عنصرية أوروبية.. تطرف الشرطة في ألمانيا وإسكندينافيا

عنصرية أوروبية.. تطرف الشرطة في ألمانيا وإسكندينافيا

05 أكتوبر 2020
وقائع عدة تتهم الشرطة الدنماركية بالعنصرية والعنف (ناصر السهلي)
+ الخط -

يتفشى التطرف والعنصرية في أجهزة شرطة أوروبية، ليصل الأمر إلى تفاخر بعض الضباط والأفراد بالفكرين النازي والفاشي الجديدين. فمن ألمانيا ودول إسكندينافيا، أصبح اختراق أجهزة الشرطة من القوميين المتعصبين أمراً مقلقاً للسلطات السياسية والاستخبارية. في حالة ألمانيا، فإنّ جهاز استخباراتها الداخلي، الموكل حماية الدستور الديمقراطي، أو عدم السماح للتطرف النازي بأن ينشأ مجدداً في البلاد، كما حدث خلال فترة هيمنته عليها بين عامي 1933 و1945، كشف أخيراً، بحملة أمنية ضخمة شملت 34 منزلاً لضباط شرطة، عن وجود نازيين جدد في صفوف شرطة ولاية شمال الراين - ويستفاليا، وهو ما شهدته سابقاً مدن أخرى خارج الولاية. الكشف الأخير شكل صدمة لدى داخلية الولاية، وأسس لمخاوف من تكرار التغلغل النازي واتساع نطاقه في الشرطة والجيش. وفي إسكندينافيا، تجد الشرطة نفسها في قفص اتهام ممارسة العنف بحق شباب من أصول مهاجرة، إذ يحدث ذلك في الدنمارك بشهادة من عرضوا لمثل ذلك العنف الموصوف بـ"الممنهج" الذي يقوم على خلفية كراهية الأجانب.
في إحدى مدن وسط غربي الدنمارك، كان الشاب إسماعيل (23 عاماً) يوصل طلبية طعام إلى منزل أحد الزبائن في سيارته الصغيرة، من مطعم غير بعيد، حين استوقفته سيارة فيها رجال شرطة بلباس مدني. إسماعيل، طالب يعمل إلى جانب دراسته في توصيل الطلبيات (دليفيري). ما إن تحرك بسيارته بعد توصيل الطلبية حتى باغتته السيارة، ولم يكن يعلم أنّ الثلاثة فيها رجال أمن في البداية. مورس بحقه عنف في أثناء توقيفه، وضُرب بنحو مفجع بعد التعريف عن أنفسهم بشاراتهم والأصفاد التي وضعوها في يديه. سُحب الشاب إلى السيارة وضُرب مجدداً، ثم اقتيد إلى المخفر، ولم تفد مناشداته للموظفة المدنية هناك بألّا تتركه وحيداً مع هؤلاء الرجال، الذين كانوا يقودونه إلى غرفة منفردة، بعد بكائه من الألم وتوسله لهم، بل إنّ الموظفة، وهي سكرتيرة المخفر، قالت له: "نعم، أنت تستحق ما جرى لك".
صُدم الشاب الذي وُلد دنماركياً وتربى في هذا المجتمع ومدارسه، ولم يصدق أنّه في ذلك الكابوس الذي سمع عنه من فتية آخرين من أصحاب البشرة الداكنة. أهله وقفوا عاجزين أمام آثار العنف الذي مورس بنحو "احترافي"، ولعلّ أكثر ما يحزّ في نفس الشاب، الخوف الذي شعر به في أثناء "حفلة الرعب"، كما يصف أهله. أمام إسماعيل فرصة الشكوى على رجال الشرطة، فهو يعرف أنّ من حقه الشكوى، لكن ما إن صدرت صحيفة اليوم التالي، المحلية، حتى كانت صدمة أخرى لأسرته. فمن دون أن يذكر اسمه، نشرت الصحيفة أنّه "أُوقِف شاب قاوم رجل شرطة ودفعه بيده". الشرطة استبقت الأمر، ودفعت بقصته إلى الصحيفة، بعد تحوير القضية. وحين سألت "العربي الجديد" بعض أفراد الأسرة وأصدقاء الشاب عمّا إذا تقدموا بشكوى إلى "سلطة الشرطة المستقلة" (ادعاء عام مستقل يفحص تجاوزات الأمن الدنماركي بحق المواطنين)، حتى كان الجواب: "لا نثق بأحد... فبعد نشر القصة بالطريقة التي تريدها الشرطة، لا أمل في أن يقوم الادعاء بفحص نسختنا منها".

الجريمة والعقاب
التحديثات الحية

قصة إسماعيل عيّنة بسيطة من عيّنات شباب مراهقين يشكون لـ"العربي الجديد" "حصول الشرطة على صلاحيات من السلطات العليا لتكون بتلك القسوة بحق من تشتبه فيهم داخل تجمعات سكنية يقطنها مواطنون من أصول مهاجرة"، بحسب الشاب اللبناني الأصل، يوسف. 
ويروي ثلاثة من الأصدقاء (ما بين 18 و20 عاماً) من أصول فلسطينية ولبنانية، أنّهم كانوا في محطة وقود، و"حين خرجنا باتجاه السيارة، وجدنا أنفسنا في مواجهة 3 رجال شرطة، عمدوا إلى تفتيشنا من دون سبب، وحين اعترض واحد منا لفظياً، وجدنا أنفسنا نواجه الجدار، وعندما بدأنا نحتج، بدأ العنف بحق من تلفظ أولاً، فحمله شرطي كمن يصارع وضرب به الأرض وهو يصرخ به أن يضع كفيه خلف ظهره. كانوا سعداء بممارسة العنف علينا واحداً واحداً، ومن ذلك هزّنا والصراخ في وجوهنا، ثم اقتادونا مكبلين، واتُّهِمنا بممارسة العنف وسبّ الشرطة". حتى اليوم، أسقطت التهمة عن اثنين، وحُكم على واحد، مع وقف التنفيذ لعامين، وتغريمه أتعاب القضايا، بما يصل إلى نحو 10 آلاف يورو بالعملة المحلية. وبعدما طلب المحامون في القضية الاطلاع على صور المراقبة من محطة الوقود، "وجدوا أنّها اختفت، فهي كانت ستثبت كذبة مقاومة أيٍّ منا للشرطة" كما يذكر، ناقماً، الشاب المحكوم، وهو اليوم طالب جامعي.

شرطة السويد- ناصر السهلي

 

غير بعيد عن الدنمارك، بدأت شرطة السويد، وخصوصاً في جنوبها، الممارسة نفسها. فبعد سنوات من عنف العصابات في مالمو وغوتينبورغ، بدأت الانعكاسات على يافعين لا علاقة لهم بما جرى ويجري من اقتتال مجموعات تضم أبناء مهاجرين، ومعظم الاقتتال هو على سوق المخدرات. ومن الصحيح أنّ شرطة السويد أطلق عليها بعض الشباب خلال السنوات الماضية لقب "شرطة القطط"، لكونها معروفة بمساعدتها بإنزال قطة عالقة أو إيقاف سير السيارات لمرور بطة وفراخها، لكنّها باتت أيضاً تجد في التوقيف العنيف، من دون أسباب وجيهة، "وسيلة للردّ، فهؤلاء الذين تعرضوا لمثل ذلك العنف ليسوا من العصابات، بل يافعون يتابعون دراستهم، وممارسة الشرطة بهذا الشكل تنمّي نقمة وتؤثر نفسياً بشباب المستقبل في الضواحي" كما يذكر لـ"العربي الجديد" الناشط في صفوف المهاجرين بمالمو، مؤيد الزامل.

في العودة إلى الدنمارك، حذرت منظمات مجتمعية، في أكثر من مناسبة، من عواقب اعتماد الشرطة الدنماركية التعميم، إذ تستهدف جميع المهاجرين على أساس ما اقترفته قلة قليلة من أصول مهاجرة. أحد المحامين في الدنمارك، ممن يهتمون بالمساواة وحقوق المواطنة، هيليا راتز، ذكّر مرات عدة بضرورة فحص التزام الشرطة ضوابط السلوك المعمول فيها بخصوص التزام حقوق المواطنين، لكنّ تلك الدعوات لم تلقَ تجاوباً كبيراً. وتتزايد شكاوى عنف الشرطة، في أجواء تشدد سياسي وتيار عام متشكك مع الضخّ الإعلامي المستهدف، حتى على لسان رئيسة وزراء الدنمارك من يسار الوسط، ميتا فريدركسن، لليافعين من أصول مهاجرة، كقولها في نهاية أغسطس/ آب  الماضي: "يجب على أبناء المهاجرين احترام بقية ركاب القطارات الخفيفة في محافظة كوبنهاغن"، وهو تصريح تعرضت بسببه لانتقادات، لكنّها لم تتراجع عن وصف يافعين دنماركيين بـ"أبناء المهاجرين".
أحد مصادر "العربي الجديد" من داخل جهاز الشرطة الدنماركي، يقول: "كنت أشعر برغبة في التقيؤ حين أحضر إلى الدوام صباحاً، فمن المخجل والمقرف أن تسمع الزملاء يتحدثون بصيغة عنصرية عن الشباب من أصول مهاجرة، وحين ينتبهون إلى وجودي يقولون: لست أنت المقصود... فأنت واحد منا... أو يغيرون الحديث حين دخولي". هذا المصدر رجل أمن من أصول عربية لم يتحمل بعد سنوات من الخدمة "كل تلك الفوقية والأحاديث السخيفة، فقدمت استقالتي غير آسف على ذلك".

شرطة الدنمارك- ناصر السهلي

 

خلال صيف العام الجاري، وبعد مقتل الأميركي الأسود، جورج فلويد، وقعت جريمة قتل في جزيرة بورنهولم الدنماركية، الواقعة في البلطيق بمحاذاة جنوب السويد، راح ضحيتها شاب تخرج من كلية الهندسة، وكان قد عاد إلى الجزيرة التي كبر فيها من أم أفريقية وأب دنماركي، ليحتفل مع أسرته بالتخرج. استدرجه شقيقان، أحدهما صديقه منذ سنوات، إلى منطقة حرجية، وقتلاه. الشقيق الأصغر يحمل وشوماً تشير إلى أنّه مؤيد للحركة النازية "جبهة مقاومة الشمال"، وشوهد في مناسبات يشارك زعيم حزب "تشديد الاتجاه" اليميني المتطرف، راسموس بالودان، تظاهراته ضد المسلمين، وحرقه القرآن لاستفزازهم. الشرطة الدنماركية، التي أرسلت من كوبنهاغن مجموعة تحقيق إلى الجزيرة، رفضت وصف الجريمة باعتبارها عنصرية الخلفية. القتيل شاب أسمر، وأحد القاتلين مؤيد للحركة النازية، ووسائل التواصل الاجتماعي وبعض الصحافة ظلت تشير إلى إمكانية وجود دوافع كراهية وعنصرية خلف جريمة القتل، لكن بقيت الشرطة تنفي ذلك. ومع بدء المحاكمة، في نهاية أغسطس/ آب الماضي، خرج الدفاع بقصة أنّ القتل جرى "على خلفية تحرش القتيل بوالدة القاتلين". وعلى الفور، جرى التعتيم على ما يجري، بقرار عدم تداول من المحكمة، بناءً على طلب الادعاء ومحامي الدفاع عن القاتلين.

المساهمون