على وقع حرب مرتقبة... اللبنانيون يعيشون كل يوم بيومه

على وقع حرب مرتقبة... اللبنانيون يعيشون كل يوم بيومه

03 نوفمبر 2023
منزل قصفته إسرائيل في بلدة علما الشعب اللبنانية (فرانس برس)
+ الخط -

مع تصاعد وتيرة المجازر التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي يوميا في أنحاء قطاع غزة، والمواجهات اليومية بين حزب الله وجيش الاحتلال على الحدود، تبرز ترجيحات دخول لبنان الحرب، وسط ما تعانيه البلاد من أزمة معيشية خانقة.
نزح بعض أهالي القرى الحدودية المواجهة مباشرة للمواقع العسكرية للاحتلال إلى أماكن أكثر أمناً، وارتأى آخرون الصمود في منازلهم. يقول الشاب علي شريم من بلدة حومين الفوقا الجنوبية لـ"العربي الجديد": "يواصل أهالي المنطقة حياتهم بشكل طبيعي، ويترقبون ما ستؤول إليه الأمور. حتى الساعة لم يشترِ الأهالي مواد غذائية بهدف التخزين، ولم يقم أي منهم بتجهيز أغراض للنزوح، بل استمروا في استقبال عائلات نازحة من القرى الحدودية، ويعملون على تأمين مستلزمات النازحين من الكهرباء والاحتياجات الأساسية".
يتابع شريم: "قررت مع أهلي البقاء في المنزل، ولم نجهز حقائب للنزوح أو السفر، أو نستأجر منزلاً في موقع بعيد. لا نعلم إذا كانت ستندلع الحرب، لكننا باقون، وفي حال تدهورت الأوضاع وأصبح من الصعب الصمود سنغادر إلى بيروت حيث يسكن إخوتي، علماً أن والدتي مصرّة على البقاء، وتردد دوماً أنها لن تترك منزلها. سبق أن قاتلنا العدو الإسرائيلي، ونجحنا في طرده من قرانا وبلداتنا وتحرير الجنوب اللبناني. لن نعيد التجربة ولن نترك منازلنا وأراضينا للعدو، ولن نسمح له بأن يدخل، فالموت أرحم".

ويُشير إلى أن "بلدتنا لم تشهد أي قصف حتى الساعة، لكننا نسمع أصوات القصف، وهدير طائرات الاستطلاع والطيران الحربي، وشهدنا الأسبوع الماضي ضربة قريبة، لكننا معتادون على الهمجية الإسرائيلية، ويعلم الجميع حجم الدمار والإجرام الذي يخلّفه العدو في حروبه". 

بدورها، تحصر هبة سعد استعداداتها للحرب بمحتويات "حقيبة صغيرة"، وتقول لـ"العربي الجديد": "الوضع الاقتصادي صعب، ولا تكفي رواتبنا الزهيدة لشراء الاحتياجات الأساسية والأدوية، علماً أن الحرب قد لا تحصل، لذا نعيش كل يوم بيومه، ونشتري احتياجاتنا اليومية فقط. وقد جلبنا أدوية ضرورية قد يحتاجها ابن أختي الصغير، واكتفينا بعلبتين من كل نوع. فنحن لسنا خائفين، نعيش حياتنا بشكل طبيعي. لا ينتابنا أي هلع ورعب، ونؤمن بقدرنا ومصيرنا".
نزحت هبة من بلدة طيرحرفا الجنوبية، خشية على والديها المسنّين بعدما اشتد القصف على البلدات المجاورة. توضح: "قصدنا منزل شقيقتي في البرج الشمالي بقضاء صور، ثم نقلنا والديّ إلى منزل أخي في بيروت. لكن ابن اختي لا يزال موجوداً في بلدتنا لأنه موظف في قوات حفظ السلام (يونيفيل)، ولا يستطيع التخلي عن وظيفته في هذه الظروف الصعبة. قبل أيام سقط صاروخ بالقرب من بيتنا، فقضى ابن أختي ليلته في منزل ثانٍ أكثر أمناً، علماً أنني قصدت البلدة قبل أيام لتفقد المنزل، وأمضيت يوماً كاملاً من دون أن أكترث للحرب. لا نستطيع ترك أشغالنا، وتكبّد تكلفة إيجار في منطقة بعيدة، وقد لا تتعرض منطقتنا لأي ضرر".

الصورة
ذاق اللبنانيون مرات لوعة الاحتلال (حسين بيضون)
ذاق اللبنانيون مرات لوعة الاحتلال (حسين بيضون)

وتلفت إلى أن غالبية من نزحوا هم من المناطق الحدودية، وقصدوا مدينة صور وضواحيها، وتشيد بالجهود التي تبذلها بعض البلديات الجنوبية البعيدة نسبياً عن الحدود في إحصاء أعداد النازحين في المدارس والمنازل بهدف تأمين المساعدات الغذائية والأدوية، لا سيما أدوية الأمراض المزمنة. لكنها تأسف لـ"استغلال البعض الأزمة، فنجد من رفعوا قيمة إيجار المنزل من 200 إلى 700 دولار، وحصلوا سلفاً على مبلغ مائة دولار كبدل اشتراك في مولد الكهرباء، كما اشترط بعضهم دفع إيجار شهرين أو ثلاثة أشهر مسبقاً".
من جهتها، تبدي إشراف السيد (أم محمد) قلقها على ابنها، وتقول لـ"العربي الجديد": "يعمل محمد في مطار رفيق الحريري الدولي، ونسمع يومياً تهديدات حول إمكانية قصف المطار. فعلياً نجهل مصيرنا، وليس في وسعنا سوى الدعاء بالفرج القريب. لم نعد نستطيع اختبار أي مصيبة أو حرب، ولا ننشد إلا الهدوء والسلام". 
تقيم أم محمد في بلدة كترمايا بإقليم الخروب القريب من الجنوب، وتقول: "لم نشترِ أي شيء، وسنكتفي بما يوجد في منزلنا إذا اشتعلت الحرب. لدينا طحين وأرز وسكر ومعكرونة وحبوب وبقوليات، ولا نستطيع أصلاً الاعتماد على التخزين في الثلاجة بسبب الانقطاع المستمر للكهرباء. حالنا حال الجميع في هذه البلاد".
يرفض أحمد مغادرة منزله في إحدى قرى قضاء صيدا – الزهراني، ويقول: "لدي ثلاثة أولاد، لكننا لا نخشى الحرب ولن نهرب، وقد فرشت زوجتي السجاد استعداداً لفصل الشتاء. اشترينا ما يمكن بهدف التموين تحسباً لأي طارئ، أما أوراقنا الثبوتية والمستندات القيّمة وجوازات السفر، فنضعها عادة في حقيبة خاصة".

الصورة
في موقع إيواء بأقل الاحتياجات (حسين بيضون)
في موقع إيواء بأقل الاحتياجات (حسين بيضون)

بدورها، لم تخطط عايدة ياسين للحرب، فهي راضية بقدرها، وقررت الصمود في منزلها ببلدة حولا الجنوبية بمحاذاة حدود فلسطين المحتلة، وتقول لـ"العربي الجديد": "أشعر بالتوتر خصوصاً أن بلدتنا تقع عند خطوط التماس مع العدو، ولاحظت أن بعض الجيران استغربوا بقائي، فقصدت منزل ابني البعيد نسبياً عن الحدود، وصادف أن وصل القصف إلى جانب بيتنا بعد نصف ساعة من مغادرتي، علماً أن زوجي وابني الثاني لم يتركا المنزل. بعد تجربة النزوح القاسية إثر حرب 2006، بت متأكدة أن موت المرء في منزله أشرف. العين بصيرة واليد قصيرة، فالأزمة الخانقة لا تسمح بخيارات عدة، ولا قدرة لنا حتى على تحمّل تكلفة وقود السيارة، لذا عندما نشعر بتدهور الأوضاع، فلكل حادث حديث".
وتعرب هيفاء يعقوب عن عدم مبالاتها بالحرب رغم أنها نزحت مع والدتها وشقيقها إلى منزل أختها في الضاحية الجنوبية لبيروت. تقول: "لا استعدادات ولا تموين، حتى إننا تركنا المونة المنزلية في بلدتنا الجنوبية، ربما لأننا نشعر بأننا سنعود قريباً"، وترى أن "الضاحية مستهدفة. قد نتمكن فقط من حمل حقيبة صغيرة كما حصل في حرب 2006. وقد استطعت تأمين دواء والدتي لمدة شهر تقريباً، وهو أولوية، علماً أنني لا أشعر بحرب مرتقبة". 
وتهزأ هيفاء من استعدادات الدولة اللبنانية وخططها للطوارئ، وتقول: "الواقع أليم، فالمستشفيات تعاني من انقطاع عدد من الأدوية والمستلزمات الطبية، والتعليم الحضوري متأزم فكيف بالتعليم عن بُعد، ومجمل القطاعات في حال تدهور دائم منذ بدء الأزمة الاقتصادية".

الصورة
التوترات الحدودية اعتيادية في لبنان (فرانس برس)
التوترات الحدودية اعتيادية في لبنان (فرانس برس)

في المقابل، جهّزت مريم جعفر حقيبتها وحقيبة والدتها منذ اليوم الثاني لبدء الحرب الإسرائيلية على غزة. وتقول: "نعيش في الضاحية الجنوبية، ولم نفكر بالتموين لأننا لا نعرف وجهتنا، أما حقيبة الهروب فجاهزة، وتضم أوراقنا الثبوتية وجوازات السفر والأدوية واحتياجات أساسية. نبحث عن بيت آمن، لكن الإيجارات ارتفعت بصورة خيالية، وأصبح من الصعب التنبؤ أي منطقة ستكون أكثر أمناً".
وتسأل رانيا سبيتي، وهي أم لثلاثة أولاد تقيم في حي الأميركان بالشياح جنوب بيروت: "هل أحمل المونة أم أولادي عند وقوع الحرب؟ لماذا يجب أن أخزّن المأكولات والأدوية؟ جهّزت فقط جوازات السفر والأوراق الثبوتية في حقائب وضعتها عند المدخل. فكرة استئجار منزل آخر غير واردة، لأن أشغالنا ومدارس وجامعات أولادنا كلها قرب منزلنا الحالي، ولا يمكننا تغيير نمط حياتنا لمجرد إمكانية اندلاع حرب. لا نخفي شعورنا بالخوف على أولادنا، لكننا نعتقد أن الحرب ستكون بعيدة هذه المرة عن بيروت والضاحية الجنوبية، على الأقل حالياً".

وتختزل جومانة شمس الدين التي تقيم في الضاحية الجنوبية، مجمل المآسي بعدما سبق أن اختبرت بشاعة حرب 2006، حين نزحت برفقة عائلتها، ثم شاء القدر أن ينجو زوجها من الموت، وهو موظف في مرفأ بيروت غادر مقر عمله قبل ربع ساعة من حصول الانفجار في 2020. تقول: "لم نشتر أي مؤونة أو أدوية، علماً أن زوجي يعاني من أمراض القلب والسكري والضغط. اكتفينا بتجهيز أوراقنا الثبوتية وما بقي لدي من مجوهرات. ذقنا اللوعة في حرب 2006، حين قُصف بيت عمي واستشهدت حماتي وابن عمي، وغادرتُ البيت فجراً من دون أن أحمل شيئاً. واليوم لا نعلم ماذا ينتظرنا، ولسنا بوارد السفر ولا استئجار بيت، لكن أخي يملك منزلاً في بلدة بشامون بجبل لبنان، وقد نقصده إذا تدهورت الأوضاع. حتى اليوم نعيش كل يوم بيومه، ونتابع الأخبار والمستجدات بأعصاب تالفة، ونذرف الدموع على شهداء غزة وأطفالها الأبرياء".

المساهمون