الشباب الأميركي: ما يحصل في غزة إبادة

الشباب الأميركي: ما يحصل في غزة إبادة

29 يناير 2024
الجيل الشاب لا يتأثّر بتغطية الإعلام التقليدي (روبرتو شميدت/ Getty)
+ الخط -

منذ الشهر الثاني للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، ظهر تحوّل واضح في الرأي العام العالمي، خصوصاً بين الشباب الأميركي الأصغر سناً. هذا التحوّل تُرجم بدايةً بحملات وفيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي، خصوصاً "تيك توك"، عبّر فيه هؤلاء عن رفضهم الانتقام الجنوني الذي تمارسه قوات الاحتلال الإسرائيلي ضد الغزيين، بعد السابع من أكتوبر/ تشرين الأول وعملية طوفان الأقصى.
تدريجياً مقاطع السوشال ميديا باتت أكثر وضوحاً، وبات انعكاسها ملموساً في استطلاعات الرأي، رغم تواصل انحياز الإعلام الأميركي لإسرائيل والتخفيف من وطأة حرب الإبادة التي ترتكبها منذ أكثر من 110 أيام.

الشباب الأميركي في استطلاع جديد

آخر هذه الاستطلاعات أجرتها مجلة ذي إكونوميست مع شركة YouGov، حول قضايا مختلفة تهمّ المواطن الأميركي: من الانتخابات الرئاسية المقبلة، وصولاً إلى العدوان على قطاع غزة، ومروراً بقضايا عدة، مثل امتلاك الأسلحة، والحرب الروسية على أوكرانيا، والنظرة إلى الحوثيين في اليمن، وإلى النظام الإيراني، وغيرها.
نتائج الاستطلاع الذي أجري بين 21 و23 يناير/ كانون الثاني الحالي نُشرت على 113 صفحة. ما يهمّنا هنا، هو موقف الشباب الأميركي من العدوان على غزة، وتأثير التغطية الإعلامية منذ 7 أكتوبر على مواقفه.
بحسب الاستطلاع فإنّ 49 في المائة من الأشخاص المستطلعين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و29 عاماً يعتقدون أن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية ضد الفلسطينيين، بينما قال 24 في المائة إنهم لا يوافقون على ذلك، و27 في المائة كانوا غير متأكّدين.
لماذا تعتبر هذه النسبة مهمة؟ بحسب موقع تروثآوت الأميركي، فإنّ الخلاصة الأولى لهذه النسبة، هي أن الجيل الشاب لا يتأثّر بتغطية الإعلام التقليدي لهذا العدوان، إذ تحافظ كبرى المؤسسات الإعلامية الأميركية على انحيازها الواضح للاحتلال، وذلك من خلال فرد مساحة واسعة جداً للرواية الإسرائيلية، ومن خلال اختيار لغة حذرة جداً، في تغطية المجازر والمأساة الإنسانية في قطاع غزة.

تجنّب كلمة "إبادة"

تتجنّب وسائل الإعلام الغربية الكبرى بشكل شبه موحد استخدام تعبير "إبادة جماعية" في تغطياتها الإخبارية لقطاع غزة، على الرغم من أن عدداً كبيراً من خبراء السياسة الخارجية الذين يدلون بتصريحات لهذه المؤسسات يقولون إن الغزو الإسرائيلي الوحشي هو حالة "نموذجية" من حالات الإبادة الجماعية. وقد أظهرت البيانات أنّ وسائل الإعلام الرئيسية تخصّص لغتها الأكثر عاطفية للحديث عن الإسرائيليين الذين قتلوا في السابع من أكتوبر، بينما تستخدم لغة مجّهلة عند الحديث عن الشهداء الفلسطينيين الذي تقتلهم إسرائيل من دون توقف منذ السابع من أكتوبر.
إلا أن تأثير الإعلام يكبر عند الحديث عن الفئات الأكبر سناً عمس الشباب الأميركي حيث يرى 35 في المائة من هذه الفئة أن ما يحصل في غزة إبادة جماعية، مقارنة بـ36 في المائة يقولون إن الهجوم لا يشكل إبادة جماعية. وعلى الرغم من أن هذه لا تزال نسبة أعلى مما قد يتوقعه مراقبون، بالنظر إلى الاتفاق شبه الكامل على المذبحة بين المؤسسات الأميركية، مثل الحزبين السياسيين الرئيسيين (الجمهوري والديمقراطي) ووسائل الإعلام والجامعات، إلا أنها لا تزال تعكس التحيز القوي المناهض لفلسطين الذي ترعاه كل هذه المؤسسات وتغذّيه.

وانعكس انحياز الإعلام الأميركي ضد استخدام تعبير "إبادة جماعية" عند الحديث عن العدوان الإسرائيلي على القطاع، في تغطية تفاصيل الدعوى التي رفعتها جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي، فقد فرضت كبريات المؤسسات الإعلامية الغربية رقابة فاضحة على التغطية. وقللت بشكل واضح من أهمية الحجج التي قدمها المحامون الجنوب أفريقيون، بينما قدمت في الوقت نفسه إسرائيل على أنها "ضحية"، و"تدافع عن نفسها". لنأخذ على سبيل المثال الجملة الأولى من مقال لـ"رويترز": "رفضت إسرائيل يوم الجمعة الاتهامات التي وجهتها جنوب أفريقيا إلى المحكمة العليا التابعة للأمم المتحدة بأن عمليتها العسكرية في غزة هي حملة إبادة جماعية تقودها الدولة ضد الفلسطينيين، ووصفتها بأنها كاذبة ومشوهة بشكل صارخ". يضفي المؤلف الشرعية على رد إسرائيل المخادع على اتهامات الإبادة الجماعية في بداية المقال، ويحدد لهجته.
تغطية المحكمة جاءت لتكمل أسابيع طويلة من شيطنة الفلسطينيين، وتقديم إسرائيل كضحية. إذ تجاهل الإعلام الأميركي، حتى مع ارتفاع وتيرة القتل بشكل جنوني، مأساة الغزيين وقصصهم وحيواتهم وخساراتهم المتراكمة خلال عقود، وذلك في إطار سياسة عامة تعاملت مع الاحتلال الإسرائيلي كصاحب حق، فلم تكن الانتقادات الموجّهة إليه سوى ملاحظات هامشية لا ترتقي إلى مستوى النقد الحقيقي، أو الموقف الرافض لممارساته الاستعمارية.

المساهمون