سورية لو فازت هيلاري

سورية لو فازت هيلاري

27 ديسمبر 2016
+ الخط -
لو أن هيلاري كلينتون فازت في انتخابات الرئاسة الأميركية لما فاز دونالد ترامب، وكون دونالد ترامب هو الفائز فإن هيلاري كلينتون لا يمكن أن تكون قد فازت. بشكلٍ يشبه بساطة هذه الجملة وسذاجتها، وصحتها كذلك، نقرأ، نحن -السوريين- تداعيات المشهد الرئاسي في أميركا وأثره علينا. لا أكثر ولا أقل، ويزيد في سذاجة الجملة اعتقادنا أننا مركز تلك الانتخابات، ومحور تلك الحملات، وأن كل ما يجري في الكون يجري من أجلنا فقط، ومن أجل مأساتنا التي لم تعد تشغل أحداً في العالم بشكل جدي.
في أثناء الحملة الانتخابية، والتي يعرف الجميع أن ما يقال فيها يشبه ما يقال خلال التحقيق في مراكز الشرطة، أي لا معنى له، ولا علاقة بينه وبين الواقع، ففي كلا المكانين، يمكن أن يقول المرء أي كلام، يعنيه أو لا يعنيه، حدث أو لم يحدث، ولكننا بنينا استنتاجاتٍ وتحليلاتٍ وتوقعاتٍ على جملةٍ أفلتت من هذا المرشح أو ذاك، أو من أحد مساعديه أو مسؤولي حملته الانتخابية، وضخمنا من القول، واعتبرنا أن مستقبلنا ومستقبل بلادنا سيتحدّد بناءً عليه.
كان كل المراقبين يعتبرون أن هيلاري كلينتون، فيما لو فازت، فإنها ستكون دورةً رئاسية ثالثة لباراك أوباما، من حيث طريقة التعامل مع الشرق الأوسط، ولكننا فضلنا أن نعتقد أنها سترسل طائراتها في اليوم التالي لتوليها الرئاسة، لتوقف النظام في دمشق عند حده، وتعيد الطائرات الروسية إلى قواعدها الباردة في الشمال، وستفرض حلاً سياسياً يقضي بخروج بشار الأسد من السلطة، وتسليم مقاليد الحكم لمجموعةٍ من أصدقائنا في المعارضة، وستستبعد الذين لا نحبهم كثيراً من الحل السياسي. وفي الوقت نفسه، نطق ترامب، الغاضب المعروف بكراهيته لكل القادمين من الشرق الأوسط، في أثناء حملته الانتخابية، بجملة تم البناء عليها وتحميلها أكثر مما تحتمل، فحين سئل عن بشار الأسد، قال إنه لا يحبه، ولكنه يحارب "داعش"، وهذا عدونا في الشرق الأوسط.

وعنت هذه العبارة لنا، نحن السوريين، أن ترامب سيدعو، في حال فوزه، الأسد إلى زيارة البيت الأبيض، ويعيد تأهيله وتأهيل نظامه، وسيضع ثقته بفلاديمير بوتين، ليمشيا معاً ويحاربا معاً، ويرسلا طائراتهما لقصف كل معارض لنظام الأسد. وبناءً عليه، فإن شعورنا وموقفنا عند إعلان فوز ترامب كان مزيداً من الإحباط والتشتت واليأس، وكان كثيرون منا يكتبون ما معناه أننا هزمنا، وأن بشار الأسد انتصر علينا، وبدأنا نندب حظنا العاثر الذي جعلنا نخسر تلك الانتخابات، ونفقد الأم هيلاري التي كانت ستحنو علينا، وتمسح على رؤوسنا، وتطرد الأعداء الذين يتربصون بنا.
فاتنا، في تلك التحليلات، أن نتذكّر أحداثاً قريبة جدا، ما زلنا نعيش فصولها، وتصريحاتٍ وعباراتٍ لم يجف حبرها بعد لهيلاري كلينتون التي كانت وزيرةً لخارجية الولايات المتحدة الأميركية في العامين الأولين من الثورة السورية، وأقصى ما فعلته كان إطلاق تصريحات جوفاء، واستقبال ناشطين سوريين والتعاطف معهم مرة أو مرتين، وأنها أعاقت، أو ساهمت في إعاقة، تحركاتٍ كان العالم يتوقعها وينتظرها من الولايات المتحدة، وحصيلة ست سنوات من الحرب السورية، والنتيجة التي وصلت إليها بلادنا بتحولها إلى محميةٍ روسيةٍ، يساهم الإيرانيون بإدارة بعضها، كان يجب أن تدفعنا إلى أن نراجع أنفسنا وتحليلاتنا، لأن هذه السنوات الست قضيناها، فيما الديموقراطيون يحكمون أميركا، وهم الديموقراطيون أنفسهم الذين اختاروا هيلاري لتكون ممثلتهم في الانتخابات الأميركية.
يشكل ترامب إدارته اليوم، وكل يوم يعلن عن شخص جديد لتولي أحد المناصب الحساسة في إدارته، والسوريون، كالعادة، منشغلون بتتبع هذا الاسم أو ذاك، ويحاولون النكش في تاريخه ومواقفه، ليعرفوا إن كان مع الثورة السورية أو مع النظام، أو أنه ينتمي إلى المنطقة الرمادية، فأوهامنا التي لم تنتهِ تقسم العالم، بمن فيه المرشحون للمناصب الكبرى والمتوسطة في الإدارة الأميركية المرتقبة، إلى تقسيمات السوريين، فأي شخص في العالم سيكون مع النظام أو مع الثورة أو في تلك المنطقة الرمادية الوسط بين الطرفين، وعليه، فكل مرشح لمنصب سياسي أو دبلوماسي أو أمني أو عسكري في إدارة ترامب سيتم اختياره بناءً على موقفه من سورية.
وبديهي أن نعود إلى السؤال الأول: ماذا لو فازت هيلاري؟ وبديهي أكثر أن يكون الجواب: لا شيء.
A78EE536-6120-47B0-B892-5D3084701D47
علا عباس

كاتبة وإعلامية سورية