عذاب وامتهان كرامة في حب الزعيم

عذاب وامتهان كرامة في حب الزعيم

06 مايو 2018
+ الخط -
من الظواهر العجيبة التي تفرد بها نظام عبد الفتاح السيسي في مصر عمن سبقه هو تسابق عديدين من أنصاره والمتيمين بحبه، والذين يطلق عليهم السيساوية، في إظهار مدى حبهم وعشقهم له، لكن بطريقة غريبة نوعا ما، عبر الإعراب عن عدم ممانعتهم في امتهان كرامتهم، والحط من شأنهم إذا كان ذلك سيخدم معشوقهم، ويجعله سعيدا راضيا عنهم. أحدث هؤلاء كان "الفنان" محمد صبحي، الذي صرح أنه لا يمانع في أن يقوم السيسي بحبس وتعذيب أولاده، حتى لا يمس أحد تراب بلده!
قبل صبحي بفترة وجيزة، سار المذيع مفيد فوزي على المنوال نفسه، عندما أكد أنه مستعد أن "يلحس" الأرض التي يمشي عليها السيسي، وأن "يطبل" وأن "يبلع الزلط" في سبيل عدم عودة الإخوان المسلمين. لكن الدكتور أحمد عكاشة، الطبيب النفسي الشهير والمستشار الطبي للسيسي وأحد السيساوية الكبار، لم يرغب، على ما يبدو، في أن يطاوله الإذلال وامتهان الكرامة هو فقط، بل أراد تعميم الأمر على الشعب بأكمله، عندما صرّح بأنه طالب السيسي بتجويع الشعب المصري حتى تنهض البلاد!
وللأسف، امتد هذا الخطاب، حتى وصل إلى المواطنين العاديين، فقد ألقت قوات الأمن القبض على صحفية ومصور أثناء إعدادهم تقريرا مصورا عن ترام الإسكندرية، وبدلا من أن يهب والد الصحفية، ليدافع عن ابنته ضد التهم الهزلية التي اتهمت بها، إذا به يقول "فلتذهب ابنتي وأنا إلى الجحيم ويبقى الوطن". وعلى الرغم من موجة الغضب الواسعة التي أثارها غرق منطقة التجمع الراقية في العاصمة المصرية نتيجة السيول، إلا أن كاتبة صحفية (اشتهرت بتحريضها على شباب الثورة) حرصت على كتابة منشور تبدي فيه رضاها وعدم غضبها مما حدث، على الرغم من أنها ظلت حبيسة سيارتها على الطريق لأكثر من سبع ساعات متواصلة، بسبب غرق الطرق، بل وحرصت على تأكيد أن الجميع كانوا مثلها راضين وسعداء، على الرغم من عشرات الفيديوهات التي نشرها مواطنون غاضبون في الوقت نفسه، وأنهم جميعا مؤمنون بأن الإخوان المسلمين سدّوا بالوعات صرف المياه حتى تغرق المنطقة!
ولا تنفصل تلك التصريحات عن الأفعال التي قام بها أنصار الانقلاب والسيسي منذ اليوم الأول للانقلاب، من قبيل وضع "بيادة" فوق رؤوسهم، والسجود على صور السيسي، وتقبيلها في أفعال أقرب للطقوس الوثنية، حتى إن عزمي مجاهد صرح مراتٍ بأن حذاء الشرطة فوق رأسه، وبأنه مستعد لأن يمسح أحذية ضباط الشرطة، تقديرا لخدمتهم للوطن.
تمكن مناقشة تلك التصريحات والأفعال جميعها من أكثر من زاوية، مثل الرابط غير المنطقي
بين رأس النظام والوطن واعتبارهما شيئا واحدا، وكذلك التحريض على المعارضين، وعلى من انتخبهم الشعب المصري مرات، واعتبارهم خونة لمجرد الخلاف الفكري، لكن الزاوية الأهم والأعجب في تلك التصريحات أنها تضحي بكل القيم والمعاني التي يمكن أن يعيش من أجلها الإنسان في سبيل إرضاء شخص واحد فقط، فمن أجل ماذا يمكن لأحدٍ أن ضحي بفلذة كبده؟ وماذا يتبقى من كرامة الإنسان، إذا قام بـ"لحس" الأرض التي يمشي عليها شخصٌ ما؟ وأي نهضةٍ ممكن أن تتحقق لشعب جائع؟ ولماذا يضطر الإنسان إلى التضحية بأولاده، منعا للمساس بتراب بلده، إذا كان النظام باع هذا التراب نفسه بالفعل، عبر تنازله عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية، وسماحه للطيران الإسرائيلي بالعبور فوق أجواء سيناء لضرب أهداف داخل مصر؟ فضلا عن مشكلة سد النهضة التي ستقضي على حصة مصر من مياه النيل، إذا اكتمل بناء السد؟ كيف بعد هذا كله يتصور "الفنان" محمد صبحي أن تراب مصر لم يمس بعد؟ وأي وطن هذا الذي يحبس أبناءه، ويطالبهم بالتضحية من أجل "الترام"؟ ولماذا لا يكتفي السيد والد الصحفية المقبوض عليها بأن يذهب هو فقط إلى الجحيم، بدلا من أن يصطحب ابنته معه، وكأنها مأدبة غداء يدعو إليها من يريد؟ ولماذا لم يتوصل المدعو عزمي مجاهد إلى طريقةٍ أخرى، لتقدير رجال الشرطة، بدلا من وضع أحذيتهم فوق رأسه؟
بالعودة إلى التسريبات التي ظهرت للسيسي، نجد الإجابة واضحة عن تلك التساؤلات، فقد وصف السيسي في إحداها نفسه بأنه "عذاب ومعاناة"، وبأنه سيذيق المصريين الأمرّين إذا أصبح رئيسا للبلاد، وها هو يذيق طباليه كأس الذل والهوان، وها هم "يستعذبون" العذاب من أجله. وقد صرح محمد صبحي بأن منتقدي النظام سيسحلون في الشوارع، إذا وطئت أقدامهم أرض مصر، ويبدو أنه يحلم بأن يقوم بإذلال المعارضين المصريين، تعويضا عن الإذلال الذي يتعرّض له في حب الزعيم.
D90F1793-D016-4B7E-BED2-DFF867B73856
أسامة الرشيدي

صحفي وكاتب مصري، شارك في إنجاز أفلام وحلقات وثائقية عن قضايا مصرية وعربية، وكتب دراسات ومقالات نشرت في مجلات ومواقع إلكترونية.