مقدسيّون على الطرقات.. خسروا وظائفهم عقاباً على الهبّة الشعبية

مقدسيّون على الطرقات.. خسروا وظائفهم عقاباً على الهبّة الشعبية

09 مايو 2016
لحسن حظه أنه ما زال يعمل (Getty)
+ الخط -

على مقربة من سوق المصرارة المتاخم لشارع الأنبياء المؤدّي إلى القدس الغربية، تجلس مجموعة من الشباب المقدسيين الذين طردوا قبل نحو شهرين من أعمالهم في مستشفيات ومطاعم وفنادق إسرائيلية، علماً أنه كان مضى على عمل بعضهم فيها أكثر من خمس سنوات.

يقول الشاب العشريني محمد البشيتي إن صاحب العمل الإسرائيلي، الذي لطالما أشاد بإخلاصه في العمل، أبلغه قبل فترة بإعفائه من عمله، عازياً السبب إلى "ضعف سوق العمل بسبب الهبّة الشعبية التي أرغمت حتى الإسرائيليين على اختيار مدن مثل تل أبيب للإقامة في فنادقها". كان قد مضى على عمله في الفندق نحو خمس سنوات. في الوقت الحالي، يبحث عن عمل من دون جدوى، علماً أنه عمل مع مقاول بناء لمدة أسبوعين فقط، إلا أنه عجز عن الاستمرار بسبب الأجر الضئيل.

دواعٍ أمنية

لا تختلف حكاية رامي الددو، وهو من سكان حارة السعدية في البلدة القديمة، عن حكاية محمد البشيتي. أيضاً، طرد من عمله في مستشفى شعاريه تصيدق في القدس الغربية مطلع فبراير/ شباط الماضي، لـ"دواعٍ أمنية"، كما قيل له، علماً أنه لم يُعتقل أو يُستدعى للتحقيق. إلا أن تركّز المواجهات في بلدته القديمة على امتداد أشهر الهبة دفعت سلطات الاحتلال إلى الاستغناء عن عمال لديها يقطنون في أحياء وتجمعات فلسطينية تعتبر بؤراً لمواجهات ساخنة، وخصوصاً البلدة القديمة وسلوان والعيسوية ومخيم شعفاط وجبل المكبر وصور باهر وكفر عقب، وهي أحياء وبلدات قدمت شهداء خلال هبة القدس. حتى أن أقارب هؤلاء الشهداء طردوا من أعمالهم.

أما الشاب محمد محسن، من مخيم شعفاط (شمال القدس)، فقد خسر عمله في أحد المتاجر الكبرى في القدس الغربية. ولأسباب أمنية أيضاً، فرضت عليه الخدمة التطوعية في مؤسسة مدنية تابعة لمركز للشرطة في بئر السبع، من دون مقابل. هذا الشاب هو المعيل الوحيد لزوجته وطفلته، ما اضطر والده إلى إلى رعايتهما، على الرغم من أن راتبه بالكاد يكفيه.

آدم جبريل بلالة (45 عاماً)، هو من سكان حي الجالية الأفريقية في البلدة القديمة، المتاخم للمسجد الأقصى، ويدير متجراً صغيراً في الوقت الحالي بعدما فقد عمله في مجال البناء، وقد عمل في هذه المهنة سنوات عدة. وكان قد أزال بسطات وضعها أمام محله بعدما لم يعد بمقدوره الاستمرار في إدارتها بسبب تردي الحركة التجارية. في حالته، لم يكن الاحتلال وحده مسؤولاً عن فقدانه عمله. بل إن عدم قدرته على مواصلة العمل في هذا المجال الشاق، ومعاناته من الآم في ظهره، اضطرته إلى الاستقالة والعمل في مطعم في القدس الغربية. إلا أنه عاد وترك عمله الجديد لأنه لا يلبي احتياجات أسرته، علماً أن عمله السابق كان يدر عليه دخلاً جيداً ما مكّنه من تعليم أبنائه. لطالما حلم بشراء منزل يؤوي أفراد أسرته لأن منزله الحالي ضيّق ولا تتجاوز مساحته السبعين متراً.

قبل عامين، طرأ تحسّن على دخل الأسرة بعدما بدأت زوجته العمل في مهنة التطريز لصالح جمعية الجالية الأفريقية، وتمكنت بواسطة منحة قدمت إليها من قبل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، من فتح محل لبيع الملابس عملت فيه ابنتهما، فيما تفرغ هو للعمل فيه بعدما ترك عمله في المطعم في شارع يافا. لكن بعد مرور بعض الوقت، تدهورت الأوضاع من جديد بسبب الأحداث العنيفة التي أعقبت استشهاد الطفل محمد أبو خضير، وقيام الاحتلال بنصب مجموعة من الحواجز في وسط الحي الذي يقيم فيه وعائلته، ما انعكس سلباً على حركة البيع والشراء. وزاد الوضع سوءاً مع اندلاع الهبة الشعبية في شهر أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي، وعزوف المواطنين عن الوصول إلى المنطقة بسبب إجراءات التفتيش المذلّة والمهينة، واضطرار الجمعية إلى إغلاق مشروع الخياطة الخاص بها.

يقول آدم لـ"العربي الجديد": "اليوم، نرزح تحت وطأة الديون التي تتراكم، وقد اضطررت للعودة مجدداً إلى العمل في المطعم على الرغم من سوء المعاملة، ومضايقات الشرطة والمستوطنين، وهو واقع صعب حتى على أصحاب المحال التجارية في القدس القديمة برمتها". يتابع أن "كثيرين اضطروا إلى إغلاق محالهم التجارية بسبب الركود والوضع الأمني المتدهور. لذلك، ليس مستغرباً أن يكون هناك عدد كبير من الشباب العاطلين من العمل، وقد فقد معظمهم أعمالهم خلال الأشهر القليلة الماضية. ومن بقي في عمله، تقلّصت ساعات عمله وقلّ راتبه وبات في وضع اقتصادي أكثر من صعب".




تحت خط الفقر

وكانت "حقوق المواطن"، وهي منظّمة حقوقيّة إسرائيلية، نشرت العام الماضي تقريراً تضمن معلومات خطيرة حول معدلات الفقر والبطالة في القدس الشرقية المحتلة. وعرض التقرير صورة قاتمة لوضع حقوق الإنسان في القدس الشرقية، مشيراً إلى أن 75 في المائة من المقدسيين هم تحت خط الفقر، لافتاً إلى أن السبب الأساسي لاستفحال الفقر يتجلّى في تشييد جدار الفصل العنصري الذي فصل القدس عن الضفة الغربيّة، ما أدى إلى فصل الروابط الاقتصاديّة والتجاريّة والدينيّة والعائليّة والسياحيّة، بالإضافة إلى تخفيض ميزانية التعليم والخدمات الصحيّة والمؤسسات الدينيّة وغيرها.

في المقابل، أشار تقرير آخر صادر عن منظمة "خط العامل"، ونشرت نتائجه أخيراً، إلى أن معدلات الفقر ارتفعت بنسبة أكثر من 75 في المائة منذ نهاية العام الماضي وحتى الربع الأول من العام الجاري، بسبب ممارسات سلطات الاحتلال، والمضايقات التي يتعرض لها المقدسيون. وأفادت بأن 80 في المائة من المقدسيّين يرزحون تحت خط الفقر، و84 في المائة من الأطفال المقدسيّين في خطر، في حين أن نسبة البطالة بين الرجال وصلت إلى 33 في المائة، و86 في المائة بين النساء.

كما في الأعوام التي سبقت، كذلك شهد العام الماضي وحتى الربع الأول من العام الحالي عشرات الاعتداءات العنصرية ضد عمال مقدسيين من قبل متطرفين يهود. وتشير بيانات "مركز القدس للحقوق الاجتماعية والاقتصادية"، إلى تصاعد الاعتداءات التي تستهدف عمالاً مقدسيّين منذ الاعتداء الإرهابي الذي طاول الطفل محمد أبو خضير قبل عامين، وبوتيرة أعلى ممّا كانت عليه قبل نحو ثلاثة أعوام.

ويقول مدير عام المركز زياد الحموري، إن "هذه الاعتداءات خطيرة وقد تصل إلى حد القتل من دون التفكير بعواقب هذه الجرائم، ما يعني أن مقترفيها يميلون إلى الفاشية، ويحملون أفكاراً عنصرية وحاقدة ضد كل ما هو عربي وفلسطيني، وهو ما بدا واضحاً في الاستهداف البشع للطفل أبو خضير وعائلة دوابشة".

يضيف: "هؤلاء ينفذون الاعتداءات مدعومين بعقيدة متطرفة، وينفذون تعليمات الحاخامات ورجال دين يقيمون في مستوطنات الضفة، وأخرى تقع في محيط القدس وبلدتها القديمة". وبحسب بيانات المركز حتى نهاية أبريل/ نيسان الماضي، فقد نفّذ هؤلاء المتطرفون 15 اعتداءً عنصرياً ضد عمال فلسطينيين خلال عودتهم من أعمالهم، في حين تعرّض بعضهم للاعتداء في أماكن عملهم، من دون أن يتمكن أصحاب العمل من حمايتهم.

وسجّل العام الماضي 42 اعتداءً عنصرياً ضد شباب مقدسيّين اضطروا إلى ترك أعمالهم في مستشفيات ومطاعم ومراكز تجارية إسرائيلية، بعدما باتت حياتهم مهدّدة من قبل المستوطنين والاحتلال الذي أعطى جنوده تعليمات بإطلاق النار لمجرد الاشتباه بأي شاب فلسطيني، وخصوصاً بعد الهبّة الشعبية الحالية، وسقوط الكثير من الشهداء في عمليات إعدام بدم بارد، على غرار ما حدث للشاب فادي علون (العيساوي)، الذي قتل برصاص شرطي إسرائيلي في ساحة سوق المصرارة في مدينة القدس بتحريض من يهود.

وبحسب الحموري، فإن جميع الاعتداءات التي اقترفت ضد العمال المقدسيين، وعلى الرغم من اعتقال مقترفيها، انتهت إما إلى الإفراج عنهم، أو وضعهم تحت المراقبة المنزلية، من دون أن يصدر أي حكم واحد بسجنهم، بحجة أن المعتدين أطفال قاصرون ويعانون من مشاكل نفسية. ويحذّر من ارتفاع معدلات الفقر والبطالة في صفوف الشبان المقدسيين، علماً أن جزءاً كبيراً من هؤلاء هم من فئة العمال الذين غادروا مدارسهم ومؤسسات التعليم ليعيلوا أسرهم، في وقت بدأت فيه أوساط مشبوهة تجنيد العشرات منهم للعمل في الخدمة المدنية مقابل أجر شهري رمزي وحوافز مالية أخرى، حتى أنه ينتهي الحال ببعضهم للعمل في مراكز للشرطة المدنية الإسرائيلية.