عشرات آلاف النازحين الغزيين بلا مأوى ولا طعام في رفح

عشرات آلاف النازحين الغزيين بلا مأوى ولا طعام في رفح

29 يناير 2024
آلاف النازحين لا يجدون المأوى في رفح (أحمد حسب الله/Getty)
+ الخط -

تعرّضت مدينة رفح لما يمكن وصفه بأنه طوفان نزوح ضم نحو مليون شخص انتقلوا إلى أصغر محافظات قطاع غزة، وشهدت المدينة المكتظة خلال الأيام الأخيرة أجواء باردة ممطرة، ما فاقم من معاناة النازحين.

يتواجد عشرات الآلاف من النازحين الفلسطينيين في منطقة الحدود المصرية مع مدينة رفح في أقصى جنوب قطاع غزة، وهم يعيشون داخل خيام بسيطة، حصلوا عليها عبر المساعدات الإنسانية، أو صنعوها بأيديهم من بقايا البلاستيك والأقمشة، لكن تلك الخيام لم تحمهم من المنخفض الجوي الذي ضرب المنطقة خلال الأيام الأخيرة.
تشكل مدينة رفح أقل من 20 في المائة من مساحة قطاع غزة الكلية، لكنها أصبحت خلال الشهرين الأخيرين تؤوي غالبية سكان القطاع، في حالة يشبّبها البعض بأنها "انفجار النازحين"، وغالبية هؤلاء الذين نزحوا إلى المدينة لا يزالون بانتظار الحصول على مكان لإيواء أسرهم، وليس بينهم من يعرف مصيره، كما لا تتوقف حركة النزوح مع استمرار الهجمات الإسرائيلية على مناطق مدينة خانيونس، والتي لا يزال بعض سكانها والنازحون إليها عاجزين عن الانتقال إلى رفح، في ظل عدم وجود آلية تضمن خروجهم الآمن.
وحسب تقديرات المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، فإن مدينة رفح تضم نحو مليون ونصف مليون نسمة، غالبيتهم العظمى من النازحين، وهم يتوزعون على مناطق المدينة ومخيم رفح الكبير، ووصل الكثير من النازحين إلى المنطقة المحاذية للحدود المصرية، وهم يشاهدون بالعين المجردة الجنود المصريين يتجولون على طول السور الحدودي الحديدي المغطى بالأسلاك الشائكة، حتى إن بعضهم يحادثون الجنود المصريين.
لكن المشهد على الحدود مأساوي، فعدد كبير من أطفال النازحين حفاة، والكثير من الخيام غمرتها مياه الأمطار الغزيرة التي هطلت مساء الجمعة الماضي، واقتلعت الرياح عشرات من خيام النازحين الرديئة، بعد أن تسربت مياه الأمطار إلى داخلها، وأغرقت الفراش والأغطية، ما حرم النازحين وأطفالهم من النوم في تلك الليلة الباردة.
خسر النازح عوض أبو بيضة (37 سنة) خيمته التي وضعها قبل أيام فقط بالقرب من الحدود المصرية، والتي نقلها من محيط مدرسة إيواء في مدينة خانيونس، عندما هاجم جيش الاحتلال المنطقة. حاول أبو بيضة الحفاظ على خيمته عبر نصبها بالقرب من إحدى الخيام الكبيرة حتى تسندها، لكن الرياح كانت شديدة، فاقتلعتها، ليبقى مع عائلته في العراء.
ورغم الظروف الجوية السيئة، لا تتوفر الأغطية والملابس والخيام المناسبة لغالبية النازحين، ويعاني النازحون الجدد بشكل أكبر، إذ استطاع بعضهم حمل الأغطية خلال رحلة النزوح، لكن الغالبية لم تتمكن من ذلك، بسبب اضطرارها إلى النزوح سريعاً. يقول أبو بيضة لـ"العربي الجديد": "مدينة رفح تجمع ثلثي الغزيين حالياً، والزحام الشديد يجعلها أشبه بأرض المحشر، والغالبية تجد صعوبات كبيرة في توفير الطعام اليومي، فالطعام نادر، وما يتوفر منه طاوله الغلاء الذي ضرب أسواق المدينة".

الصورة
باتت الخيام البلاستيكية حلما لكثير من النازحين (ياسر قديح/الأناضول)
باتت الخيام البلاستيكية حلماً لكثير من النازحين (ياسر قديح/الأناضول)

يتابع: "ظروفنا صعبة، ولا تتوفر لدينا حتى وسائل التدفئة البدائية، وقبل أيام ركضت خلف شاحنة المساعدات للحصول على غطاء رديء يجري توزيعه، لكنني لم أتمكن من الحصول عليه، وتعاني أسرتي من البرد القارس منذ أن نزحنا من جامعة الأقصى في خانيونس باتجاه مدينة رفح، وفي بعض الليالي تسمح لنا العائلات بالمبيت معها في خيامها. لا يوجد مكان، ولا يوجد طعام، ونمشي في الشارع كأننا في يوم القيامة، وقد شاهدنا الموت بأعيننا ألف مرة خلال هذا العدوان، والجميع يشعرون بأن مصيرنا إما الموت أو التهجير إلى خارج قطاع غزة، والتهجير يخيفني كثيراً، وأتمنى أن أموت ولا أجبر على مغادرة القطاع لأصبح لاجئاً من جديد".
وقضت أعداد كبيرة من النازحين أياماً كثيرة خلال الأسبوع الأخير في شوارع رفح، ويتهم بعضهم وكالة "أونروا" بعدم الاستجابة السريعة لمتطلباتهم الإنسانية، وعلى رأسها توفير الخيام، ومنحهم الأغطية، كما قضى كثيرون أياماً بدون طعام حقيقي، أو تناولوا وجبة واحدة من الطعام طوال اليوم.

تأوي رفح غالبية سكان قطاع غزة رغم أنها مدينة حدودية صغيرة

يقول علاء أبو غبن (38 سنة)، إن بيانات عائلته لم تكن مسجلة ضمن المستحقين للمساعدات، بينما تصل تلك المساعدات للمسجلين فقط، وإنه يحاول منذ أيام تسجيل بيانات العائلة، معبراً عن قلقه الكبير بسبب التزاحم الشديد في مدينة رفح، والذي يمكن أن ينشر الأمراض والأوبئة بسهولة، وهذا ما حدث مع ابنيه اللذين أُصيبا بعدوى فيروسية جلدية أثناء فترة النزوح الأولى في خانيونس، حسب ما أخبره الطبيب في نقطة وكالة أونروا لرعاية النازحين، وهو يرى أن وجود غالبية سكان قطاع غزة في مدينة واحدة، في ظل هذه الأوضاع الصعبة، يهدد بكارثة صحية قد تخلّف وفيات.
يضيف أبو غبن لـ"العربي الجديد": "نزحنا من حي الشيخ رضوان في مدينة غزة، واستمرت رحلة النزوح عبر مراحل عدة حتى الوصول إلى مدينة رفح، ونعاني من قلة الطعام، ولا نملك أغطية ولا خيمة، والمساعدات لا تضم خياماً، ومنذ وصولنا نعيش أشكالاً من الذل خلال البحث عن أي سقف يحمينا من برد الشتاء، ولا نعرف إلى أين نذهب، فعندما يفتح باب لمنح المساعدات للنازحين، يهجم الآلاف على الشاحنات أو مراكز التوزيع، وتصبح الحالة عشوائية، ولا ألوم أحداً، فالناس جائعون ومنهكون ومتعبون، لكننا نعيش أزمة كبيرة داخل مدينة صغيرة باتت تشبه علبة الكبريت المعرضة للاشتعال، وأي شرارة يمكن أن تقتلنا كلنا، وننتظر عدالة الله فقط".

الصورة
تزاحم كبير على مراكز توزيع المساعدات (فرانس برس)
تزاحم كبير على مراكز توزيع المساعدات (فرانس برس)

ويحاول عدد من النازحين الذين يمتلكون الخيام مساعدة النازحين الجدد، وينتشر إيواء النساء والأطفال في الخيام، ويلجأ البعض إلى تخصيص فترات للراحة أو النوم داخل الخيام بالتبادل بين الأشخاص، لكن تظل أزمة قلة المساعدات تؤرق آلاف العائلات، فضلاً عن الأمراض المنتشرة، وندرة الأدوية، وكذلك المياه الصالحة للشرب.
نزح زياد بدوي (58 سنة) قبل نحو شهر إلى مدينة رفح، بعد أن عايش موجات نزوح عدة، منذ استشهاد ابنه عمر (30 سنة) في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، في قصف على حي الرمال بوسط مدينة غزة، وهو يقيم حالياً في خيمة بسيطة، ويحاول مع عدد من النازحين التطوع في طهي الطعام لبقية النازحين، ومساعدة الجرحى والمرضى منهم.

تقضي أعداد كبيرة من النازحين أياماً في شوارع رفح لعدم توفر المأوى

يقول بدوي لـ"العربي الجديد"، إنه يعاني كثيراً لتأمين حاجة أسرته من الطعام والأدوية، خصوصاً زوجته التي تعاني من هشاشة العظام، والتي لا يستطيع توفير الأدوية لها، ويشدد على أن "النزوح الأخير سيفاقم الأزمات، وقد يعجّل بتهجيرنا إلى سيناء، ليصبح الكابوس حقيقة. مدينة رفح على أعتاب كارثة إنسانية، وهي لا تستوعب أعداد النازحين، ولا تتوفر فيها الخدمات لهم، وهناك عجز كبير في الطواقم الطبية، وأزمة في إدخال المساعدات".
يضيف: "لا توجد أية مقومات للحياة في مدينة رفح، فكل الشوارع تغرق عند هطول الأمطار، ولا توجد خدمات حقيقية، وطعامنا اليومي لا يزيد عن رغيف خبز واحد، بينما يتم ترويج أن المساعدات تكفي الجميع، لكنها على أرض الواقع لا تكفي، والناس في مجاعة كبيرة، وخسرت شخصياً نحو 20 كيلوغراماً من وزني منذ بداية العدوان، كل هذا وأنا في مدينة رفح، ولست في المناطق المحاصرة بالشمال".

وتعيش وكالة "أونروا" وضعاً شديد الصعوبة، في ظل هجوم إسرائيلي متزايد عليها، وحجب عدد من الدول المانحة التمويل، بينما هي المؤسسة الأممية الرئيسية التي تعمل على تأمين حاجات النازحين من طعام وخدمة إيواء وأدوية، لكنها في الوقت الحالي تكاد تعجز عن توفير أدنى نوع من الرعاية للنازحين.
وتشير بيانات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" إلى أن ما يقارب 1,7 مليون شخص نزحوا داخل قطاع غزة، وإن الآلاف من هؤلاء يحتمون في مراكز النزوح التابعة لها، أو بالقرب منها، وفي محيط مواقع توزيع المساعدات، وداخل آلاف الخيام على الحدود المصرية.
وتؤكد الوكالة الأممية أنه بسبب الوضع الأمني وأوامر الإخلاء الصادرة عن جيش الاحتلال الإسرائيلي، لا تزال أكثر من 150 منشأة تابعة لها تأوي نازحين، مع خروج عدد من مراكز الإيواء في مدينة خانيونس عن الخدمة مؤخراً بسبب القصف، أو اقتحام القوات الإسرائيلية لها، بينما لا تزال المراكز العاملة مكتظة للغاية، ويتجاوز العدد في بعض المدارس بمدينة رفح 15 ألف نازح.

المساهمون