مقهى "داون" في إسطنبول

مقهى "داون" في إسطنبول

08 مارس 2018
في المقهى دفء من يعود إلى البيت(العربي الجديد)
+ الخط -
مقهى داون، في إسطنبول بتركيا، هو اسم يجعلك تفكر في متلازمة داون. والاسم فعليّاً يحيل إليها، إذ أنّ 35 شاباً وطفلاً من المصابين بها، يعملون في هذا المقهى.

يقع المقهى في منطقة شيشلي بإسطنبول. وافتتح منذ ثلاث سنوات بدعم من بلديتها، في إطار خلق فرص عمل للأشخاص المصابين بمتلازمة داون، والراغبين في العمل، ويعمل به حالياً 35 شخصاً منهم، بينهم أطفال يمضون فيه أوقاتاً تطوّعية، خارج دواماتهم المدرسية.

يقول مُسيّر المقهى، ساروهان سنجان، في تصريح لـ "العربي الجديد"، إن لديه ابنة مصابة بمتلازمة داون. ومن خلال تجربته الشخصية في رعايتها، تولّدت فكرة فتح المقهى "ليس فقط ليكون مكان تعلم حياتي ومهني لها ولبقية الأشخاص المصابين بالمتلازمة، وإنما أيضاً ليلتقوا في فضائه ببعضهم البعض، ويعيشوا التجربة".

تقدَّم سنجان، بمشروعه لبلدية شيشلي ودعمته. ومنذ افتتاح المقهى "يعمل على أن يجمع بين العمل والتعليم والترفيه. فأوّلاً حصل الشباب على تدريب مهني في خدمة الزبائن، وبعد أن اجتازوه بنجاح بدأنا العمل. وفي المقهى ننظم الكثير من الأنشطة الاجتماعية والتعليمية والترفيهية للأطفال وعائلاتهم" حسب قوله.

تقول بيان، لـ "العربي الجديد"، والتي التحقت للعمل بالمقهى منذ سنة، إنها وجدت هنا "إخوة" يتفهمونها، مضيفة "نمضي أوقاتاً سعيدة في المقهى، وننظم ألعاباً جماعية، ورحلات خارجية. أنا سعيدة بالتواجد هنا".

راقبنا في زيارتنا لمقهى داون، عمل الشباب. أول ما يدخل زبون يسمع "HOSGELDIN" وتعني في اللغة العربية "أهلا بك". يختار مقعداً، ويأتي النادل/ة إليه يحمل قائمة الطعام. إلى هنا الأمور لا تختلف عن غيرها من المقاهي "وهذا هو المطلوب" كما يقول المسير. لكن ترحيب شباب "داون" غير عادي بالمرة، بل فيه دفء من يعود إلى البيت، ويجد عائلة تستقبله بمحبة، خصوصا أنهم يتبادلون الابتسامات فيما بينهم، ويوزعون العمل كأفراد عائلة حقيقية، ويأخذون عملهم بجدية أكثر مما يتطلبه، وهو ما يسمى بالالتزام والإخلاص. هذا الدفء والالتزام والإخلاص يكبر الشعور بهم عندما تعرف أن المأكولات في المقهى تعدها أمهات الندل بأنفسهن، حيث إنهن يعمَلْن فيه كمتطوعات وبشكل دوري.

زيّن مقهى "داون"، بلوحات فنية بألوان جميلة، وبصور الأطفال والشباب الذين عملوا أو يعملون به. كما خُصِّص حيز منه لعرض الجوائز الرياضية والتقديرية التي حصلوا عليها. فيما علقت الكتب في السقف تتدلى منه، وتكون بمتناول أيديهم وأيدي الزبائن أيضاً، متى ما أرادوا القراءة.

هذه التجربة الجميلة التي تقول إن الفروق بين البشر تخلقها أدمغتنا فقط، استحدثت أيضاً في مدن تركية أخرى، بينها غازي عنتاب، والتي منحت المقهى هناك اسم "المقهى السعيد". وعنه يقول رئيس دائرة ذوي الاحتياجات الخاصة في بلدية المدينة، يوسف جلبي، إن "الأطفال الذين يعانون من متلازمة داون يملكون قدرات لغوية تؤهلهم لدخول قطاع العمل"، وأنهم " قد يجدون صعوبة في التعبير عن أنفسهم، لكنهم يفهمون الآخرين بشكل جيد".

دلالات

المساهمون