هل تتحوّل منظمة الدول التركية إلى تحالف عسكري؟

هل تتحوّل منظمة الدول التركية إلى تحالف عسكري؟

02 ديسمبر 2022
+ الخط -

في ظل ظروف واقع اليوم، والتحديات الجيوسياسية التي يمر بها العالم، يصبح التعاون بين الدول أكثر براغماتية وديناميكية، والواضح، في الآونة الأخيرة، أن بلدانا عديدة تفضّل المنظمات الإقليمية على نظيرتها العالمية، وغالبًا ما تكون تلك الهياكل الإقليمية هي التي توفّر الساحة الأكثر فعالية للتعاون المتبادل بين الدول، مع مراعاة المصالح الوطنية لكل طرف، وإحدى هذه المنظمات الإقليمية منظمة الدول التركية.

مع انهيار الاتحاد السوفياتي عام 1990، لم تعد جمهوريات آسيا الوسطى تحت السيطرة الروسية، ما فتح الباب أمام تركيا لزيادة النفوذ في المنطقة، ولعل أبرز التحدّيات غياب الحدود المشتركة. .. سارت العلاقات التركية مع جمهوريات آسيا الوسطى بسلاسة، ففي 2009، دعت كازاخستان إلى تأسيس اتحاد للدول الناطقة بالتركية، يشمل أذربيجان وكازاخستان وقيرغيزستان وتركيا، وتتطلع أستانة إلى دور القيادة فيه. رفضت أوزبكستان وتركمانستان هذه الدعوة وقتها، ولم تعترض أنقرة على هذا، مدركةً أن جمهوريات آسيا الوسطى، بعد خروجها من عباءة موسكو، لم تعد تريد أن يلعب أحدٌ دور الأخ الأكبر عليها.

ومرّت منظمة الدول التركية عبر ثلاث مراحل من التحولات في تاريخها، حيث انعقدت قمة الدول الناطقة بالتركية في 1992، والتي كانت الخطوة الأولى للتكامل بين البلدان الناطقة بالتركية، ومن 1992 إلى 2009، عُقدت تسع قمم أسفرت عن توقيع اتفاقية ناختشيفان بشأن تشكيل مجلس التعاون للدول الناطقة بالتركية (المجلس التركي). وفي 2021، تم تغيير اسم المجلس إلى منظمة الدول التركية، وكانت قمة هذا العام في سمرقند بأوزبكستان أول قمة لمنظمة الدول التركية، حيث ظهر الاهتمام بهذا الحدث والتجمّع مرتفعا أكثر من أي وقت مضى. وباتت المنظمة اليوم تضم تركيا وأوزبكستان وأذربيجان وكازاخستان وقيرغيزستان، بالإضافة إلى المجر دولة مراقبة مع تركمانستان، وقبرص التركية، بعدد سكان حوالي 170 مليون شخص، ويبلغ إجمالي الناتج المحلي لهذه الدول 1.5 تريليون دولار.

التأكيد على الهوية القومية التركية ومكانة تركيا باعتبارها العضو الأكبر من حيث عدد السكان يمنح أنقرة درجة من السيطرة على هذه المنظمة

ومنذ تأسيس المجلس التركي، ولاحقا تغيير الاسم إلى منظمة الدول التركية، تثير أوساط سياسية وإعلامية عديدة تساؤلاتٍ كثيرة بشأن أن الخطوة التالية لهذا التجمّع الإقليمي ستكون نحو الاتحاد، بعد تعميق الروابط في شتّى المجالات، لاسيما بعد تصريحات رئيس الوزراء التركي السابق، بن علي يلدريم، رئيس مجلس حكماء منظمة الدول التركية، في مارس/ آذار الماضي، بأنه يأمل في إقامة تحالف شبيه بالاتحاد الأوروبي، يتمتّع بحرية كاملة في حركة البضائع والأشخاص.

ولكن التأكيد على الهوية القومية التركية ومكانة تركيا باعتبارها العضو الأكبر من حيث عدد السكان يمنح أنقرة درجة من السيطرة على هذه المنظمة، وهذا سبب توقع مراقبين كثيرين أن هذا التجمّع الإقليمي أداة لتوسيع النفوذ التركي، تُركّز على الطاقة والتجارة. ولا يغيب عن التداول بين حين وآخر الحديث عن إمكانية ظهور تحالف عسكري في إطار هذه المنظمة، وعلى وجه الخصوص خلال حرب كاراباخ الثانية بين أرمينيا وأذربيجان أواخر عام 2020، حيث لعب الدعم العسكري التركي دوراً مهماً في انتصار أذربيجان، أواخر العام الماضي.

بسبب المخاوف الأمنية التي أفرزتها الأزمة الأوكرانية، وأشعلت عدة حروب، واضح أن الدول التركية بدأت تقترب من بعضها بعضا أكثر فأكثر

وصادقت الحكومة الكازاخية، في أغسطس/ آب الماضي على اتفاق تعاون مع تركيا في مجال الاستخبارات العسكرية، بالإضافة إلى اتفاق سابق للتعاون عسكريا. ومطلع العام الجاري، وخلال حفل في عاصمة قيرغيزستان بيشكيك، حيث قدّمت وزارتا الدفاع والداخلية التركيتان معدّات عسكرية وفنية للقوات المسلحة القيرغيزية، في إطار اتفاقية تعاون بين البلدين، قال نائب وزير الدفاع القيرغيزي، العقيد تالايبيك أوسوبالييف، إن دعم تركيا سيسهم في حل المشكلات المتعلقة بالأمن العسكري في البلاد. وفي أواخر عام 2020، وقع وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، اتفاقية تعاون عسكري ومالي مع نظيره الأوزبكي، بخادر قربانوف، خلال زيارته العاصمة طشقند.

وقال نائب وزير خارجية كازاخستان، رومان فاسيلينكو، إن تشكيل تحالف عسكري في إطار منظمة الدول التركية لا تتم مناقشته داخل المنظمة، ولا يخدم اهتمامات كازاخستان، ولا الدول الأعضاء الأخرى في منظمة الدول التركية. وجاء حديثه هذا ردّا على سؤال كاتب هذه السطور، عن إمكانية تحالف عسكري بين الدول التركية، خصوصا بعد القفزات السريعة في عمل المنظمة خلال السنوات الأخيرة. وأفاد فاسيلينكو بأن المنظمة تطوّرت بقوة في السنوات الأخيرة، وأن اهتمامات بلاده تكمن في تطوير التعاون في مجالي الاقتصاد والثقافة.

ويبقى القول، أخيرا، وبسبب المخاوف الأمنية التي أفرزتها الأزمة الأوكرانية، وأشعلت عدة حروب، واضح أن الدول التركية بدأت تقترب من بعضها بعضا أكثر فأكثر.