حظّ

حظّ

29 يونيو 2015
صار مثل أي زبون عنده (حسين بيضون)
+ الخط -
كان صاحب مكتب "الوسم" يبتسم بخبث كلما طلب منه زبون أن يبيعه ورقة حظ رابحة. لقد مرّ في حياته الكثير من الجوائز والأرقام والزبائن. هناك من مرّ عابراً ولمرّة واحدة، وهناك من أثقلته الديون في سبيل الفوز بالورقة الرابحة، لكن من دون نتيجة.

ليس صاحب محلّ "الوسم" بائع حظ في كلّ الأحوال. فلو أن الحظ كان يأتي من آلة في محلّه المتواضع، لبان منه شيء عليه.

الإعلان مثل امرأة لعوب. يدعو الناس للإكثار من الوسم من أجل ربح الملايين. كلما وسمتَ أوراقاً أكثر كلما ارتفعت احتمالات فوزك. الإعلان لا يقول أن واحداً من بين الناس، أو اثنين، أو ثلاثة في أحسن الأحوال سيفوزون فقط بهذه الملايين كلّها. ما يفعله هو أنه يعيد تذكير الناس بأوهامها. والناس تحب الأوهام والأحلام والعالم المخفيّ طالما أنها لا تنال من الواقع إلا الفُتات. تحب إثارة الربح السهل. تحفّز الأحلام مخيّلتها فتبدأ بإسقاطها على العالم الحقيقي: شقة واسعة، سيارة رياضية حديثة، رحلة سفر طويلة حول العالم، بيت بحديقة وورود في الجبل، مشروع استثماري صغير، فوائد كثيرة في البنوك..

تلعب الأحلام والأوهام برؤوس البشر. تُشوّشها وتُخدّرها. تُنسيها حاضرها المربك وتنقلها إلى عالم مريح تشتهيه كل يوم. عالم تأتي الأشياء والمتع فيه بسرعة وبسهولة مفرطة.

صاحب محلّ الوسم نفسه دخل في هذه اللعبة الغريبة. صار مثل أي زبون عنده. مرّت أيام كان يسم فيها أكثر من أيّ زبون. ينظر طوال يومه إلى آلة الوسم في المحلّ ويتأمّل فيها فيظنّ بأنّ عليه أن يسبق الجميع إلى الجائزة. هو يمتلك الآلة – الوسيلة فلماذا يوفّرها؟ لا. لن يترك الجائزة لغيره. أصلاٌ هو يستحقها أكثر من أي أحد. هكذا كانت تُسرّ له نفسه. ألم يتم إنشاء هذه الجائزة لتغيير حياة الفقراء؟ فلماذا إذاً لا يفوز بها إلاّ الأغنياء؟ لن يتركها لهم مهما حدث. لقد قرّر أن يسبق الجميع.

ويصير يسم عشرات وعشرات البطاقات. وبدلاً من أن يربح جائزة بالكثير من الأصفار، على ما يقول الإعلان، يصير يراكم ديوناً بالكثير من هذه الأصفار. ولا تأتي الجائزة أبداً. ويمرض وتتدهوّر صحّته. ولا تأتي الجائزة أبداً. ويموت من دون أن تأتي هذه الجائزة.

الذين جاؤوا من بعده قرّروا التخلص من هذه الآلة. فقد رأوا أن تحويل المحلّ الصغير لبيع الملابس كافٍ وأكثر فائدةً بالنسبة إليهم، من دون حظ ولا من يحزنون.

لكن أمل الكثيرين يظلّ قائماً. ولعلّها إذا لم تصب يوم الإثنين، تفعل ذلك يوم الخميس.

إقرأ أيضاً: بائع الحظّ

دلالات

المساهمون