نحو ضفة جديدة

نحو ضفة جديدة

09 اغسطس 2016
لوحة للفنان جيل مايير (Getty)
+ الخط -
قبل عامين، تساءلنا هنا في صحيفة "العربي الجديد" عن وضع الكتاب في العالم العربي، ومدى الاهتمام المعطى له في ظل عالمنا الرقمي اليوم. وكمعظم المهتمين بالشأن الثقافي، راودتنا هواجس حول وضع القراءة وعن حقيقة موت الكتاب، وقرب الاستغناء عنه، في ظل فوضى وسائل الإعلام الاجتماعي. كانت قناعتنا وما زالت بأن الكتاب سيقاوم ولن يموت أبدا، وسارعنا للقيام بمبادرة تساهم في الحفاظ عليه. من هنا جاءت فكرة ملحق الكتب، ليس فقط لتغطية إصدارات الكتب، بل لتقديم نافذة ثقافية عربية وكوزموبوليتانية تطل على مشهد الكتاب عربياً وعالمياً، تتيح للقارئ العربي الاطلاع على ما يصدر من كتب وأفكار جديدة سواء بالعربية أو باللغات الأخرى. وضمن هذا المسعى قدم الملحق قراءات لكتب ومتابعات لأحداث ثقافية ذات علاقة بعالم الكتب وصلت إلى فضاءات آسيوية ولاتينية وأوروبية مهمشة، فضلاً عن الجوار الأقرب للعرب خاصة التركي. 
حاولنا كسر الصور النمطية التي تنبأت بزوال القارئ العربي ونجحنا إلى حد ما في ذلك. ولكن لم يكن ذلك ممكنا من دون كتاب حضروا معنا بأفكارهم ولغاتهم من العالم العربي ومن خارجه، من الصين واليابان وباكستان وأوروبا وغيرها. احتضنا رؤى جديدة، نأمل أن تكون قد ساهمت في زعزعة بعض صورنا التقليدية عن الآخر وفي إدراك أهمية الاطلاع على الثقافات الأخرى والمجاورة بدلاً من تنميطها، وأذكر بعض ما نشر منها: "عرب البحر الأدرياتيكي"، "إسبانيا وأساطيرها: عشاق وكارهون"، "تمبكتو: جوهرة أفريقيا ووجعها"، "أوردُو: الابنة المنسية للغة العربية"، و"استكشاف هوية الصين".

سُعدنا باستجابة قائمة طويلة من كتاب ومفكرين عرب في دعم مشروعنا الثقافي، وأيضاً من غير العرب، وأذكر هنا تحديداً الروائية التركية إليف شافاك. كما ناقشنا مواضيع تناولت "النسوية وقضايا الجندر"، "المثقف العربي القلق"، "الحاكم والفقيه"، "هموم النشر"، "الدولة العربية والديمقراطية" وغيرها، في أسلوب يجمع بين الخط الصحافي والفكري الرصين، مؤكدين على أن الكلمة المقروءة المحررة لا تزال ذات قيمة كبيرة.

سعينا للدمج بين الصناعة الورقية والعالم الرقمي محاولة للاستئناس بالأخير ومواكبته. وكان لنا منبر إلكتروني يحفظ عملنا من أي اندثار ورقي، ولكن هذا لم يكن كافياً، فالحاجة إلى إيجاد فضاء أوسع يتوجه إليه المثقفون والقراء العرب هي أكبر من إصدار ملحق شهري، بل، باتت حاجة يومية يوفرها لنا فضاء الإنترنت، فالعالم الرقمي اليوم هو المكان المشترك لنا. لذا وجدنا أنفسنا أمام أسئلة وجيهة، فهل الانتقال إلى العالم الآخر، الافتراضي، يعني موتاً، أم حياة جديدة لعملنا؟ وإلى متى نقاوم هذا العالم الرقمي؟ ولماذا لا نبدأ بتبنيه كليا؟ وهل نخاف حقا من إمكانية خسارة جمهور معين اعتاد على أسلوبنا الورقي، أم خوفنا يكمن في فقدان تلك الحميمية في العلاقة مع الصناعة الورقية فقط؟

وكتحد لهذه الأسئلة، وكرغبة في تبني المستقبل، جاءت فكرة إنشاء موقع ثقافي خاص، يُعنى بالثقافة العربية الراهنة، ينفتح على ما يحدث من تطورات في الثقافة العالمية أيضا من خلال المتابعات والترجمات. سيتوقف الموقع عند الإصدارات الجديدة خبرا وتعليقا، وهذا من شأنه أن يوسّع نطاق المهتمين به. كذلك سيعطي الموقع فسحة عريضة للنص الإبداعي، الشعري خصوصاً، فلم تعد هناك منابر ذات مستوى، وعربية المدى، تولي اهتماماً بهذا النتاج الذي قد يكون الأغزر بين المواد الإبداعية الأخرى.

كنا جادين في عملنا على ملحق الكتب، بحيث استطاع أن يُحدث صدى ومتابعة جيدة في العالم العربي رغم فريق العمل الصغير الذي حظي به الملحق، ونحن جادون الآن في مشروعنا الجديد.
عدد شهر يوليو/ تموز من هذا العام كان العدد الأخير من ملحق الكتب. من الآن فصاعداً سيتابع قراؤنا عملنا ولكن بشكل مكثف أكثر، دون الحاجة لانتظار ملحق يصدر مرة شهرياً. وعلى هذا، نحن بحاجة إلى مساهمين أكثر، أفكاراً أعمق، وجرأة في طرح القضايا، بحيث نستطيع معاً المحافظة على الكتاب وعلى أفكارنا الأصيلة، كذلك المساهمة في إحداث تغيير ثقافي حقيقي في العالم العربي، وهذا ما نأمله في الموقع الثقافي الجديد.
لذا لن نقول وداعاً، بل معاً نحو ضفة ثقافية عربية جديدة.


المساهمون