العربية والفارسية.. قصة جفاء غير عفوي

العربية والفارسية.. قصة جفاء غير عفوي

08 مارس 2018
(تمثال لـ ابن سينا في شبه جزيرة القرم)
+ الخط -

يكاد يكون المشهد الثقافي الإيراني غائباً عن القارئ العربي، إذ بقيت حركة الترجمة من الفارسية إلى العربية خاملة، وفي بعض الأحيان متوقفة. فرغم الجيرة الجغرافية، لا تتبنّى دور النشر العربية أسماء كتّاب من إيران، ولا تذكرهم سوى حين يبلغون درجة من الشهرة أو يحصلون على جوائز عالمية، ومعظهم هؤلاء ممّن يقيمون بعيداً عن موطنهم كمهاجرين أو لاجئين.

حين يكتب هؤلاء، كثيراً ما يجعلهم هذا الوضع بعيدين عن ملامسة المناخ العام لبلدهم، والتأثيرات المباشرة التي تطرأ عليه. وقد يفقد الكاتب بعد سنوات من الغربة النكهة الخاصة المميزة لثقافته الفارسية مقابل بروز مذاق آخر لثقافة مكان إقامته.

غير أن الجفاء بين الثقافتين العربية والفارسية لم يكن عفوياً أو طبيعياً؛ بل إن الأمر يتعلّق بمسار يبدو مبرمجاً، فرضت معالمه اتجاهات الأنظمة السياسية، وهي غالباً في صراع دائم، تتعدّد مظاهره بين السياسي والدعوي والتصعيدات الإعلامية.

هكذا، تشكّل على مرّ العقود ما يشبه القطيعة بين المجتمعين، العربي والفارسي، إذ يستهلكان صورة عن الآخر عمدت فيها السياسات المختلفة إلى تشويه الطرف الثاني، وبمرور الوقت تسرّبت الصور إلى وجدان الشعوب، فدفعها ذلك إلى رفض كل ما يبدر من الشق المقابل.

انحسار العلاقة بين الفضاءين يتجلّى في مجال الترجمة. وهنا أيضاً، فقد حدّد معالم هذا المجال أفق القطيعة نفسُه، رغم أن الترجمة تمثّل العامل الأهم في ترميم وبناء علاقات جيدة بين الثقافات، وهي الفرصة المتاحة للعب دور فاعل في تصحيح الصورة المشوهة للآخر.

لكن ظل هناك في الجانبين، مثقفون لم تتمكن الأنظمة السياسية من تدجين عقولهم فلم يتبنوا فكرة القطيعة. لكن هؤلاء متى حاولوا ردم الهوّة المفتعلة بتنشيط حركة الترجمة بين اللغتين؛ كثيراً ما يصطدمون بالأطر التي تكرّست وغدت عبئاً ثقافياً ثقيلاً، فالمؤسسات الرسمية لا ترعى هكذا مشاريع، ولا تتوفر مؤسسات خاصة تدعم هذه الخطوات.

مؤخراً، بدأت الأمور تتغيّر بفضل صعود جيل شاب ساعدته وسائل التواصل الحديثة، ووعي خلاق بضرورة الحوار والتواصل مع الآخر، فتحمّس لتنشيط حركة الترجمة بإدراك أهميتها وفاعليتها. من هذه الأسماء نذكر الشاعر والمترجم حمزة كوتي، فهو كمترجِم إلى اللغتين كان له دور في بناء جسور مودة وتقارب بين المجتمعين الثقافيين. فكان النافذة المطلة بشغف على اﻵخر، المجهول، المشوّه. بفضله تعرّفنا على الكثير من النصوص الشعرية المتفردة، وأسماء عديدة في فضاء الأدب الإيراني لم نسمع عنها من قبل.

لا تقتصر مهمة الترجمة على نقل نصوص وكتابات من لغة إلى أخرى؛ بل تفصح عن ثقافة مجتمعات بأكملها. تفصح عن موروثاتها الشعبية، وتركيبتها الاجتماعية، وتراكمها المعرفي، وبنيتها السياسية والاقتصادية، وإنجازاتها التقنية، وتفاعلها مع تاريخ حروبها وأزماتها، وغير ذلك مما نحتاجه لفهم الآخر وفهم أنفسنا من خلاله.

* كاتب من اليمن

المساهمون