في عراق اليوم

في عراق اليوم

04 يونيو 2015

تظاهرة ضد الفساد في العراق (12مايو/2010/أ.ف.ب)

+ الخط -

أصبح تعبير (يعجبني) منتشرا في عالمنا العربي، بعد أن عملت على إشاعته بعض وسائل التواصل الاجتماعي، وخصوصاً "فيسبوك"، حيث بدأنا نستخدمه في الدلالة على مرورنا على "بوست"، أو اطلاعنا على صفحة مطروحة على الموقع، أذكر أيضا أن أكثر من صحيفة عراقية كانت، أيام زمان، تفرد عموداً بعنوان "يعجبني ولا يعجبني"، في نقد ممارسات الحكومة، والطبقة السياسية النافذة آنذاك، إلا أن وثوب "العسكرتاريا" والأحزاب الشمولية إلى السلطة، قبل نصف قرن، قضى على كل هامش ديمقراطي مهما كان صغيراً، وغاب هذا العمود، أو غيّب، بعد أن أصبحت قرارات الحاكم مثار إعجاب المواطن واستحسانه، ولم يعد ثمة ما لا يعجب المواطن!

وجدت، وأنا أكتب مقالتي لهذا الأسبوع، أن أستعيد العمود الغائب، وأبدأ بتسجيل إعجابي بتسمية "لبيك يا عراق" التي أطلقها حيدر العبادي على عملية تطهير الأنبار، وأيضا تعجبني مقولته أن "الحسين عليه السلام هو سيد الشهداء، وهو لا سني ولا شيعي"، ويعجبني أكثر لو تخلص العبادي من القيد الطائفي الذي كبله به حزب الدعوة، وتحول إلى "رجل دولة"، بدلا من رجل طائفة أو مذهب، كما يعجبني كشف سياسي شيعي قريب من الحكومة لزميل لبناني من أن خلف التسمية الأولى "لبيك يا حسين" كانت هناك رغبة إيرانية، وأن خلف هزيمة الجيش في الرمادي كانت هناك أيضا رغبة إيرانية أيضا، ولسوف أكون معجبا أكثر لو كف الحكام العراقيون أن يكونوا أداة في يد دولة "ولاية الفقيه".

لا تعجبني دعوة السيد السيستاني العراقيين " للقتال مع دولة الإمام المهدي المنتظر، ليس في العراق فحسب، وإنما في أي مكان آخر، لأن دولة المهدي هي كل الأرض"، و"علينا الاستعداد لها منذ الآن، وتدريب شبابنا ورجالنا على القتال والتعبئة"، لأنني أشم في هذه الدعوة رائحة مذهبية، وأرى فيها نسخة منقحة من دعوات البغدادي التي تزعم أنه "صار واجباً على جميع المسلمين مبايعة الخليفة، وتبطل جميع الإمارات والولايات والتنظيمات التي يمتد إليها سلطانه، ويصل إليها جنده"، و"مقاتلة أعداء الإسلام، حيث إنهم كفار مرتدون".

لا يعجبني قول فاضل ميراني، القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني، إن "الوقت الحالي هو الأنسب لإعلان الدولة الكردية"، وتأكيده أن جبال حمرين لم يصنعها الكرد، ولا العرب، انما هي من صنع الله"، وأتساءل: هل هذا هو الوقت المناسب حقا، والعراق يسقط في جهنم؟

لا يعجبني اتكاء برلمانيين على "المرجعية الشيعية"، في تأييد تشريعات تتعلق بالحياة المدنية أو معارضتها، ولا صلة لها بأمور الدين، من ذلك مطالبة "ائتلاف دولة القانون" بنقض تشريع أقره البرلمان، أخيراً، والتراجع عنه بدعوى رفض المرجعية له، أليس ذلك إقرارا ضمنيا بأن السلطة هي للمرجعية، وليست للشعب كما ينص ما يسمى (الدستور).

تعجبني الدعوة إلى بناء جيش محترف، ذي كفاءة ومقتدر، يضم العراقيين بغض النظر عن هوياتهم الطائفية أو المذهبية أو العرقية، لكن الظاهر أن الريح في بلادنا تجري بما لا تشتهي السفن. لا يعجبني وجود سجون خاصة تابعة لمليشيات معينة، تعتقل فيها من تشاء، كما لا يعجبني سكوت الدولة عنها، لأن توغل المليشيات لا يقل خطراً عن توغل داعش.

يعجبني كشف وزير النفط خسارة القطاع النفطي 14.5 مليار دولار، جراء "فساد حقيقي، وغياب حقيقي للتخطيط والإدارة الرشيدة"، على حد وصفه، ولا يعجبني عدم محاسبة أحد. يعجبني أمر رئيس الوزراء إجراء تحرٍّ لمعرفة مصير ملياري دولار اختفت من حسابات مجلس الوزراء، بين شهري نوفمبر/تشرين الثاني 2013 ويوليو/تموز2014 في فترة رئاسة نوري المالكي الحكومة، ولا يعجبني أن تحريات في فضائح سابقة مماثلة لم تصل إلى نتيجة.

يعجبني إعلان اللجنة المالية في البرلمان أن عمليات الفساد وغسيل الأموال كلفت العراق 360 مليار دولار في 9 سنوات، ولا يعجبني سكوت الحكومة عن هذه الفضيحة اللافتة. يعجبني كشف لجنة الأمن والدفاع البرلمانية أن" بعض منافذ الحدود العراقية تباع وتشترى بتواطؤ مسؤولين مع تجار وشركات معينة، حيث يتم توريد أغذية فاسدة، وأخرى مسرطنة، وأدوية منتهية الصلاحية، ومواد ممنوعة، مقابل مبالغ مالية كبيرة"، ولا يعجبني استمرار الحال من دون حساب.

أختتم مقالتي بما هو متداول عندنا "أسمع كلامك يعجبني، أشوف أفعالك أتعجب"، وأشير إلى بيان وزير الخارجية أن الحكومة "لا تسمح بوجود أي نوع من أنواع المحاباة والتمييز في سياسات القوات المسلحة في المناطق التي تدخلها، وفي المجاميع التي تعمل تحت مظلتها"، و"إن العمل تحت مظلة القوات المسلحة لا يكون إلا على أسس وطنية عراقية، ومن دون التمييز على خلفية طائفية أو مناطقية"، وأكتفي بالآية الكريمة "يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم".

583FA63D-7FE6-4F72-ACDD-59AE85C682EB
عبد اللطيف السعدون

كاتب عراقي، ماجستير علاقات دولية من جامعة كالجري – كندا، شغل وظائف إعلامية ودبلوماسية. رأس تحرير مجلة "المثقف العربي" وعمل مدرسا في كلية الاعلام، وشارك في مؤتمرات عربية ودولية. صدر من ترجمته كتاب "مذكرات أمريكيتين في مضارب شمر"