البقاء في "أوروبا" يطمئنهم

البقاء في "أوروبا" يطمئنهم

22 يونيو 2016
"بريطانيا أقوى في أوروبا" (فرانس برس)
+ الخط -

التصويت على الخروج من الاتحاد الأوروبي أو البقاء فيه، يشغل البريطانيين المقيمين في دولة أخرى من دول الاتحاد. من شأن ذلك أن يقلب كلّ خططهم.

"سوف أخسر الكثير في حال خروج بلدي، بريطانيا، من الاتحاد الأوروبي. الخيار يضيق أمام أمثالي في مسائل متعلقة بأمور كثيرة. سوف أفقد كمقيمة وعاملة بين كوبنهاغن ومالمو السويدية، مزايا المواطنة الأوروبية في التأمين الصحي والاجتماعي، ولن تكون مسؤولية التأمين الاجتماعي كالشيخوخة والتقاعد واضحة لي ولا لغيري". بهذه العبارات تصف مدرّسة اللغة الإنجليزية سو مالدار وضعها، هي التي تقيم في كوبنهاغن وتعمل في مالمو منذ خمسة أعوام. وفقاً للقوانين الأوروبية، فإنّ السويد مسؤولة عن كلّ تلك المزايا التي تتحدث عنها مالدار. وتوضح أنّها سوف تصوّت في لندن "من أجل بقاء بلدي في الاتحاد".

يفوق عدد البريطانيين المقيمين في دول الاتحاد الأوروبي مليونَي "مواطن أوروبي" يتمتعون بحقوق كاملة توفّرها لهم قوانين الدول كأنّهم مواطنون أصيلون فيها. لكنّ هؤلاء راحوا يعيشون أخيراً أوضاعاً غير مريحة. قوانين الاتحاد الأوروبي واضحة، فمن يقيم في دولة من دوله وتكون دولته عضواً، يستحقّ كامل حقوق الإقامة الدائمة. حتى الآن، لا يدري هؤلاء كيف تتطوّر الأمور بعد الاستفتاء وتنعكس عليهم بعدما بنوا حياتهم في دول أخرى غير وطنهم الأم.

قوانين الاتحاد الأوروبي واضحة في مجالات التأمين الاجتماعي لمواطني الدول الأعضاء. في الأساس، قامت فكرة الاتحاد على حرية الحركة وانتقال اليد العاملة بين الدول، فلا يفقد المواطن المزايا التي يحصل عليها في موطنه. وقد جرى التوافق على قوانين تحسم مسألة الحقوق، خصوصاً التأمين الاجتماعي والصحي ليسري على جميع المتنقلين بين دول الاتحاد. وتشمل بعض أبرز الحقوق الأساسية التي تقلق البريطانيين المقيمين في دول الاتحاد الأخرى: التأمين الصحي، وإجازة الأمومة، والتقاعد بأشكاله (تقاعد الشيخوخة، والتقاعد المبكر، وتقاعد الإعاقة، واستمرار دفع تقاعد الزوج أو الزوجة في حالة الوفاة)، وحقّ الحصول على تعويض شهري لفقدان العمل لفترة زمنية محددة، وحقّ الحصول على راتب إصابة العمل أو المرض. تُضاف إلى ذلك حقوق العائلات في الحصول على ما يسمّى "صكّ الأطفال"، وهو دعم مالي كان مثار جدال كبير أرادت بريطانيا التعديل فيه، خلال مفاوضات ثنيها عن الخروج من الاتحاد.

خوف على الحقوق

ليو جونسون، بريطاني يعمل في قطاع البناء في الدنمارك منذ 12 عاماً وهو متزوّج من دنماركية ولديهما طفلان. يعبّر جونسون عن "خوفي من فقدان حقوق كثيرة متعلقة بما ينطبق عليّ اليوم أسوة بزملائي في سوق العمل، ومنها التعويض والمياومة التي يحصل عليها الشخص في حال فقد وظيفته وحقّه في الإجازات والادخار التقاعدي الذي يدفع أرباب العمل جزءاً كبيراً منه". يُذكر أنّ قوانين الاتحاد الأوروبي واضحة في مسألة حرية الانتقال والحصول على فرصة نقل الحقوق كاملة بين دول الاتحاد. لو أراد جونسون مثلاً الانتقال إلى ألمانيا للعمل فيها كمعماري، فسوف ينتقل عبر النظام كل ما حصل عليه في الدنمارك المجاورة.

ويمكن لمواطني بريطانيا أن ينتقلوا إلى دولة أخرى، للبحث عن عمل بناءً على اتفاقية الإقامة وحرية الحركة. بعد فقدانهم عملهم، يحصلون على قيمة راتبهم الأخير لمدّة ثلاثة أشهر ويُطلَق عليهم "باحثون عن عمل" ويسجّلون في مكاتب العمل في الدول التي يتنقلون بينها.




"مؤسف التعصّب"

من جهة أخرى، عشرات آلاف الطلاب البريطانيين يتابعون دراستهم في الجامعات الأوروبية وكأنّهم في وطنهم الأم، وتسري على هؤلاء قوانين الاتحاد. أليسا غريفن تتابع سنتها الثالثة في الدنمارك بعدما كانت في ألمانيا، وهي حاسمة: "ضدّ خروجنا من الاتحاد، لأنّ ذلك من شأنه أن يؤثّر علينا كثيراً. سوف نُعامل بطريقة أخرى تنطبق على غير طلاب الاتحاد الأوروبي، لجهة تكاليف دراسة باهظة والسماح بالعمل لساعات محددة بهدف تجميع النقاط للاستمرار في الإقامة بقصد الدراسة". تضيف: "لو استطعت السفر إلى بريطانيا، لكنت أدليت بصوتي. لكنّني أحثّ أهلي وأصدقائي غداً على التصويت لبقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي. التعصّب القومي مشكلة حقيقية في بلدنا، ومن يخرج منها سوف يرى العالم بعيون أخرى. من المؤسف أن تسيل دماء (في إشارة إلى اغتيال النائبة جو كوكس) نتيجة ذلك التعصّب".

إلى ذلك، مايك فورنان ممنوع من التصويت في الاستفتاء وفقاً لما ارتآه السياسيون في وطنه الأم. هو يعيش منذ 30 عاماً في هانوفر الألمانية، حيث يصنع معجنات وحلويات بريطانية، والتصويت ممنوع على من يقيم خارج البلاد منذ أكثر من 15 عاماً. يقول: "ربما أخطأت عندما لم أطلب الجنسية الألمانية. اليوم لست متأكداً ممّا تكون عليه الأمور إذا صوتت الأغلبية في الاستفتاء غداً على الخروج من الاتحاد. لا أعرف إن كنت أستطيع الاستمرار في الاستيراد والتصدير". يضيف: "أرى ضرورة بقائنا في الاتحاد الأوروبي، ليس بسبب المقيمين في الخارج، بل لما تشكّله العضوية من إمكانية للتعاون في مجالات عدّة". بالنسبة إلى فورنان، "محاربة الجريمة المنظمة هي واحدة من أبرز فوائد البقاء في الاتحاد".

جون غوتر أيضاً يؤيّد بقاء بلاده في الاتحاد. هو مدرّس موسيقى، انتقل من بريطانيا إلى السويد والدنمارك، وقد أقام لفترة من الزمن في سويسرا. بالنسبة إليه، "لا بدّ من إجراء تفاوض جدي بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي، وأنا أتفهّم وجهة نظر المطالبين بالخروج. مهما حصل، على السياسيين أن يفاوضوا من أجل ضمان عدم سطوة بروكسل وبيروقراطية الاتحاد على البرلمانات والسياسات الوطنية في المجالات التي تزعج الرافضين، ومنها أمور كثيرة تتعلق بالاقتصاد والهجرة وغيرهما".

تجدر الإشارة إلى أنّ نحو 700 ألف بريطاني غير مشمولين في الاستفتاء الشعبي، من بين أكثر من مليونَي مقيم في دول الاتحاد الأخرى. في ألمانيا مثلاً، يقيم نحو 100 ألف بريطاني، من بينهم ثلاثة آلاف محارب متقاعد. وفي فرنسا 171 ألفاً، بينما يعيش في إسبانيا 319 ألفاً. هؤلاء بغالبيتهم، يخشون على حقوقهم الاجتماعية ومستقبلهم التقاعدي. أمّا في الدول الاسكندنافية، فيعيش نحو 200 ألف. والخشية بالنسبة إلى هؤلاء، "معاملتنا إذا خرجنا من الاتحاد معاملة مهاجرين عاديين وليس كما نحن اليوم مواطنو اتحاد. وهذا من شأنه أن يكون مرهقاً اقتصادياً، إذ يحقّ للدول فرض ضرائب أعلى".

في المقابل، يؤيّد غاري المقيم في الدنمارك منذ 34 عاماً، خروج بلده من الاتحاد لأسباب عدّة. يقول: "أفهم كيف يفكّر الراغبون في الخروج. لا يعقل أن تفتح بريطانيا أبوابها لبعض الباحثين فقط عن مساعدات مالية، فيما يفرض عليها الاتحاد سياسة هجرة ولجوء غير ما يرغب به شعبها بأكثره". يضيف أنّه "في الخروج، سوف تكون للبلد قراراته المستقلة عن كل ما يسمّى معاهدات الاتحاد الأوروبي. أنا أتردد كثيراً على لندن، وبكلّ صراحة لندن ليست تلك التي أعرفها. وجهها تغيّر والناس غاضبة من فقدانها هويّتها". ويتابع غاري: "لست عنصرياً وأكره العنصريين. لكن مثلما انخرطت أنا في ثقافة هذا البلد ولغته، لا أفهم كيف يأتي مهاجرون ولا يقومون بأي جهد ليكونوا مواطنين مثل الباقين، وليس فقط في انتظار صكّ الأطفال الذي بالمناسبة يُصرف حتى لمن يعيش خارج بريطانيا".

كل ما تقدّم من مخاوف ينسحب أيضاً على الأوروبيين المقيمين في بريطانيا وحقوقهم كمواطنين في الاتحاد. منذ فبراير/ شباط 2015 بدأت تشير الصحف البريطانية إلى أنّ بعضهم بدأوا يستبدلون جنسياتهم بالجنسية البريطانية، خوفاً من تأثيرات سلبيّة في حال خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

في كلّ الأحوال، فإنّ انتصار المعسكر المؤيد لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكسيت) لا يعني بأنّ الـ "نعم" سوف تطبّق في اليوم التالي. ثمّة خطوات كثيرة ينبغي القيام بها قبل أن يصبح الخروج رسمياً من الاتحاد، على مدى عامَين كاملَين. بالتالي، سوف تتاح المساحة لمفاوضات حول واجبات بريطانيا وحقوقها، وكيفية التعاطي مع القضايا التي يطرحها المتخوّفون من الخروج، بالإضافة إلى علاقة بريطانيا بقوانين الاتحاد الأوروبي. هذه أمور لن تكون سهلة، بالتالي فإنّ الطريق طويل.

معلومات عامة

تجدر الإشارة إلى أنّ بريطانيا البالغ عدد سكانها 64 مليون نسمة (12.6 في المائة من مجموع سكّان الاتحاد)، عضو في الاتحاد الأوروبي منذ عام 1973، بعد تقديم طلب الانضمام قبل ذلك بعام واحد. لديها 73 عضواً في البرلمان الأوروبي، لكنها تتحفظ على استخدام عملة اليورو وهي ليست عضو في اتفاقية "شنغن". إلى ذلك، تذهب 45 في المائة من صادراتها إلى دول الاتحاد الأوروبي، فيما 53 في المائة من وارداتها من الاتحاد. وهي تساهم بنسبة 14 في المائة من موازنة الاتحاد الأوروبي.

وفقاً للاتفاق بين رئيس الوزراء البريطاني المحافظ دافيد كاميرون والاتحاد الأوروبي في فبراير/ شباط الماضي، فإنّ التصويت يعني أمرَين: إذا صوّتت الأغلبية بـ "نعم"، فهذا يعني أن تضغط بريطانيا على فراملها وتسحب من مواطني دول الاتحاد حقّ الحصول على دعم اجتماعي على رواتبهم. وفي الوقت ذاته، يكون لدول أخرى في الاتحاد الحقّ في وقف منح ما يسمى "صكّ الأطفال" (دعم الأسر التي لديها أولاد تحت الثامنة عشرة) كل ثلاثة أشهر. أمّا إذا صوّت البريطانيون بـ "لا"، فإنّ هذا الاتفاق يسقط وبالتالي نكون أمام انتصار "بريكسيت"، ما يعني خروج بريطانيا من التعاون مع الاتحاد.