تحولات الشعب الجمهوري التركي تجاه الأجانب: استعداد لانتخابات 2028

تحولات الشعب الجمهوري التركي تجاه الأجانب: استعداد لانتخابات 2028

18 مايو 2024
أوزال خلال لقاء للشعب الجمهوري في أنقرة، نوفمبر الماضي (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- تشهد تركيا تحولات سياسية بارزة مع تقارب بين الأحزاب المعارضة والحاكمة، خاصة بعد تولي أوزغور أوزال رئاسة حزب الشعب الجمهوري، مما يعد استعدادًا للانتخابات المتوقعة في 2028 والتحضير لمرحلة ما بعد أردوغان مع التركيز على كتابة دستور جديد.
- أثارت سياسات بلديات المعارضة جدلاً بسبب تبنيها لإجراءات تمييزية ضد الأجانب، لكن أوزال انتقد هذه السياسات ودافع عن حقوق الأجانب والعرب، مشيرًا إلى تغيير في نهج الحزب تجاه الأجانب والسوريين.
- يسعى حزب الشعب الجمهوري تحت قيادة أوزال لتوسيع قاعدته الشعبية والتقرب من مختلف شرائح المجتمع، محاولًا تهدئة الأوضاع السياسية والتركيز على القضايا الاقتصادية والاجتماعية بما في ذلك التعامل مع قضية اللاجئين بشكل أكثر اعتدالاً.

تشهد الساحة السياسية التركية تحولات كبيرة عبر تواصل الأحزاب المعارضة والحاكمة مع بعضها البعض مدفوعة بأسباب عديدة منها كتابة الدستور والإعداد للمرحلة المقبلة، وتأمين الاستقرار السياسي في السنوات المقبلة، ليكون الأبرز تحولات الشعب الجمهوري لا سيما بعد تولي أوزغور أوزال رئاسته. وإذ تختلف القراءات للتحولات التي يقودها أوزال، فإن الواضح أنه يسعى للتحضير للمرحلة المقبلة ولا سيما الانتخابات المتوقعة في العام 2028 التي ستشهد ابتعاد الرئيس رجب طيب أردوغان عن سدة الحكم.

وكانت بلديات تابعة للمعارضة التركية، ولا سيما لحزب الشعب الجمهوري، عملت منذ فوزه في الانتخابات المحلية التي جرت في 31 مارس/آذار الماضي، على تبني سياسة تمييز ضد الأجانب، وبدأت بإزالة اللوحات العربية التجارية، ورفع أسعار عقد القران للأجانب، ما أثار موجة استغراب كبيرة وتوقعات بتشدد في الولايات المحكمة من الحزب بحق الأجانب والعرب، خصوصاً السوريين منهم. لكن بعد ذلك بدأت تحولات الشعب الجمهوري عبر زعيمه أوزغور أوزال الذي انتقد إزالة اللوحات ودافع عن اللغة العربية، معتبراً أنها لغة القرآن، رافضاً الإساءة لنحو 6 ملايين مواطن تركي من أصل عربي، فضلاً عن انتقاده مسألة رفع أجور عقد القران للأجانب، وهو ما شكل نقطة تحوّل إيجابية في مسار التعامل مع الأجانب، لا سيما العرب والسوريين، وأثار استغراب المتابعين.

تحولات الشعب الجمهوري

وكانت بلدية كيليس التي حكمها الشعب الجمهوري ويبلغ عدد السوريين فيها قرابة نصف سكان الولاية، قد بدأت الحملة بإزالة اللافتات العربية، وتبعتها ولايات أخرى مثل يالوفا وبورصا وآفيون قره حصار التي باتت تحت حكم الشعب الجمهوري. تبع ذلك إعلان بلدية آفيون قره حصار رفع أجور عقد القران للأجانب إلى 10 آلاف ليرة تركية (الدولار يساوي نحو 32.2 ليرة تركية) رغم أنها محددة للمواطنين الأتراك بـ400 ليرة فقط أي بـ25 ضعفاً، وكذلك فعلت بلدية أوشاق التي رفعت أجور عقد القران إلى 15 ألف ليرة تركية بعد أن كانت تبلغ 705 ليرات.

وبعد ردود الأفعال المحلية ضد هذه الممارسات، بدأت تصدر تصريحات من أوزال حول الموضوع كانت أكثر اعتدالاً وواقعية ولافتة إلى حد كبير، خصوصاً في ظل فترة من الليونة السياسية في البلاد، مع لقاءات تجري بين زعماء الأحزاب، أبرزها لقاء جمع أوزال والرئيس التركي رجب طيب أردوغان قبل نحو أسبوعين، ولقاءات رئيس البرلمان نعمان قورطولموش مع بقية كتل الأحزاب في البرلمان.

انتقد أوزغور أوزال حملة إزالة اللوحات العربية ورفع أجور عقد القران للأجانب

وفي حوار مع قناة خبر تورك في الثامن من مايو/أيار الحالي، قال أوزال إن "سياسة الهجرة ليست من مهام المسؤولين المحليين، والتصريحات التي تعزز ردود الفعل ليست تصريحات يجب على المسؤول في حزب الشعب الجمهوري الإدلاء بها، إذ لا يتزوج السوريون كل يوم في أفيون، وهذه السياسات غير متوافقة مع توجهات الشعب الجمهوري". وأضاف: "نحن نشجع السوريين على العودة إلى بلدهم، لكن لا يمكنك إبعاد السوريين بمنعهم من إقامة حفل زواج، ويجب أن يكون زملاؤنا متوافقين مع سياسات الحزب". كما انتقد إزالة اللوحات العربية، قائلاً إن "اللغة العربية هي لغة القرآن الكريم، والتعامل معها بهذا الشكل يمكن أن يُحدث جرحاً، يجب النظر إلى ما هو مكتوب على تلك اللوحة، فإذا كانت تُسهّل الخدمة التي يتلقاها بلغته الأم فهذا حق". وتابع: "القانون يقول إن الإشارات باللغة الأجنبية لا يمكن أن تتجاوز 25 في المائة من اللغة التركية، يمكن تطبيق هذا على اللغة الإنكليزية أيضاً".

وفي 13 مايو الحالي، وفي إشارة إلى تحولات الشعب الجمهوري قال أوزال في تصريح صحافي آخر: "لقد أبلغنا رؤساء البلديات التابعة لنا أنه عليهم الالتزام بالتعليمات القانونية لجميع اللغات فيما يخص اللوحات التي يمكن وضعها، ولا يمكن إزالتها من دون إعطاء الوقت لصاحب العلاقة بعد إنذاره، وإن لم يكن كذلك فهو تصرف شعبوي، إضافة إلى أن اللغة العربية هي اللغة الأم لـ6 ملايين مواطن يعيشون في ولايات هاتاي وشانلي أورفا وماردين وباتمان، ويُنظر إلى عدم احترام اللغة العربية على أنه عدم احترام تجاه هؤلاء الناس، بالإضافة إلى أن اللغة العربية هي الأصلية للقرآن". وأضاف: "يجب على البلديات مكافحة التلوث غير الضروري باللافتات العربية، ولكن يجب أن يتم ذلك وفقاً للقواعد واللوائح، وغير ذلك هو نهج يحوّل هذا الأمر إلى كراهية للأجانب وهو غير مقبول".

توقيت التغيير في سياسة الحزب يأتي وفق متابعين ضمن إطار الشكل الجديد للحزب الذي يتقرب من مختلف شرائح الشعب بعد فوز الحزب بالانتخابات المحلية، والتحضير للانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي تجرى في العام 2028 أو في حال حصلت بشكل مبكر مع استشعار تبدل المزاج العام للناخبين. ويدرك "الشعب الجمهوري" أن الكتلة المحافظة والمتدينة متمسكة بحزب العدالة والتنمية، ومع تولي القيادة من قبل أوزال وفريقه خلفاً للرئيس السابق كمال كلجدار أوغلو، وما أنتجته الانتخابات المحلية من فوز للحزب، كلها عوامل دفعت الحزب العلماني الكمالي للتقرب أكثر من الكتلة المحافظة للظفر بأصواتها، وشمل ذلك تهدئة الأوضاع السياسية والتركيز على المشاكل الاقتصادية مع تماشي بلديات المعارضة وسياسة الحكومة الاقتصادية بضبط النفقات والتقشف على صعيد القطاع العام.

أسباب المقاربة الجديدة للشعب الجمهوري

وعن تحولات الشعب الجمهوري قال الصحافي إبراهيم آباك، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن تصريحات أوزال تأتي بعد اجتماعه بأردوغان وزعيم حزب الحركة القومية دولت باهتشلي، وهي بمثابة إشارات إلى أن المناخ السياسي العدائي الذي طال أمده في تركيا سيتم استبداله باللغة الناعمة والسياسة البنّاءة والانتقادية، ويبدو أننا سنرى ذلك بوضوح أكبر في الأيام المقبلة، مضيفاً أن كلام أوزال حول أنه "لن يكون رؤساء بلدياتنا ممثلين للشعبوية الفظة، وأن عدم احترام اللافتات العربية سيكون بمثابة جريمة، مؤشر على ذلك".

وعن مستقبل اللاجئين وخصوصاً السوريين عقب هذه التصريحات، لفت آباك إلى أن تركيا "أصبحت أهم دولة يلجأ إليها المتضررون من الأزمات الإنسانية في العالم، واهتمت تركيا بمئات الآلاف والملايين من الأشخاص الذين فروا من الحرب أو جاءوا لاجئين من سورية ودول أخرى، لكن الإقامة يجب أن تكون مؤقتة، ولدى تركيا سياسة تتمثل في إعادة اللاجئين القادمين من سورية إلى بلادهم في ظل ظروف مواتية، وهو ما يسمى العودة الطوعية". وتابع: "مع تحسن المناخ السياسي في تركيا مستقبلاً سنسمع تصريحات معتدلة فيما يتعلق بالأجانب واللاجئين، ويبدو أنها ستكون فترة أكثر هدوءاً من أجواء ما قبل الانتخابات".

من جهته، قال الكاتب والباحث طه عودة أوغلو، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنه "بعد الضجة الكبيرة التي أحدثها بعض رؤساء البلديات من حزب الشعب الجمهوري بعد الفوز بالانتخابات، خصوصاً في بلدية يلوا التي تُعتبر عاصمة العرب كما يقولون في تركيا، لاحظنا أن هناك مقاربة جديدة مختلفة من قبل زعيم الحزب"، مضيفاً أنه "يمكن وضع هذه الخطوة في إطار المرحلة الجديدة التي يسلكها أوزال لإظهار اختلافه عن باقي الزعماء السابقين". ولفت إلى أن "هناك حالة من التهدئة بعد الانتخابات سواء لدى الحزب الحاكم أو الشعب الجمهوري لتهدئة التوتر المشحون داخل تركيا والتفرغ إلى قضايا أكثر أهمية، مثل الاقتصاد والدستور، بعدما كانت بعض القضايا مسار جدل في السنوات الماضية كموضوع السوريين، واليوم اللافتات العربية، وكلها لها انعكاسات سلبية فيما يتعلق بالناخبين وعلى السياحة في تركيا، وهذا ما فطن إليه الجميع".

طه عودة أوغلو: الجميع يحاول استقطاب أكبر شريحة من الشارع التركي، مع عدم المساس بقضايا حساسة للغاية

ورأى عودة أوغلو في تحولات الشعب الجمهوري أنها "مرحلة جديدة للحزب بعد اللقاءات والمصالحة مع الحزب الحاكم، وهناك خطوة لإرضاء الناخب التركي بشكل عام"، معتبراً أن "الجميع يحاول استقطاب أكبر شريحة من الشارع التركي، مع عدم المساس بقضايا حساسة للغاية، وهذه هي الأهداف التي يسعى إليها كل طرف خصوصاً حزب الشعب الجمهوري الذي خرج منتصراً في الانتخابات المحلية الأخيرة، ويستعد منذ هذه اللحظة للانتخابات المقبلة التي سوف يكون أردوغان خارجها"، مضيفاً أن "الشعب الجمهوري يحاول عدم ارتكاب أي خطأ خلال المرحلة المقبلة حتى يكون متسلحاً بكافة الأسلحة على الصعيد الداخلي ليفوز بالانتخابات المقبلة".

المساهمون