الحرب الإسرائيلية على غزّة

الحرب الإسرائيلية على غزّة... أهدافها ونتائجها المتوقّعة

02 نوفمبر 2023

فلسطينيون في مخيم جباليا يقومون بعمليات إنقاذ بعد قصف إسرائيلي (1/11/2023/ الأناضول)

+ الخط -

بعد حملة قصف جوي غير مسبوق، استغرقت أكثر من 20 يومًا على قطاع غزّة، وأسفرت عن سقوط نحو تسعة آلاف من المدنيين الفلسطينيين، غالبيّتهم من الأطفال والنساء، وجرح نحو 20 ألفًا، وتدمير آلاف المنازل، واستهداف المستشفيات والمساجد والكنائس، وتهجير نحو مليون فلسطيني إلى جنوب القطاع، بدأ الجيش الإسرائيلي هجومه البرّي في 27 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 بقصف جوّي وبرّي وبحري تركّز خصوصًا في شمال القطاع.

أهداف الحرب

بعد عملية طوفان الأقصى التي نفّذتها حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، والتي تمكّنت خلالها من اقتحام عشرات المواقع والمستوطنات الإسرائيلية في محيط قطاع غزّة، مُوقعة خسائر كبيرة في الجانب الإسرائيلي، حدّدت القيادات العسكرية والمدنية الإسرائيلية هدفها من الحرب على قطاع غزّة بالقضاء على حركة حماس وحكمها فيه. وقد دار نقاشٌ طويلٌ بين قيادات الجيش الإسرائيلي بشأن كيفية تحقيق هذا الهدف الذي لا يمكن تحقيقه من دون هجوم برّيٍّ واسع النطاق. وتمحور النقاش حول اتّباع هذه الاستراتيجية، أم القيام بعملياتٍ عسكريةٍ محدودةٍ، مصحوبة بالقصف الجوي من أجل تحقيق الهدف. 

وقد ازدادت المعضلة لدى قيادة الجيش الإسرائيلي في ضوء عدم جاهزيته بما في الكفاية لشنّ هجوم برّي، وعدم جاهزيته للحرب في داخل المدن؛ ذلك أنه استثمر في العقود الماضية في بناء قوته الجوية والتكنولوجية و"السايبر" والمخابرات، خصوصًا في شنّ ما تسمّى "المعركة بين الحروب" ضد أهدافٍ في سورية، على حساب قواته البرّية التي تراجعت جاهزيتها القتالية. إلى جانب ذلك، اهتمّت قيادة الجيش بتحسين شروط الخدمة العسكرية لضباط الجيش وسلاح الجو والاستخبارات و"السايبر"، في حين ازداد الفساد الإداري في الجيش، وتقلصت تدريبات قوات الاحتياط. 

حدّدت القيادات العسكرية والمدنية الإسرائيلية هدفها من الحرب على قطاع غزّة بالقضاء على حركة حماس وحكمها فيه

لم تكن حالة الجيش الإسرائيلي، لا سيما عدم جاهزية قواته البرّية للحرب بما فيه الكفاية وعدم خبرته في حرب المدن، غائبةً عن الإدارة الأميركية. وقد أثّر موقف الإدارة في مناقشات "كابينت" الحرب الإسرائيلي في هذا الشأن. وأرسلت وزارة الدفاع الأميركية الجنرال جيمس جلين وجنرالات أميركيين عديدين، من ذوي التجربة في حرب المدن في العراق، إلى تل أبيب، لتقديم الاستشارة العسكرية لقيادة الجيش الإسرائيلي بشأن الهجوم البرّي على غزّة وكيفية تنظيمه وإدارة حرب المدن. وفي ضوء المشاورات مع الجانب الأميركي، قرّر كابينت الحرب أن يكون الهجوم البرّي تدريجيًا، وأن يسير بحذرٍ شديدٍ وببطء لتقليل الخسائر.

تحدّيات الهجوم البرّي

أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، عن انطلاق المرحلة الثانية من الحرب على قطاع غزّة، يوم 28 تشرين الأول/ أكتوبر، ليبدأ الجيش الإسرائيلي، في إثر ذلك، توغّلاته ابتداءً من شمال القطاع. وبدأ التحرّك في الأيام الأولى للعملية العسكرية البرّية في الأراضي الزراعية المفتوحة شمال القطاع، بحذر وبطءٍ شديديْن. وسار أمام القوات المهاجمة سلاح الهندسة تتقدّمه الجرّافات لتشقّ الطرق أمام الدبابات والمجنزرات والآليات العسكرية المدعومة بالقوات الجوية، التي تشمل الطائرات المسيّرة وطائرات الهليكوبتر والطائرات الحربية. وبعد يومين، أصدر نتنياهو بيانًا بعد اجتماعٍ لكابينت الحرب، جاء فيه: "لقد اكتملت المرحلتان الأولى والثانية من الحرب، وحان الوقت لدخول المرحلة الثالثة، من خلال توسيع الغزو البرّي لقطاع غزّة".

يتمثل الهدف الرئيس للتحرّك العسكري الإسرائيلي الراهن في تطويق مدينة غزّة من مختلف الجهات، وعزلها بالكامل عن جنوب قطاع غزّة، ثم محاولة الاستمرار في التقدّم من مختلف الجهات إلى مركز مدينة غزّة ومحاولة احتلالها تدريجيًا منطقةً تلو الأخرى. ومن المرجّح أن تكون محاولة احتلال مدينة غزّة بالغة الصعوبة وأن تُوقع خسائر كبيرة في الجيش الإسرائيلي، بسبب المقاومة الشديدة التي تُبديها المقاومة الفلسطينية والمهارات العالية التي تملكها في حرب المدن، فضلًا عن معرفتها بالأرض ووجود شبكةٍ واسعةٍ من الأنفاق. ورغم تفوّق إسرائيل النوعي في السلاح، والتغطية الجوية والتفوّق العددي لجيشها، فإن القيادات العسكرية الإسرائيلية تتوجّس من الخسائر الكبيرة المتوقّعة في صفوفها، خصوصا عند توغّلها إلى داخل المدينة وشوارعها وأزقّتها، حيث يصعب على الدبّابات والمجنزرات والآليات العسكرية المناورة والحركة، وتقلّ فاعلية الغطاء الجوّي، وهو ما يعرّضها لهجمات المقاتلين الفلسطينيين. 

قرّر كابينت الحرب أن يكون هجوم الجيش الإسرائيلي البرّي على قطاع غزّة تدريجيًا، وأن يسير بحذر شديد وببطء لتقليل الخسائر

وفي محاولةٍ لتقليل الخسائر في صفوف القوات البرّية، تعطي قيادة الجيش الإسرائيلي في المعارك دورًا مهمًا للطائرات، بأنواعها المختلفة التي ترافق هذه القوات. ويستخدم الجيش  كذلك القنابل الفوسفورية والدخانية لإرباك المقاومة الفلسطينية في مواجهته. وقام الجيش كذلك، وفي إثر الدروس التي استخلصها من هجوم المقاومة على قواعده العسكرية في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، بتركيب شبكاتٍ حديديةٍ لتعزيز قدرة الدبّابات والمجنزرات والجرّافات على مقاومة النيران، بما في ذلك هجمات المسيّرات الانتحارية. 

ورغم محاولات الجيش الاسرائيلي للتقليل من خسائره في الأرواح، اعترف بسقوط 15 قتيلًا بين عناصره في اليوم الثاني من الهجوم على غزّة، وهو لمّا يصل إلى المناطق الحضرية، حيث يتوقّع أن تكون المقاومة فيها أكثر قوة. ويذهب أغلب المحلّلين الإسرائيليين إلى أن محاولة احتلال مدينة غزّة الكبرى ستكون صعبة وخطرة جدًا، وقد توقِع خسائر كبيرة في صفوف الجيش، قد لا يكون المجتمع الإسرائيلي مستعدًا لتحمّلها، حال الدخول في حرب استنزاف طويلة مع المقاومة الفلسطينية. 

حشد الرأي العام وراء الحرب

بخلاف حروب الجيش الإسرائيلي السابقة على قطاع غزّة، تخوض إسرائيل هذه الحرب بوجود إجماع على الحرب، ولكن من دون توافر ثقة المجتمع الإسرائيلي بقيادتيْه العسكرية والسياسية، فنصف المجتمع فقط يثق بقيادة الجيش في هذه الحرب، بحسب استطلاع للرأي العام نشرته صحيفة يديعوت أحرونوت في الأول من تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، في حين يثق 7% فقط بقدرة نتنياهو على قيادة الحرب على غزّة.

تخوض إسرائيل هذه الحرب بوجود إجماع على الحرب، ولكن من دون توافر ثقة المجتمع الإسرائيلي بقيادتيه العسكرية والسياسية

لقد تمكّنت القيادات العسكرية والسياسية، عبر وسائل الإعلام الإسرائيلية، من حشد المجتمع الإسرائيلي في تأييد الحرب على غزّة على نحو واسع، مستغلّةً روح الانتقام التي سادت في إثر عملية طوفان الأقصى. ويعود تأخّر إطلاق العملية البرّية ضد قطاع غزّة، في جزء منه، إلى القلق على مصير الأسرى الإسرائيليين، والخشية على فرص إنقاذهم، في حال بدأ الجيش الإسرائيلي هجومه البرّي على غزّة. وبناء عليه، ظهر تأييد واسع في صفوف المجتمع لعقد صفقة شاملة مع حركة حماس، يجري فيها إطلاق سراح جميع الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية مقابل إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين. وسواء جرى عقد صفقة لتبادل الأسرى في الأسابيع المقبلة أو لا، فإن من المتوقّع أن ينخفض تأييد المجتمع الإسرائيلي الحرب تدريجيًا، فكلما طالت الحرب وازداد سقوط القتلى في صفوف الجيش قل الدعم لها، إضافة إلى أن استمرار الحرب شهورًا طويلة يتناقض مع أسس العقيدة العسكرية الإسرائيلية التي تدعو إلى حسم الحرب في أسرع وقت ممكن، لأن الجيش يعتمد في حربه على قوات جيش الاحتياط، فقد استدعى وزير الأمن، يوآف غالانت، منذ بداية الحرب نحو 360 ألفًا من قوات الاحتياط، حيث بات تعداد الجيش يزيد على 520 ألفًا. وثمّة صعوبةٌ كبيرةٌ في الاحتفاظ بقوات الاحتياط في الخدمة في الجيش شهورًا طويلة. وفي المقابل، ثمّة صعوبةٌ أيضًا في تسريح قوات الاحتياط كلها أو جزءٍ منها ما دامت حرب إسرائيل على غزّة مستمرّة، وما دامت ثمّة إمكانية أن يدخل حزب الله حربًا شاملة ضد إسرائيل. علاوة على ذلك، تُعاني إسرائيل، منذ بدء الحرب على غزّة، مشكلاتٍ مهمّة أخرى تترك وطأتها على المجتمع والاقتصاد الإسرائيليين، ومن ضمنها مسألة نقل أكثر من 130 ألف إسرائيلي على الأقل من الحدود المحاذية لقطاع غزّة في الجنوب، ولبنان في الشمال، إلى داخل إسرائيل، الأمر الذي يترك آثارًا سلبية في الاقتصاد والمجتمع الإسرائيليين. 

خاتمة

لا يستطيع الجيش الإسرائيلي تحديد المدّة التي ستتطلبها الحرب التي يشنّها على مدينة غزّة من أجل احتلالها ومحاولة القضاء على المقاومة الفلسطينية فيها، ولا الأثمان التي تترتّب عليها. في جميع الأحوال، ستتأثّر مجريات الحرب ونتيجتها بعدّة متغيّرات، في مقدّمها قدرة المقاومة الفلسطينية على الصمود والدفاع عن المدينة، وقدرتها على تكبيد الجيش الإسرائيلي خسائر قد تُرغمه على القبول بوقف لإطلاق النار، وكذلك مدى تعرّض إسرائيل لضغط إقليمي ودولي من أجل وقف عدوانها على غزّة، وأيضًا إمكانية الضغط على إسرائيل عسكريًا في جبهتها الشمالية مع لبنان.