عام على حكومة أخنوش في المغرب: كثير من الوعود قليل من السياسة

عام على حكومة أخنوش في المغرب: كثير من الوعود قليل من السياسة

07 أكتوبر 2022
تواجه حكومة أخنوش تحديات أبرزها مواجهة طيف التعديل الحكومي منذ سنتها الأولى (فرانس برس)
+ الخط -

لم يكد يمر عام على رئاسة عزيز أخنوش، رئيس حزب "التجمع الوطني للأحرار"، للحكومة المغربية بعد السقوط المدوي للإسلاميين في انتخابات السابع من سبتمبر/ أيلول 2021، حتى باتت على شفا تعديل وزاري، على خلاف التقليد المتعارف عليه في المغرب بأن يتم أي تعديل عادة في منتصف الولاية لتكون كافية للكشف عن مواطن الضعف والاختلالات.

بين تحديات اقتصادية واجتماعية أثقلتها تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية والأزمة الصحية وارتفاع الأسعار وموجة جفاف غير مسبوقة اجتاحت البلاد، وواقع يجافي طموح بدايات حكمه ووعوده الانتخابية الكثيرة وتطلعات الناخبين، ينهي رئيس الحكومة القادم من عالم المال والأعمال عامه الأول في مبنى رئاسة الحكومة بالعاصمة المغربية الرباط وعينه على تعديل لفريقه الحكومي، قبل الدخول البرلماني، يشمل عددا محدودا من القطاعات التي أثبتت سنة من اشتغال الحكومة ضعفا في المردودية وتسجيل غياب أي إضافة للقطاعات التي يتولاها المعنيون بالتعديل المرتقب.

ولا يتردد بعض المراقبين للمشهد السياسي في البلاد في التأكيد على حاجة حكومة أخنوش إلى فرصة سياسية جديدة لإصلاح انتكاسة البداية المتعثرة لعملها بإجراء تعديل حكومي على تشكيلتها.

وعين العاهل المغربي الملك محمد السادس، في 7 أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، أعضاء الحكومة الجديدة، التي ضمت 24 وزيرا بالإضافة إلى رئيس الحكومة، وذلك بعد تصدر "التجمع الوطني للأحرار" الانتخابات التشريعية، التي جرت في 8 سبتمبر/ أيلول الماضي، بحصوله على 102 مقعد برلماني (من أصل 395)، متبوعا بحزب "الأصالة والمعاصرة" ثانيا بـ86 مقعدا، يليهما حزب "الاستقلال" بـ81 مقعدا.

فيما حل حزب "العدالة والتنمية"، الذي قاد الائتلاف الحكومي في المغرب لولايتين متتاليتين، في المركز الثامن، مسجلا تراجعا كبيرا بحصوله على 13 مقعدا فقط مقابل 125 في انتخابات 2016.

ولئن كان مرور سنة على تعيين حكومة أخنوش لا يسمح بتقييم شامل، إلا أنه يشكل مناسبة لاستخلاص العديد من الملاحظات حول تجربة حكومية طوقها السياق السياسي الداخلي والإقليمي والدولي محاط بكثير من التحديات والرهانات، وعلقت حولها الكثير من الآمال ببدء مرحلة جديدة بعد حكم حزب "العدالة والتنمية" لعشر سنوات.

وإذ شكل مطلب التغيير، تغيير السياسات والبرامج والأجوبة الاقتصادية والاجتماعية بعد تجربة الإسلاميين، جوهر التعاقد السياسي لانتخابات الثامن من سبتمبر/ أيلول 2021، إلا أن واقع الممارسة الحكومية والتدبيرية بعد عام يشير إلى تباين في تقييم سياسات حكومة أخنوش ومدى التزامها بتنفيذ ما أطلقته من وعود لاستمالة الناخبين.

قبل نحو الشهر من إكمال حكومته عامها الأول، بدا أخنوش منتشيا بما حققته من إنجازات وإصلاحات تم تفعيلها، مؤكدا أنه رغم أن السنة الأولى من الولاية الحكومية كانت صعبة، إلا أن حكومته "أخذت على عاتقها ضرورة الالتزام بتعهداتها وفي الوقت نفسه مواجهة الأزمة بإجراءات هادفة وفعالة باعتراف هيئات ومؤسسات دولية في وقت تنهار فيه دول بسبب الانكماش الاقتصادي وآثار الحرب والوباء وآثار التحولات البيئية".

وفي وقت أبرز فيه أخنوش، خلال افتتاحه فعاليات الجامعة الصيفية التي نظمتها شبيبة حزبه يومي 9 و10 سبتمبر/ أيلول الماضي بمدينة أكادير، أن الحفاظ على وضع طبيعي في سياق عالمي جد استثنائي في حد ذاته إنجاز يجب أن يكون الجميع على وعي به، فيما كان لافتا تنويهه بحزمة من الإجراءات التي اتخذتها الحكومة لمواجهة الأزمة والحفاظ على القدرة الشرائية للمواطنين ودعم الأسر والمهنيين، وفتح الحوار مع النقابات وفي مجموعة من القطاعات.

"ارتباك وغياب الانسجام والوضوح"

وبينما لم يغفل أخنوش الحديث عن الإصلاحات التي تعزز الدولة الاجتماعية، أبرزها الانطلاق بورش الحماية الاجتماعية واستدراك تأخره التزاما بالأجندة الملكية، في أفق تعميم التغطية الصحية الإجبارية على جميع المواطنين، ترى المعارضة أن أداء حكومة "أخنوش اتسم بـ"الارتباك وغياب الانسجام والوضوح، رغم كثرة الحديث عن الانسجام"، بالإضافة إلى ضعف التواصل والصمت، وضعف التفاعل السياسي، وتعليق كل شيء على الحكومات السابقة.

وبعد عام من بداية ولايتها، ترى المعارضة أن الحكومة "غير مبالية وعاجزة عن تدبير الأزمة بتعقيداتها المختلفة، وتفتقد إلى الحِس السياسي اللازم من أجل التجاوز السليم لأعطاب المرحلة"، وأنه "باستثناء التقدم الحاصل في تحضير مراسيم تعميم الحماية الاجتماعية، وبوادر التقدم في إصلاح التعليم، وبعض الإجراءات المعزولة التي تهم دعم أرباب النقل، فإن كل الأسئلة المتعلقة بحماية القدرة الشرائية للمغاربة، ودعم المقاولة الوطنية، وإعادة الثقة، والإصلاح المؤسساتي، ومباشرة الإصلاحات الهيكلية كالتقاعد، والنظام الجبائي، وحكامة الفضاء الاقتصادي، هي كلها أسئلة معلقة في دواليب الحكومة، بالنظر إلى غياب الرؤية والجرأة السياسية لديها، في مقابل تدبير قطاعي تكنوقراطي، وحضور قوي لمنطق التبرير غير المجدي".

"عزلة وغياب للإرادة السياسية"

وفي ظل هذا التباين بين الأغلبية والمعارضة حول أداء الحكومة إلى حد الساعة، ترى الباحثة في العلوم السياسية شريفة لموير، أن عمل الحكومة يتسم بـ"العزلة وغياب إرادة سياسية حقيقية لتدبير قضايا المواطن المغربي"، مضيفة في تصريح لـ"العربي الجديد": "صحيح أن الحكومة قامت بالمصادقة على قوانين هامة، لكن أداءها سياسيا وتشريعيا كان ضعيفا بالموازاة مع حجم الوعود وانتظارات المغاربة. ولعل الغليان الذي يعرفه الشارع اليوم بسبب غلاء الأسعار والمحروقات خير دليل على ذلك".

وشددت الباحثة على أن الحكومة مطالبة بتبني حلول عملية تجاه الأزمة التي يعيشها المواطن المغربي عوض الوقوف على هذه الأزمات ومحاولة إعطاء تبريرات لا تعكس روح المسؤولية التي راهن عليها المواطنون في المحطة الانتخابية السابقة.

وتابعت: "الأهم هو التزام الأغلبية الحكومية بكل وعودها تجاه المواطنين التي تعهدت بتنزيلها على أرض الواقع. خاصة أنها رفعت من سقف تطلعاتها والتزاماتها في العديد من القطاعات الحيوية، وهو ما كان من الممكن معه لمس روح المسؤولية، لكن الواقع المغربي يستلزم ضرورة اجتثاث كل مظاهر الخلل من أجل خلق النقلة النوعية التي تسعى الحكومة لتحقيقها، خاصة أنها انبنت على تحالف حكومي مريح عوض إثقال كاهل المواطنين بالعديد من الاجراءات التي تضر بمصداقيتها".

"تردد في تكريس حوكمة الإدارة وتنشيط الدورة الاقتصادية"

من جهته، اعتبر أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية رشيد لزرق أنه في الوقت الذي يفترض فيه أن تكون السنة الأولى سنة بناء أسس الولاية الحكومية التي وعدت بتحقيق الدولة الاجتماعية وتحقيق إقلاع اقتصادي واجتماعي وتدبيري، إلا أن الملاحظ هو أنها "ما زالت تعرف التردد على مستوى مخططات تكريس حوكمة الإدارة وتنشيط الدورة الاقتصادية، وتحسين القدرة الشرائية وتنفيذ مشاريع إصلاحيةٍ تنموية شاملة ومستدامة. وكذلك على مستوى تنزيل معادلة ربط المسؤولية بالمحاسبة عبر إقرار مبادئ المراقبة والمساءلة والمحاسبة بإخراج قانون الإثراء غير المشروع وحماية المبلغين عن الفساد".

ويلفت في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن الإجراءات الحكومية من الناحية الاقتصادية ما زالت غير ملموسة في الدفع بالاقتصاد الوطني وتشجيع الاستثمار لتجاوز تداعيات جائحة كورونا، واسترجاع ثقة المستثمرين الأجانب عبر تحسين مناخ الأعمال وتنويع الشركاء الاقتصاديين بغية إحداث مناصب شغل.

"ترقيع"

وبالنسبة لأستاذ القانون الدستوري بجامعة الحسن الأول بسطات عبد الحفيظ اليونسي، فإن عنوان السنة الأولى لحكومة أخنوش هو "قليل من السياسة، قليل من الفعل، قليل من التواصل".

وقال في تصريح لـ"العربي الجديد ": "بكل موضوعية وبالنظر لظروف عمل هذه الحكومة والمتسمة بصعوبات الظرفية الاقتصادية والاجتماعية، فإنها تقوم بتدبير اليومي بطريقة الترقيع هنا وهناك دون تملك تصور لا مرحلي ولا استراتيجي للمرحلة الصعبة التي يجتازها المغرب. وحتى الأسماء التي قيل إنها تكنوقراطية وجيء بها للإنجاز ظهر أنها عنوان لأزمة السياسة بالمغرب لأنها لم تقدم المنتظر منها".

ورأى اليونسي أن حكومة أخنوش تواجه ثلاثة تحديات يرتبط أولها باستمرارها، بعد بروز طيف التعديل الحكومي منذ سنتها الأولى، معتبرا أن أي تعديل بغض النظر عن مشروعيته، يضر بصورة الحكومة عند الرأي العام الوطني والمستثمر الأجنبي.

في حين يتمثل التحدي الثاني، بحسب اليونسي، في تقديم أجوبة اقتصادية واجتماعية في قضايا التنمية والشغل والقدرة الشرائية، لافتا بهذا الصدد، إلى أن "لا جديد يظهر في الأفق خصوصا على مستوى فتح ملفات ضرورية وحارقة مثل التقاعد".

أما عن التحدي الثالث، فيتمثل بما هو متصل بما هو أخلاقي ويمس جوهر الثقة في المؤسسات ويتعلق بمعضلة تنامي حضور تضارب المصالح واستثمار موقع المسؤولية العمومية لتدبير وتيسير الاستثمارات الخاصة أو سكوت المؤسسات المستقلة عن هذا النوع من الانحرافات.

المساهمون