عون ومكانة لبنان

عون ومكانة لبنان

04 مارس 2017
+ الخط -
أحيا انتخاب الجنرال ميشال عون رئيساً للجمهورية في لبنان الذي عانى من فراغ رئاسي، استمر أكثر من عامين، آمالاً لدى لبنانيين عديدين بأن عهده سيكون بدايةً لعودة الاستقرار وترسيخ الشعور بالأمن لدى مواطني هذه الدولة الذين يعانون كثيراً من انعكاسات الحرب الأهلية في سورية، ومن تدخل مقاتلي حزب الله فيها دفاعاً عن نظام بشار الأسد، ومن مواقف الحزب المؤيدة لحرب الحوثيين في اليمن، ومن نتائج دعمه الاحتجاج السياسي في البحرين، ومن التأثيرات السلبية لحملات الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله العنيفة على دول الخليج، وفي طليعتها السعودية.

واعتقد اللبنانيون وهلة أن اختيار الرئيس عون الرياض محطة لأول زيارة يقوم بها تعبير عن رغبته في إعادة العلاقات اللبنانية –السعودية إلى طبيعتها، ومؤشر على استعادة الرئاسة اللبنانية دورها في رسم علاقات لبنان مع الدول العربية، وتبديد سوء التفاهم الذي أدى إليه تدخل حزب الله في الشؤون الداخلية لدول عربية.
من هنا الاستغراب الذي أثاره تصريح عون خلال زيارته القاهرة منتصف فبراير/ شباط الماضي، إن سلاح حزب الله ضروري، طالما هناك أراض لبنانية تحتلها إسرائيل، ونظراً إلى ضعف الجيش اللبناني في الدفاع عن لبنان في وجه التهديدات الإسرائيلية.
هناك من ادّعى أن هذا الكلام كان موجهاً إلى الداخل اللبناني، وهدفه طمأنة جمهور حزب الله، أن زيارات الرئيس عون إلى ما يُعتبر محور الدول العربية السنية البراغماتية لا يعني التخلي عن دعمه محور "الممانعة" الذي تتزعمه إيران، والمؤلف من سورية وحزب الله. لكن مكان التصريح وزمانه يطرحان تساؤلاتٍ كثيرة. لا أعلم ما إذا كان الرئيس عون يتذكّر أن السلطات المصرية، إبان حكم حسني مبارك، ألقت القبض على أفراد خليةٍ، قيل إنها تابعة لحزب الله، كانت تخطط للقيام بعمليات في مصر، وقد فرّ هؤلاء من السجن أيام ثورة يناير في 2011. وعلى الرغم من تغير توجهات الحكم في مصر برئاسة عبد الفتاح السيسي مما يجري في سورية، ودعمه بقاء نظام الأسد، ما قد يُفسر ضمناً أنه يقبل دور حزب الله هناك، إلا أن هذا لا يعني أن الحكم في مصر نسي مشكلته الأمنية التي كانت له سابقاً مع حزب الله.

من حيث التوقيت، جاء تصريح عون في خضم عودة حملة التهديدات المتبادلة بين حزب الله وإسرائيل، وكان جديدها تهديد نصر الله بالرد على أي اعتداء إسرائيلي بقصف مفاعل ديمونا ومنشآت الأمونياك في حيفا. وعملياً، شكل ما قاله الرئيس اللبناني في القاهرة فرصةً كي تعود إسرائيل إلى التشديد بأن أي مواجهة مستقبلية مع الحزب على جبهتها الشمالية ستكون شاملة على الحزب والدولة اللبنانية، لأنهما يشكلان كلاً واحداً. وسارع محللون إسرائيليون إلى استخلاص الاستنتاجات الاستراتيجية المترتبة عن هذا التبدل على إسرائيل. من هذه الاستنتاجات زوال الفكرة التي كانت سائدةً داخل أوساط إسرائيلية عن وجود معسكرين سياسيين في لبنان، معارض لسلاح حزب الله وآخر مؤيد له، والتأكيد أن "دويلة" حزب الله أصبحت الآن أقوى من الدولة اللبنانية.
على الرغم من كل اللغط الإسرائيلي حوله، فإن تصريح الرئيس عون لا يغير كثيراً من طبيعة المواجهة العسكرية المقبلة بين إسرائيل وحزب الله. إذ حتى لو اعتبرت إسرائيل الحزب والدولة اللبنانية كياناً واحداً، فإنها ستبقى تواجه ضغوطا دولية كبيرة، إذا قامت فعلاً بتدمير البنى التحتية المدنية اللبنانية، لا سيما في ضوء حقيقة أن أحداً لا يرغب في تحويل لبنان إلى ساحة خراب ودمار. كما أن كلام عون لم يغير شيئاً من الصعوبة التي ستواجه الجيش الإسرائيلي في حسم معركةٍ عسكرية مع تنظيم مسلح، يختبئ بين السكان المدنيين، وأكبر دليل على ذلك عملية "الجرف الصامد" التي خاضتها إسرائيل ضد "حماس" في قطاع غزة صيف 2014.
في الخلاصة، لم يغير تصريح عون شيئاً جذرياً في معادلة الردع المتبادل بين إسرائيل وحزب الله، لكنه على الأرجح أساء إلى مكانة لبنان على الصعيد الدبلوماسي، العربي والدولي، فكيف يمكن أن يدافع عون عن تماهيه الرسمي مع حزب الله أمام دول تصنف الحزب تنظيما إرهابيا؟ وكيف سيمكنه لاحقاً الحصول على قراراتٍ دولية تدافع عن سيادة لبنان في وجه الاعتداءات الإسرائيلية؟ والأهم كيف يمكن أن يكون عون رئيساً لجميع اللبنانيين، في وقتٍ يتماهى مع طرف مسلح، تعتبره فئة من اللبنانيين الحامي والمدافع عن بلدهم، فيما تعتبره فئة أخرى مشجعاً على الفتنه الداخلية، ومخرّباً للعلاقات مع الأشقاء العرب؟
رندة حيدر
رندة حيدر
رندة حيدر
كاتبة وصحافية لبنانية متخصصة في الشؤون الإسرائيلية
رندة حيدر