخلاء الإسرائيلية قد "ترقى إلى مستوى التهجير القسري، وجريمة حرب"، مضيفة أن إسرائيل، وعلى عكس ادعائها "على ما يبدو لم تتخذ سوى تدابير ضئيلة لضمان أن تمتثل أوامر الإخلاء للقانون الدولي، ولا سيما ضمان الوصول إلى خدمات النظافة والصحة والسلامة والتغذية والمأوى الملائمة وخطوات لتقليل خطر تفريق أفراد الأسرة الواحدة". كذلك أكدت قصف الإسرائيليين للعديد من تلك المناطق التي أُعلِنَت "آمنة".
وشددت غراندز كيريس على عدم وجود مكان آمن في غزة، وأضافت: "يعاني الآن أكثر من 90 في المائة من السكان من انعدام الأمن الغذائي الحاد، والعديد منهم على حافة مجاعة يمكن تجنبها ومن صنع الإنسان. ونذكّر بأن تجويع السكان المدنيين كوسيلة من وسائل الحرب محظور".
رفض تهجير سكان غزة
وشدد عدد من السفراء على ضرورة وقف إطلاق النار في غزة وإدخال المساعدات الإنسانية، محذرين من تفاقم الأوضاع كذلك في الضفة الغربية وعنف المستوطنين.
وقال السفير الجزائري، عمار بن جمعة، في مداخلته أمام المجلس: "صور صادمة على الشاشات دون أي تحرك لوقفها (...) إن ما يحدث في غزة سيبقى وصمة عار على جبين الإنسانية. ونتساءل، ومعنا شعوب العالم: ألا يكفي قتل أكثر من ثلاثين ألف شخص. منهم أكثر من عشرة آلاف طفل، وإصابة أكثر من ستين ألفاً، وتهديم أكثر من ستين بالمئة من مباني غزة؟"، مشيراً إلى أن "كل سكان غزة يواجهون خطر المجاعة".
وأضاف: "من الواضح أن القصف الهمجي، وتدمير البنية التحتية يهدفان إلى جعلها مكاناً غير قابل للحياة، وقتل الأمل بعودة الفلسطينيين إلى ديارهم. وهذا من أجل تسهيل وتنفيذ مخطط تهجيرهم خارج بلادهم، وهي سياسة يكثر من يدعمها بين مسؤولي سلطات الاحتلال للعمل على تصفية القضية الفلسطينية من خلال تفريغ الأراضي الفلسطينية المحتلة من سكانها، ونعم جميع الأراضي المحتلة".
وشدد على ضرورة أن يدرك الجميع "أن لا مكان للفلسطينيين، إلا على أرضهم، وإن أي تهجير هو مخالفة صريحة لأحكام القانون الدولي، ولا سيما المادة الـ49 من اتفاقيات جنيف الرابعة". وفيما أكد ضرورة أن يتحدث المجتمع الدولي بصوت واحد ضد تهجير الفلسطينيين، قال: "لا أحد داخل هذه القاعة (مجلس الأمن) يمكن أن يبقى صامتاً أمام ذلك، إن الصمت تواطؤ".
أما السفيرة الأميركية، ليندا توماس غرينفيلد، فشددت على ضرورة عودة المهجرين داخلياً في غزة إلى ديارهم عندما تسمح الظروف. وأضافت: "أوضحنا أننا نرفض رفضاً قاطعاً بيانات صدرت من بعض القيادات الإسرائيلية الداعية إلى توطين الفلسطينيين خارج غزة... بالإضافة إلى بيانات المسؤولين الإسرائيليين التي تدعو إلى سوء معاملة المحتجزين الفلسطينيين، وكذلك تلك التي تدعو إلى تدمير غزة، هي غير مسؤولة وتصعّب السعي لسلام دائم".
ووجهت في الوقت ذاته انتقادات للدول الأعضاء في مجلس الأمن التي لم تُدِن عملية "طوفان الأقصى"، التي نفذتها حماس في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، رداً على جرائم الاحتلال الإسرائيلي وانتهاكاته.
من جهته، عبّر سفير فلسطين للأمم المتحدة، رياض منصور، في مستهل مداخلته، عن شكره العميق لدولة جنوب أفريقيا، بعد الدعوى التي رفعتها أمام محكمة العدل الدولية ضد إسرائيل لارتكابها الإبادة الجماعية. وفي إشارة غير مباشرة إلى الهجمات الأميركية البريطانية على اليمن، قال: "خير سبيل لتجنب التصعيد الإقليمي لا يكمن في التهديد أو استخدام المزيد من النيران، ولكن يتمثل باتخاذ إجراءات من أجل الوقف الفوري لإطلاق النار. وكنت أعتقد أن إنقاذ أرواح الأطفال الفلسطينيين كان سيحظى بالإلحاح نفسه الذي رأيناه عندما هبّ البعض لحماية طرق الشحن".
وقال: "استغرق الأمر 75 عاماً للأمم المتحدة للاعتراف بالنكبة، وبدلاً من أن نرى نهاية لها، فإن شعبنا يواجه من جديد مذابح واسعة النطاق تهدف إلى تهجيره قسراً، هذه نكبة يراها العالم أمام عينيه".
وأشار السفير الفلسطيني إلى أن سبعين بالمئة من الفلسطينيين، وخصوصاً في غزة، هم من اللاجئين الذين مُنعوا من حق العودة. وقال إن الفلسطينيين لن يغادروا وطنهم، على الرغم من كل محاولات إسرائيل لتهجيرهم، ومحاولاتها لجعل حياتهم جحيماً على الأرض، مشدداً على أنه "إذا كان المجتمع الدولي معنيّاً بالفعل بإدخال المساعدات الإنسانية، فعليه أن يفرض وقفاً لإطلاق النار، وهو ما طالبت الأمم المتحدة به مراراً وتكراراً".