منزول تونس... حفر القبور وتجهيزها قبل الوفاة

منزول تونس... حفر القبور وتجهيزها قبل الوفاة

12 مايو 2022
يزور أحد موتاه (العربي الجديد)
+ الخط -

إكرام الميت دفنه، وجرت العادة أن تتكفل العائلة بهذا الإكرام. لكن الأمر يختلف قليلاً في مدينة تستور (تقع على هضبة في حوض وادي مجردة شمالي تونس). وعادة ما لا يعرف المرء مكان دفنه أو شكل قبره قبل وفاته. لكن في تلك المدينة، يحفر الناس قبورهم بأيديهم ويجهزونها وهم أحياء. ولدى التجول في المقبرة الكبيرة في المنطقة، يلاحظ وجود عشرات القبور الخالية، بعضها مفتوح والبعض الآخر مغطى من دون وجود اسم أو تاريخ وفاة. وتنحصر هذه العادة في تستور.
ويقول رئيس جمعية صيانة مدينة تستور رشيد السوسي لـ "العربي الجديد": "كانت مدينة تستور تسمى تكيلا (تحيط بها مجموعة من الجبال التي تخبئها)، ووحدهم أهلها يحفرون قبورهم بأنفسهم قبل وفاتهم بسنوات استعداداً للموت في أي لحظة". ويشرح أنها "عادة أندلسية بالأساس، ويُسمى القبر بالمنزول أو المنزل، وظهرت في تونس مع وصول الموريسكيين (المسلمون الذين بقوا في الأندلس تحت الحكم المسيحي بعد سقوط الحكم الإسلامي للأندلس وأجبروا على اعتناق المسيحية) وانتشرت بين سكان بعض مدنها، على غرار منطقة تستور وبعض المناطق في ولايتي منوبة (شمالي البلاد) ونابل (شمال شرقي البلاد). إلاّ أنها اندثرت مع مرور الوقت في تلك المناطق وبقيت في تستور". ويشير السوسي إلى أنّ "بعض الروايات تفيد بأنه مع سقوط مملكة غرناطة عام 1492، توفي عدد كبير من الأشخاص من دون أن يدفنوا طوال أيام عدة. وبعد مرور بعض الوقت، بدأ الناس بناء قبورهم قبل وفاتهم. وإذا ما توفي أي شخص، يُرفع الغطاء الإسمنتي ويُدفن". 

قضايا وناس
التحديثات الحية

يتابع السوسي أنّ "القبر يحتاج عادة ما بين يومين وأربعة أيام لبنائه بعمق متر وطول مترين. تفرش أرضيته بالرّمل بينما تكون جدرانه الداخلية إسمنتية. وتوضع اللّحود على شكل هرم لتغطّى بطبقة من الإسمنت ليوضع 'الشاهد' وهو حجارة تثبت على رأس القبر يكتب عليها الاسم الثلاثي للمتوفى. يختار الشخص، بحسب إمكاناته المادية، استعمال الإسمنت أو الرخام خلال بناء قبره. ويستعين في عملية الحفر أو البناء ببعض الأشخاص الذين يعملون في حفر القبور. ويخبر كل شخص عائلته بمكان قبره ليدفن فيه بعد موته". 
ولا يقتصر الأمر في تلك المنطقة على بناء القبر، إذ يُصرّ كلّ شخص على شراء كفنه قبل وفاته. ويقول أحد سكان المنطقة، وهو خليل الباجي: "العادة قديمة جداً وترتبط بتوقع الموت في أي لحظة. كما تساعد في الابتعاد عن الخطايا في الدنيا والتوبة عن الذنوب". يضيف: "غالبية سكان المنطقة يحفرون قبورهم، وحتى الشباب منهم. ولا يعد الأمر فألاً سيئاً بقدر ما يحفز على التوبة وتوقع الموت في أي لحظة وإكرام الشخص نفسه حياً وميتاً".

الصورة
تشييد القبور في مدينة تستور (العربي الجديد)
يحفر قبره (العربي الجديد)

وتتميز مدينة تستور بعادات مختلفة بالمقارنة مع مناطق تونسية أخرى، وتشتهر بعمارتها ذات الطابع الأندلسي، سواء في الساحة الكبيرة وسط المدينة أو جامعها الكبير قرب السوق العتيق أو في طريقة بناء المدينة القديمة، وذلك من خلال النقوش والزينة، بالإضافة إلى استخدام القرميد بشكل كبير والزخرفة على واجهات البيوت أو المساجد. ويعتقد الكثير من الأهالي أن عادة بناء القبور متوارثة عن الأندلسيين، وقد حافظت الأجيال عليها. ويؤكد السوسي أن المنطقة ما زالت تحافظ على العديد من العادات الأندلسية التي لا توجد في مناطق أخرى من تونس. 

من جهته، يشير عبد الحميد، وهو أحد سكان المدينة، لـ العربي الجديد"، إلى أنّ "العائلة لا تنزعج في حال رغب أي فرد في بناء قبره وإن كان شاباً. ولا يشير الأمر إلى أن الشخص سيموت قريباً، لكنّها عادة قديمة، ولا بأس في أن ينتظر أي شخص الموت. ذلك قد يجعله يبتعد عن الذنوب ويفكر في حسن الخاتمة".

الصورة
تشييد القبور في مدينة تستور (العربي الجديد)
مقابر جاهزة (العربي الجديد)

يضيف أن "بعض النساء ممن لا يستطعن بناء قبورهنّ بأنفسهنّ يفوضن المسؤول عن المقبرة أو أحد الأقارب حفر قبورهنّ وكتابة أسمائهنّ عليها. ولا يحتاج الأمر إلا إلى ترخيص من المسؤول عن المقبرة. من جهة أخرى، فإن غالبية الناس باتوا يحفرون قبورهم قرب سكن عائلاتهم، ولا فرق بين أن يبني الشخص قبره بنفسه وبين أن ينتظر وفاته حتى يُحفر القبر". كما يوضح أنّ العديد من التونسيين يستغربون تلك العادة كونها لا توجد سوى في تلك المنطقة. لكن في بعض المناطق الأخرى، يُشترى القبر قبل الوفاة، على غرار بعض المناطق في المدن الساحلية. وتوارث التونسيون هذه العادات عن الحضارات القديمة". 

دلالات

المساهمون