الحرمان من اللقاح: أداة تنكيل إسرائيلية بحق الأسرى الفلسطينيين

الحرمان من اللقاح: أداة تنكيل إسرائيلية بحق الأسرى الفلسطينيين

11 يناير 2021
يحتكر الاحتلال المعلومات بشأن إصابات الأسرى بالفيروس (مصطفى حسون/الأناضول)
+ الخط -

لا تكفي الأسرى الفلسطينيين الظروف القاسية التي يعيشونها داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي مع عمليات القمع والتنكيل، حتى يضاف فيروس كورونا ليتحول إلى أداة تنكيل جديدة. فقد صدرت تصريحات عن وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي أمير أوحانا تطالب بحرمان الأسرى الفلسطينيين من التطعيم بلقاح كورونا، رداً على مطالبة المستشار القضائي لحكومة الاحتلال، أفيحاي مندلبليت بوجوب منحهم اللقاح. وادّعى أوحانا أن قرارات مندلبليت لا تعدو كونها "توصية" يمكن له كوزير قبولها أو رفضها. وعلى الأثر، عمدت خمس منظمات حقوقية، وهي: جمعية حقوق المواطن الإسرائيلية، مركز عدالة، مركز الدفاع عن الفرد، أطباء لحقوق الإنسان، وحركة حاخامات من أجل حقوق الإنسان، إلى تقديم التماس للمحكمة الإسرائيلية العليا، أمس الأحد، لإلزام أوحانا بمنح اللقاح للأسرى الفلسطينيين، وعدم قصرها فقط على عناصر مصلحة السجون الإسرائيلية. مع العلم أن اللقاح لم يُمنح للأسرى الفلسطينيين، حتى المرضى الذين يعانون من أمراض خطرة أو كبار السن، رغم البدء بإعطاء اللقاح للسجناء الجنائيين في السجون الإسرائيلية. وهو ما اعتبره مسؤولون فلسطينيون في مؤسسات تعنى بشؤون الأسرى، قراراً عنصرياً.


لم تقم سلطات الاحتلال بمنح اللقاح للأسرى في السجون

وتعتقل قوات الاحتلال الإسرائيلي في سجونها 4400 أسير حالياً، بينهم 700 أسير مريض، يعاني 300 منهم أمراضاً مزمنة، ويحتاجون لمتابعة صحية. وأكد رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين الفلسطينية قدري أبو بكر في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الهيئة تقدمت بالتماس لمحكمة الاحتلال العليا، برفقة عدد من المؤسسات الحقوقية، ضد قرار وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي، ومن المنتظر أن تحدد المحكمة موعداً لجلسة للنظر فيه. وأضاف أبو بكر أن "الهيئة تعمل على إعداد التماس آخر منفصل ستقدمه خلال الفترة المقبلة للسبب نفسه، بالتزامن مع التماس تقدم به مستوطنون للكنيست لرفض إعطاء اللقاح للأسرى". ولفت إلى أن الأمم المتحدة أصدرت بياناً يؤكد مسؤولية الاحتلال بالعناية الطبية والصحية للأسرى داخل السجون، وهو ما تنص عليه كل المواثيق الدولية واتفاقيات جنيف. وتطرق أبو بكر إلى الاستهتار بحق الأسرى، تحديداً خلال الأشهر الثلاثة الأولى من تفشي الوباء، والتي بدا فيها التجاهل الواضح للتعامل مع الأزمة الصحية، ولم تبدأ إدارة سجون الاحتلال بتعقيم الساحات والغرف إلا بعد ثلاثة أشهر من تفشي الوباء، إثر مطالبات ومناشدات من كل المؤسسات الدولية. وأضاف أنه لم يتم اتخاذ إجراءات عزل للأسرى الذين يتم اعتقالهم حديثاً خلال تلك الفترة. هذا الاستهتار ظهر أيضاً بحسب أبو بكر "حين أبلغ الاحتلال الأسرى قبل شهر، منع بيعهم مواد التعقيم والمنظفات التي كانت تباع لهم عبر الكانتينا (بقالة السجن) على حسابهم، من دون تقديم أي مبرر. ورفضت كذلك إدارة السجون طلب الأسرى توفير تلك المواد بداعي عدم وجود إمكانيات". واتهم أبو بكر الاحتلال بتعمّد نشر الوباء، مستذكراً حادثة سجن جلبوع، حين أصيب عدد كبير من الأسرى بالفيروس، بسبب رفض عيادة السجن التعامل مع ثلاثة أسرى توجهوا للعيادة وهم يعانون أعراض كورونا من ارتفاع الحرارة وفقدان حاسة الشم، ورغم ذلك أخبرتهم العيادة بأنه "رشح عادي" وتمّت إعادتهم للقسم، فأصيب العديد من الأسرى بالفيروس. من جهته، أكد رئيس نادي الأسير الفلسطيني قدورة فارس، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن القضية المرفوعة من أجل تأمين اللقاح للأسرى ستكون رابحة "إذ لا يوجد أي مسوغ قانوني أو أخلاقي" لمنع توزيع اللقاح. وتكمن الخطورة بتفشي الفيروس، تحديداً في حال تأخير تطعيم الأسرى باللقاح، إذ توجد خطورة حقيقية على حياة الأسرى المرضى وكبار السن. وفي حال انتقال الإصابة لمريض، فإن ذلك قد يؤدي إلى استشهاده في ظل وجود سياسة إهمال طبي.

وفي السياق، أبدى فارس قلقه من تزايد الإصابات بكورونا في صفوف الأسرى، لأن السجون أماكن مغلقة، "بالتالي فإنها معرّضة لانتشار المرض فيها. ويعيش الأسرى هناك مع بعضهم على درجة عالية من الاختلاط الإجباري". وشدّد فارس على ضرورة إيجاد إجراءات لمنع تفشي الفيروس في السجون بشكل أكبر، لأن عواقب تفشي الفيروس كارثية، وقد تؤدي إلى سقوط شهداء. ولفت إلى أن ملف إصابات الأسرى بكورونا ما زال ممسوكاً من الاحتلال، وهو ما يجعل القلق أكبر بشأنهم. وحول اختلاف الآراء الإسرائيلية بشأن منح اللقاح للأسرى، ذكر مدير مركز الدفاع عن الحريات والحقوق المدنية "حريات"، حلمي الأعرج في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الاحتلال يتخبّط، فقد أعلن في البداية عن منح اللقاح للأسرى وطلب منهم تزويد إدارة السجون بمن يرغب بأخذه، ثم أعلن وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي أن إعطاء اللقاح سيتأجل لشهر أو شهرين. بعدها قرر منع تقديم اللقاح للأسرى، رغم إعلان المدعي العام الإسرائيلي اختلافه معه وأن ذلك ليس من صلاحيات وزير الأمن الداخلي". ولفت الأعرج إلى أن موقف الوزير الإسرائيلي المعارض لإعطاء اللقاح للأسرى مخالف للقانون الدولي الإنساني. وقال: "إنه ينطوي على موقف سياسي وعنصري، لأن القانون الدولي الإنساني ينص على أن الدولة القائمة بالاحتلال تتحمل مسؤوليتها الكاملة تجاه الشعب الذي يرزح تحت الاحتلال بما يتعلق بالوضع الصحي، لكن الاحتلال أزاح عن نفسه هذه المسؤولية باتجاه السلطة الفلسطينية". وطالب الأعرج المؤسسات الدولية بالضغط على الاحتلال، مشدّداً على أنه "هنا يأتي دور الأمين العام للأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية، لإدانة هذا السلوك الإسرائيلي، لأن فيه خطراً على الأسرى، خصوصاً المرضى، فمن يمارس سياسة الإهمال الطبي والإعدام الميداني والإعدام البطيء، لن يكترث بصحة الأسرى وحياتهم". وتزايدت أعداد الإصابات بكورونا في صفوف الأسرى منذ بداية تفشي كورونا، وبلغت أرقاماً عالية منذ نحو الشهرين، حين أُصيب أكثر من مائة أسير في سجن جلبوع بالفيروس. بالتالي، بلغ عدد المصابين بالفيروس منذ بداية تفشي الوباء حتى الآن 190 إصابة، 50 منها نشطة في سجن النقب فقط، بعد ظهور إصابات بالفيروس في السجن قبل 10 أيام، بينما لم تسجل أي حالة وفاة نتيجة الإصابات بكورونا في صفوف الأسرى، وفق مسؤولة الإعلام في نادي الأسير الفلسطيني أماني السراجنة. وظهرت الإصابات بكورونا بصفوف الأسرى بشكل كبير في سجن جلبوع، وبلغت أكثر من مائة إصابة. كذلك سجل سجن النقب 50 إصابة، بالإضافة إلى 40 إصابة في بقية سجون الاحتلال.

اتهامات للاحتلال بتعمّد نشر الوباء في السجون 

في المقابل، تستهتر إدارة سجون الاحتلال بالمصابين بكورونا وتخصص لهم قسماً لـ"العزل" في سجن ريمون. وهو ما يضاعف عزل المصابين الأسرى، علاوة على الاستهتار بإعطاء كل أسير حبة حمضيات واحدة، وبالحد الأقصى تعطيهم حبة مسكن حين يشعرون بالصداع، وترفض إعطاءهم الفيتامينات أيضاً. وبحسب السراجنة فإن ما يزيد القلق على الأسرى هو احتكار الرواية لدى الاحتلال بشأن إصابتهم أو ظروفهم الصحية، بل إن الاحتلال حوّل فيروس كورونا أو الإصابة به لأداة قمع بحق الأسرى. أما ما يزيد الأمر تعقيداً حول المعلومات بشأن الحالة الصحية للأسرى، فهو حرمانهم من زيارات ذويهم وعدم انتظامها طيلة وباء كورونا. ولفتت إلى أن إدارة سجون الاحتلال لم تعمل على إيجاد بديل لتواصل الأسرى بعائلاتهم، رغم انقطاع الزيارات منذ بدء تفشي الوباء.
ومنذ بدء الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة عام 1967، سجلت المؤسسات الحقوقية استشهاد 226 أسيراً داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي، لا تزال تحتجز قوات الاحتلال جثامين 8 منهم، بينهم الأسير أنيس دولة منذ عام 1980. ومن بين الشهداء الأسرى، سقط 71 منهم نتيجة الإهمال الطبي، و73 نتيجة التعذيب، والبقية تم قتلهم بشكل متعمد. كما سقط شهداء قبل عام 1967 ولم يتم توثيق استشهادهم، بينما استشهد المئات من الأسرى المحررين بعد الإفراج عنهم، نتيجة مضاعفات لأمراض أصابتهم خلال فترة اعتقالهم. وتعتقل قوات الاحتلال الإسرائيلي في سجونها 4400 أسير حالياً، بينهم 700 أسير مريض، يعاني 300 منهم أمراضاً مزمنة، ويحتاجون لمتابعة صحية.

المساهمون