تغيّر المناخ يهدّد التراث العالمي

تغيّر المناخ يهدّد التراث العالمي

18 نوفمبر 2022
نجت آثار مدينة موهنجودارو من الفيضانات التي طاولت باكستان أخيراً (فرانس برس)
+ الخط -

كادت آثار موهنجودارو، واحدة من أكثر مدن العالم قدماً، أن تُمحى من الخريطة على أثر الفيضانات المأساوية التي غمرت باكستان في الصيف الماضي، فصار هذا الموقع رمزاً للتهديد الذي يمثّله تغيّر المناخ على التراث الثقافي للبشرية.

وقد نجا الموقع الذي يعود إلى حضارة وادي السند، والذي شُيّد في الألفية الثالثة قبل الميلاد في ما يُعرَف اليوم بمنطقة جنوب آسيا، من مصير أسود نتيجة الفيضانات، وذلك بفضل عبقرية مصمّميه على الأرجح. فهذه المدينة الرابضة على علوّ مرتفع فوق نهر السند، مجهّزة بنظام بدائي للصرف والمجاري، ما يتيح تصريف كميات كبيرة من مياه الفيضانات.

وكان نحو 1600 باكستاني قد لقوا مصرعهم خلال الفيضانات التي أضرّت بنحو 33 مليون شخص آخرين، في إطار كارثة فاقمها "على الأرجح" الاحترار المناخي، بحسب شبكة "وورلد ويذر أتريبيوشن" البحثية.

وقال مدير برنامج التراث العالمي في منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) لازار إلوندو أسامو، إنّه كان من الممكن أن تختفي المدينة القديمة بكلّ الآثار التي تحويها. وأشار أسامو إلى أنّ الموقع الباكستاني وقع "ضحية" تغيّر المناخ، لكنّه "محظوظ جداً" لأنّه ما زال موجوداً، بعد 100 عام على اكتشافه للمرّة الأولى في عام 1922.

من جهته، لفت المتخصص في هندسة الطوب تييري جوفروا الذي زار الموقع نيابة عن منظمة يونسكو، إلى أنّ "الوضع ليس كارثياً" في موهنجودارو لحسن الحظ. وشرح أنّه من الممكن إصلاح الموقع، على الرغم من أنّ المياه غمرت التربة في بعض المناطق وألحقت أضراراً ببعض المباني.

"تأثير هائل"

على مدى الأعوام الخمسين الماضية، جمعت منظمة يونسكو، التي تتّخذ من باريس مقراً لها، قائمة بمواقع التراث العالمي والأماكن المهمة التي تُعَدّ جديرة بالحماية، وهي تحيي هذا الأسبوع في اليونان ذكرى مرور نصف قرن على "اتفاقية يونسكو لحماية التراث".

وقالت مديرة "يونسكو" أودري أزولاي، في مؤتمر بمنطقة دلفي اليونانية، أمس الخميس، إنّ "حماية هذا التراث بأنفسنا... تعني مواجهة عواقب اضطراب المناخ وفقدان التنوّع البيولوجي. إنّه التهديد الرئيسي... الذي نقيّمه بطريقة ملموسة".

ولفتت أزولاي إلى أنّه من بين 1154 موقعاً للتراث العالمي، "يوجد موقع واحد من بين كلّ خمسة مواقع يواجه بالفعل هذا التهديد كحقيقة واقعة"، كذلك الأمر بالنسبة إلى "أكثر من ثلث المواقع الطبيعية".

من جهته، قال روهيت جيغياسو، من المركز الدولي لدراسة الحفاظ على الممتلكات الثقافية وترميمها: "نحن نشهد كثيراً من الفيضانات والأعاصير". أضاف أنّ "بعضاً من هذه الكوارث المتعلقة بالمناخ له تأثير كبير على المواقع، على سبيل المثال في موهنجودارو".

وأتت حرائق غابات ضخمة على مساحات واسعة في جبال روكي في كندا المصنّفة ضمن مواقع التراث العالمي، فيما اقتربت النيران حتى 15 كيلومتراً من موقع دلفي الأثري اليوناني، علماً أنّ موجة الحرّ فاقمت من حدّة حرائق الغابات عبر حوض البحر الأبيض المتوسط.

في غضون ذلك، وقعت انهيارات أرضية في بيرو، عند سفح ماتشو بيتشو في جبال الأنديس. ويمكن أن يكون لتغيّرات أخرى أقلّ وضوحاً عواقب وخيمة كذلك.

وفي أستراليا، يواجه الحاجز المرجاني العظيم، المُدرَج كذلك في قائمة التراث العالمي، موجات ابيضاض بسبب ارتفاع درجات حرارة المياه. وفي غانا، أدّت ظاهرة التعرية إلى جرف جزء من حصن برينزينشتاين الذي تمّ الحفاظ عليه كموقع بارز لتجارة الرقيق.

علوم وآثار
التحديثات الحية

نمل أبيض وجفاف

وأشار جيغياسو إلى أنّ "العوامل البطيئة" التي لا تأثير فورياً لها تمثّل "أنواعاً جديدة من المخاطر في مواقع كثيرة". ويشمل ذلك غزوات النمل الأبيض آكل الخشب في مناطق كانت في السابق إمّا جافة جداً وإمّا شديدة البرودة، بما لا يتيح للحشرات البقاء والتكاثر.

وقالت مديرة مختبر أبحاث الآثار التاريخية الذي تموله الدولة الفرنسية ألين مانيان إنّ جفاف التربة في بلدان أخرى بسبب تدنّي مستويات هطول الأمطار قد يكون له تأثير "مزعزع" على بعض المواقع التراثية. وأضافت أنّه في ظلّ ظروف الجفاف، "تنقبض التربة" و"تجعل الأساسات تتحرّك" في المواقع التراثية، ثمّ "تنتفخ فجأة عندما تمطر"، الأمر الذي يسبّب التصدّع. وعندما تكون جافة وقاسية، تمتصّ التربة كميّات أقل من الماء، الأمر الذي يؤدّي إلى حدوث الفيضانات.

ورأت الباحثة في وزارة الثقافة الفرنسية آن بورج أنّه "قد تكون لدينا مواقع تراثية معينة لن نتمكّن من إنقاذها أو نقلها، وربّما يكون مصيرها الاختفاء". وتابعت بورج التي تشغل كذلك منصب الأمينة العامة للمجلس الدولي للآثار والمواقع (إيكوموس)، وهي منظمة غير حكومية، أنّ "التراث لا يتأثّر وحده عندما يفقد جزءاً منه، إنّما كلّ النظام الاجتماعي المحيط به".

وتحدّث جيغياسو عن المواقع الأثرية في منغوليا، التي هُجرت ثمّ نُهبت لأنّه "لم يعد بإمكان السكان الوصول إلى المياه". كذلك، من الممكن أن يؤدّي النقص المتوقع في المياه في المستقبل إلى زيادة الصراعات التي قد تضيع فيها مواقع تراث مهمة".

(فرانس برس)

المساهمون