خربة الطويل... نكبة جديدة بفعل الاحتلال والمستوطنين

خربة الطويل... نكبة جديدة بفعل الاحتلال والمستوطنين

15 مايو 2024
مستوطنان إسرائيليان على مقربة من نابلس (إيتاي رون/ Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- خربة الطويل بالضفة الغربية تواجه اعتداءات متزايدة من المستوطنين والجيش الإسرائيلي، مما يهدد بتهجير أهاليها ويشمل العنف المفرط كقتل الفلسطينيين واستخدام الغاز السام.
- الهجمات تهدف لإجبار الأهالي على ترك أراضيهم الزراعية، بدعوى توسيع مستوطنة وإقامة بؤر استيطانية، رغم ادعاءات الاحتلال بالاستئجار بناءً على مخطط منذ 1997.
- الأهالي يعانون من التوتر وفقدان الاستقرار بسبب إخطارات الهدم والاقتحامات، مع تعرض الخربة لهدم المنازل والمرافق ومحاولات مصادرة الأراضي لصالح الاستيطان.

لا يتوقف المستوطنون بمباركة الجنود الإسرائيليين عن قتل الفلسطينيين واستكمال الاعتداءات على أراضيهم، ومن بينها خربة الطويل.

منذ سنوات، تتعرّض خربة الطويل التابعة لبلدة عقربا جنوب شرق مدينة نابلس شمالي الضفة الغربية المحتلة، إلى ممارسات وانتهاكات من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنين زادت حدتها بعد السابع من شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، ما يهدد أهالي الخربة بنكبة جديدة وتهجير أصحابها على غرار نكبة عام 1948.
بفارق شهر تقريباً، وبصورة مشابهة تماماً لما جرى مع الشهيد فاخر بني جابر، تكرر المشهد مع الشهيدين عبد الرحمن بني فاضل (30 عاماً)، ومحمد بني جامع (21 عاماً)، وقد استشهدا الشهر الماضي برصاص المستوطنين الذي أطلقوه من مسافة قريبة جداً على مجموعة من الرعاة كانوا مع ماشيتهم في خربة الطويل.
الحدث وقع عندما هاجمت عصابة تضم نحو 50 مستوطناً ومعظمهم كان مسلحاً بحماية قوات الاحتلال الإسرائيلي، عدداً من الرعاة في الخربة. ومن دون مقدمات، بدأوا رش الغاز السام على وجوه الفلسطينيين ثم عاجلوهم بالضرب بالعصي والقضبان الحديدية. وعندما حاول بعضهم الدفاع عن نفسه، أطلقوا عليهم الرصاص فقتلوا شابين على الفور، وأصابوا ثلاثة آخرين بجراح متفاوتة. وحتى الآن، لا يزال الاحتلال يحتجز جثماني الشهيدين.  
يصف أحمد ديرية المشهد لـ"العربي الجديد" قائلاً: "خلال وقت قصير انقلبت الدنيا حولنا. كنّا في أراضينا. هناك من يرعى أغنامه ومن يهتم بمزروعاته. وفجأة من دون سابق إنذار، وجدنا أنفسنا محاطين بمجموعة من الجنود والمستوطنين الذين بدأوا بالتوافد إلى الموقع بشكل مكثف وسريع، وكأنهم تلقوا اتصالاً دعاهم للحضور، ما يدلل على التنسيق الذي تعمل وفقه هذه العصابات". يتابع ديرية: "رشوا علينا الغاز وضربونا بالعصي. شج رأسي ونزفت كميات كبيرة من الدماء، وسمعت صوت الرصاص ورأيت الشابين وهما على الأرض من دون حراك، وبعدها فقدت الوعي ولم أستيقظ إلا وأنا في سيارة الإسعاف".

هجمات منسقة

الهجمات الأخيرة على خربة الطويل، التي تمتد أراضيها إلى الحدود الأردنية شرقاً، تهدف بشكل أساسي إلى إرهاب الأهالي هناك ودفعهم للهرب وتركها لقمة سائغة للمستوطنين، وهو ما يؤكده رئيس بلدية عقربا صلاح بني جابر في حديث لـ"العربي الجديد". يضيف: "هذا ليس أمراً جديداً. منذ عام 1982 ونحن نواجه مخططاتهم في الاستيلاء على مساحات واسعة من أراضي خربة الطويل لصالح توسيع مستوطنة جتيت، التي تتوسع باضطراد، وإلى جانبها أقيمت غصباً بؤر استيطانية، والمخطط اليوم هو ربط كل هذه البؤر بالمستوطنة عبر شبكة طرق التفافية ما يعني بلع الخربة بالكامل". 

وتعد أراضي خربة الطويل زراعية خصبة، وتقسم إلى مناطق عدة تزرع بشكل موسمي، وفيها مراع وعدة هضاب، وتصل مساحتها الإجمالية لنحو 12 ألف دونم، فيما تصل مساحة الأراضي السهلية المستهدفة حالياً والتي تجري حراثتها من المستوطنين إلى نحو 1000 دونم، وهناك محاولات دائمة من أجل الاستيلاء عليها. وبالتالي، يكون إجمالي ما جرى الاستيلاء عليه من أراضي بلدة عقربا حوالي 70 ألف دونم من مساحتها الإجمالية التي تصل إلى 144 ألف دونم، وهي تعد إحدى أكبر البلدات مساحة على مستوى الضفة الغربية.
ويوضح رئيس بلدية عقربا أن الاحتلال يدعي بأن هناك مخططاً هيكلياً لتوسعة المستوطنة مقرا منذ عام 1997. وعلى هذا الأساس، يدعي المستوطنون استئجارهم هذه الأراضي من المستوطنة، وهي بالأصل ملك لأهالي عقربا وجزء منها لأهالي قرية مجدل بني فاضل الملاصقة لعقربا.

الجنود الإسرائيليون يحمون المستوطنين (ناصر اشتيه/ Getty)
الجنود الإسرائيليون يحمون المستوطنين (ناصر اشتيه/ Getty)

إلا أن أطماع الاحتلال في المنطقة بدأت منذ حرب عام 1973، حين استخدمها جيش الاحتلال لتدريباته ومناوراته العسكرية، بسبب موقعها الاستراتيجي المطل على الحدود الشرقية مع الأردن. ولاحقاً حوّلها إلى مناطق عسكرية مغلقة، وحرم الأهالي الوصول إليها وأخرى صنفها كمحميات طبيعية.
ويصف الباحث في التراث حمزة عقرباوي الخربة وما حولها، بأنها "قلب عقربا النابض وشريان الحياة بالنسبة إليها، ومن أراضيها ما تنتج الحبوب والثروة الزراعية وكذلك الثروة الحيوانية ومنتجاتها من الألبان والحليب والأجبان واللحوم. لذلك، فإن هذه المنطقة بمثابة القلب لنا، ومن أجل ذلك كان من الضروري التنبه لخطورة المساعي الرامية للاستيلاء عليها".
ويقطن في الخربة نحو ثماني عشرة أسرة، يعتمد أبناؤها في معيشتهم على الزراعة البسيطة وتربية الماشية والرعي. ويستغلون الأراضي لهدفين: الأول زراعتها بالبقوليات والقمح والثاني لرعي حوالي أربعة آلاف رأس من الأغنام كمصدرين أساسيين للرزق.
ويوضح عقرباوي في حديث لـ"العربي الجديد" أن المناطق المستهدفة في خربة الطويل، هي أراضٍ زراعية خصبة، وتقسم إلى عدة مناطق تزرع بشكل موسمي، وفيها مراع وتتخللها عدة هضاب، ويحاول الاحتلال الاستيلاء على مساحات شاسعة منها، عبر تصنيفها مناطق عسكرية وتدريبات، لمنع الأهالي من الوصول إليها بهدف تحويلها إلى بؤر استعمارية.

أما عبد الله زغلول أحد أهالي خربة الطويل، والذي أنذره الاحتلال بهدم منزله وحظيرة الماشية التي يمتلكها بحجة أنهما مُقامان دون ترخيص، فيشير إلى أن الإخطارات تجعل المزارع والراعي يعيش توتراً وترقباً دائمين.
ويقول زغلول لـ"العربي الجديد": "مع كل اقتحام عسكري للخربة، نتوقع أنه قد وصل الدور إلينا، ونبدأ فوراً بإخلاء المنزل من الأثاث. لم نشعر يوماً واحداً بالاستقرار، لكن لا حل أمامي إلا البقاء والصمود".
ويلفت زغلول إلى أن الغالبية العظمى من منشآت الخربة مخطرة بالإزالة، ويقول: "هناك إخطار لإزالة شبكة الكهرباء والمدرسة، في حين جرى هدم المسجد منذ سنوات، كما أن كافة الحظائر والمنازل الواقعة شرق وشمال الخربة مخطرة، وهدم الكثير منها وتركت الماشية في العراء، قبل أن يسرقها المستوطنون". يتابع: "هذه ليست بالخطوة الوحيدة لمصادرة الأراضي فقد سبقتها عشرات الاعتداءات التي لا تتوقف. نحن هنا نعاني من اعتداءات مستمرة من جيش الاحتلال والمستوطنين الذين لم يتركوا أخضر ولا يابسا ولم يرحموا الإنسان ولا الحجر".
وتعرضت خربة الطويل لعمليات هدم 17 مرة بين العامين (2008 -2023)، وشمل ذلك هدم بيوتها والبركسات وآبار الماء وتجريف شوارعها وقطع شبكة الكهرباء وتدمير خط الماء، بالإضافة الى هدم مسجدها عام 2014.

المساهمون