"هاو" يا سيسي؟

"هاو" يا سيسي؟

14 سبتمبر 2021
+ الخط -

"كلنا نؤمن بالديمقراطية، لكن .. متى نطبقها؟" هكذا رد عمر سليمان، نائب حسني مبارك، على شبكة إيه بي سي الأميركية، في فبراير/ شباط 2011، قبل تنحّي مبارك بأربعة أيام. وانتشرت بعدها صياغته الإنكليزية الركيكة لسؤال متى نطبقها على مواقع التواصل الاجتماعي في هيئة كوميكس، يسخر منها، وبها، المصريون، "بط هوين"؟ السؤال نفسه، في التاريخ نفسه، ولكن عام 2016، وجهته مجلة جون أفريك للرئيس عبد الفتاح السيسي، ليجيب: المصريون لن يكونوا مؤهلين للديمقراطية قبل 2030، وهو المعنى نفسه الذي ردّده مبارك، في مكالمة هاتفية مع الرئيس أوباما، في فبراير/ شباط 2011، حكى عنها الأخير في مذكّراته، وطالبه فيها أوباما بالتنحّي، ليردّ مبارك صارخا بالعربية: أنت لا تعرف ثقافة المصريين. .. كما أنه المعنى نفسه الذي تجده في مذكرات خالد محمد خالد، حين تحدّث عن لقائه بالرئيس جمال عبد الناصر، وكلامه معه عن الديمقراطية، فردّ الزعيم بما مفاده بأن الوقت غير مناسب، و"أمامنا عشرين ثلاثين سنة"!
المصريون دائما غير مؤهلين للديمقراطية، ويلزمهم الوقت. وبعد مرور الوقت، يلزمهم مزيد من الوقت. وبعد مرور المزيد، يلزمهم المزيد والمزيد والمزيد، وهكذا إلى يوم يبعثون. والمعنى نفسه، يمدّه الرئيس السيسي، على استقامته، ليصل بنا في خطابه السبت الماضي، بمناسبة الإعلان عن "الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان"، إلى أن الوقت غير مناسب، وأن المصريين غير مؤهلين لحقوق الإنسان، كما أنهم لم يكونوا مؤهلين للمسار الاشتراكي في عصر عبد الناصر، ولم يكونوا مؤهلين للمسار الذي لم يجد له اسما، في عهد أنور السادات، وليسوا مؤهلين الآن للحريات التي إن أخذوها فسوف يهدمون البلد "تاني". المؤسسات الدينية غير مؤهلة للإصلاح الديني الذي يريده الرئيس، والمجتمع غير مؤهل لقوانين تجريم ختان الإناث وزواج القاصرات الذي يريده الرئيس، والرئيس يتفهم ذلك كله، ولا يريد أن يضغط على المؤسّسة الدينية، ولا على آباء البنات، ويحترم قيمة الوقت، وأهميته. وعلينا أن نبادله احتراما باحترام، وتأجيلًا بتأجيل، كما على الآخر (الغربي طبعا) ألا يفرض علينا منظومته، وحقوق إنسانه، وحريات مجتمعه، فهي مناسبةٌ له ولتجربته ولناسه ولمجتمعه ولثقافته ولحضارته، وليست لنا. لدينا تجربة أخرى، وحقوق إنسان أخرى، أما فرض الحقوق فهو "مسار ديكتاتوري" يخشى الرئيس السيسي منه!
يحتاج الواقع إلى وقت طويل لتغييره، لا شك في ذلك. كما أن الاستفادة من أفكار الآخرين وتجاربهم لا تكون بالنقل الحرفي عنهم من دون مراعاة السياقات التاريخية، السياسية والاجتماعية والاقتصادية، والخصوصيات الفكرية والثقافية والحضارية، والدينية أيضا. ذلك كله صحيح، وبديهي، إلا أن الدولة أهدرت عشرات السنوات من الوقت، بحجّة الحاجة إلى الوقت، ولم تفعل شيئا، كما أن خصومها، وحلفاءها، ووجه عملتها الآخر، من الإسلاميين، ملأوا الدنيا بحديث الاستقلال والهويات والخصوصيات، والوافد والموروث، التي تحول بيننا وبين الاستفادة من منجزات الحضارة الغربية، ولم ينجزوا شيئا، سوى التكريس لمزيدٍ من الاستبدادين، السياسي والديني، وكلاهما استخدم الآخر، واستفاد من الآخر، وتغذّى على الآخر، ليبقى الحال على ما هو عليه، وعلى المتضرّرين أن يتحمّلوا سجون النظام وتكفير الإسلاميين، ثم ماذا بعد؟
يزعم الرئيس السيسي، مرارا، أنه مختلف، وأنه لا يمثل نظام مبارك (بصرف النظر عن كونه مدير مخابراته الحربية)، وأنه يعاني من إرث من سبقوه، أنظمةً وحركاتٍ إسلاميةٍ متطرّفة، وأنه يريد إصلاح ذلك كله وتجاوزه، فيما لا يفعل السيسي شيئا، في ملفات الحريات والديمقراطية وحقوق الإنسان والعدالة الانتقالية والمصالحة المجتمعية، سوى الاستثمار في خطابات الأنظمة والإسلاميين، وإعادة تدويرها، بطرقٍ مختلفة، مرّة باستخدام الحكمة، وأخرى بدعوى مصلحة الوطن، وثالثة لأن الشعب غير مؤهل، ورابعة لأن الدين يأمرنا بذلك، وخامسة وسادسة وعاشرة. الخلاصة: علينا أن نصبر إلى ما لا نهاية، ما الخطة، الخطوات، "العملية" التي تبدأ الآن وتنتهي بعد عشرة أو عشرين أو خمسين عاما؟ أين "السبت" الذي سيؤدّي بنا إلى "الأحد"؟ نتساءل، على طريقة عمر سليمان، "هاو" يا سيسي؟ ولا يأتينا الرد سوى: "هاو".