جدار بلفاست... أو جدار فلسطين في أيرلندا

16 مايو 2024
من أعمال الغرافيتي على جدار بلفاست (تشارلز ماكيلان/ Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- جدار بلفاست، المعروف أيضًا بجدار السلام، يعد معرضًا فنيًا في الهواء الطلق يجذب رسامي الغرافيتي عالميًا، ويُستخدم للتعبير عن التضامن مع قضايا دولية، مثل النضالات في كوبا وفلسطين.
- تم تجديد الجدار بأعمال فنية تعبر عن التضامن مع فلسطين، تحت إشراف الفنان داني ديفيني، مما يُظهر الدعم الأيرلندي للقضية الفلسطينية ويبرز الفن كوسيلة للتواصل والمقاومة.
- العلاقة بين أيرلندا وفلسطين تعكس تضامنًا تاريخيًا مدفوعًا بتجارب مشتركة في النضال من أجل الاستقلال، حيث يُظهر الفن والثقافة كيف يمكن للفن أن يكون جسرًا للتواصل بين الشعوب.

جدار بلفاست هو جدار طويل يبلغ ارتفاعه نحو أربعة أمتار، يلتفّ حول جانبي مطحنة دقيق واقعة على امتداد أحد الشوارع الرئيسية في غرب مدينة بلفاست الأيرلندية. على مدى عقود، مثّل هذا الجدار مساحة نموذجية ومصدر جذب لرسامي الغرافيتي من أيرلندا وخارجها، للتعبير عن تضامنهم مع القضايا الدولية ونضالات الشعوب، ولهذا يطلق عليه أحياناً جدار السلام، أو جدار بلفاست الدولي. 
رُسمت على هذا الجدار عشرات من الرسوم المرتبطة بقضايا مختلفة حول العالم، من كوبا وكاتالونيا إلى إقليم الباسك وسريلانكا وجنوب أفريقيا، وفلسطين بالطبع. قبل العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، كانت هناك جدارية رُسمت تخليداً لذكرى استشهاد الأسير الفلسطيني خضر عدنان في مايو/ أيار 2023، الذي كان مضرباً عن الطعام في سجون الاحتلال الإسرائيلي. ربط صاحب هذه الجدارية بين الأسير الفلسطيني واستشهاد المناضل الأيرلندي بوبي ساندز في سجون بريطانيا في ثمانينيات القرن الماضي.
كانت اللوحة مُقدمة إلى مشروع تعاون بين الفنانين من فلسطين وأيرلندا، وكانت هناك فكرة مطروحة لسفر بعض رسامي الجداريات في بلفاست إلى فلسطين للرسم هناك. غير أن الفكرة واجهت صعوبات عديدة في تنفيذها. وبدلاً من ذلك، طُرحت فكرة بديلة تتمثل بإرسال لوحات لرسامي الجداريات الأيرلنديين إلى فلسطين، ليعيد الفنانون الفلسطينيون إنتاجها هناك. ولكن، قبل أسابيع قليلة من تنفيذ الفكرة، وقع العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة. وبدلاً من أن يرسل الفنانون الأيرلنديون أعمالهم لتُرسم في فلسطين، قرروا استدعاء أعمال الفنانين الفلسطينيين لإعادة رسمها في بلفاست.

جدار بلفاست وفنانو فلسطين

منذ يناير/ كانون الثاني الماضي، بدأت تظهر الجدارية تلو الأخرى على جدار بلفاست، حتى استبدلت أغلب الرسوم التي كانت تغطي الجدار، برسوم أخرى تمثل لوحات رسمها فنانون من فلسطين. وقد عمل في هذا المشروع مجموعة من فناني الجداريات الأيرلنديين تحت إشراف داني ديفيني، وهو فنان جداريات معروف. يقول ديفيني إن الفنانين الفلسطينيين "لم يفقدوا قلوبهم، لقد كانوا في الواقع يرسمون من القلب، وكنا نشعر بذلك ونحن نتطلع إلى أعمالهم التي نفذناها هنا، وهو أقل ما يمكن أن نقدمه للقضية الفلسطينية". يرى ديفيني أن هذه اللوحات لا تمثل ما يعتقده الأيرلنديون عن فلسطين، ولكنها تعيد إنتاج ما يريد الفنانون الفلسطينيون قوله، بينما يهمّشون ويُستهدفون ويُقتلون.
العديد من الرسوم التي كانت تغطي جدار بلفاست، كانت تحيي ذكرى الأيرلنديين الذين قتلهم الجنود البريطانيون في أثناء النضال من أجل الاستقلال عن بريطانيا. غير أن رعاة هذه الجداريات، وفريق العمل، كانوا سعداء بإزالتها من أجل التضامن مع فلسطين، ما يؤكد المكانة التي تتمتع بها القضية الفلسطينية في قلوب الأيرلنديين، كما يقول أحد المشاركين في رسم هذه الجداريات.

تُزين اليوم جدار بلفاست 11 لوحة جدارية عن فلسطين، تلفت إليها أنظار المارة والسياح، الذين يتوقفون أمامها، ليس فقط لالتقاط الصور، بل للتحدث مع الفنانين والنقاش في ما يحدث في قطاع غزة. من بين الفنانين الفلسطينيين الذين تمثل أعمالهم في هذه الجداريات، سعيد حسن ورائد قطناني وأحمد شاويش ومحمد الحاج وعبد الله النجار ورامي الصفدي وعبد الحميد فارس وعوني شطاوي وأزهر الماجد. بين الجداريات أيضاً، واحدة تمثل لوحة للفنانة الشهيدة هبة زقوت، وهي رسامة من غزة استشهدت مع أبنائها في غارة إسرائيلية على منزلها في 13 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. تمثل لوحة زقوت مشهداً لألعاب نارية وهي تنفجر في السماء، وكأنها رؤية مختلفة لآلات الموت المتساقطة فوق المدينة. 
لا تقتصر الرسوم الداعمة لفلسطين على جدار بلفاست فقط، إذ تنتشر العديد من الجداريات المُشابهة في جميع المدن الأيرلندية، كما يمكن رؤية الأعلام الفلسطينية مرفوعة على البنايات وعبر النوافذ في كل مكان.

بين أيرلندا وفلسطين

يرى الكاتب وأستاذ علم الاجتماع الأيرلندي، بيل رولستون، أن أوجه التشابه بين أيرلندا وفلسطين واضحة للغاية، ولهذا ليس من المستغرب هذه المساندة الواضحة والدعم الأيرلندي للفلسطينيين. يوضح رولستون كيف أن الشخصيات الرئيسية في بناء الدولة الإسرائيلية وقمع الفلسطينيين كانت لها دور مُشابه في أيرلندا، إذ كان آرثر بلفور صاحب الوعد الشهير يشغل منصب المفوض العام البريطاني في أيرلندا، وهو الذي أمر الشرطة بفتح النار على المتظاهرين في واقعة معروفة حدثت عام 1887. كذلك كان يُستعان بقوات الدرك البريطانية المعروفة بوحشيتها في أثناء حرب الاستقلال الأيرلندية، لقمع أعمال التمرد في فلسطين. وكان لنضالات حركات التحرر والاستقلال الوطني صدى لدى الجمهوريين الأيرلنديين في سبعينيات القرن الماضي، خصوصاً في جنوب أفريقيا وكوبا، وبطبيعة الحال فلسطين. في ضوء هذا التاريخ، يرى رولستون أنه ليس من المستغرب أن الناس في المناطق القومية في شمال أيرلندا يتعاطفون بقوة مع تطلعات الفلسطينيين، ويشعرون بالحرمان والمعاناة التي يتعرضون إليها. 

المساهمون