وثيقة "حماس": إعادة توصيف الصراع بلا تنازل عن الثوابت

وثيقة "حماس": إعادة توصيف الصراع بلا تنازل عن الثوابت

03 ابريل 2017
تجيب الوثيقة عن تساؤلات كانت تُوجه للحركة (Getty)
+ الخط -
بدأت حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، إطلاع قياداتها المحلية وأعضاء مجلس الشورى المحليين في قطاع غزة والضفة الغربية والساحات الخارجية ومثقفيها وكتّابها وصحافييها، على فحوى "الوثيقة السياسية" للحركة، مع اقتراب إعلانها، بعد إقرارها وصياغتها باللغتين العربية والإنكليزية، مع العمل على التجهيز لترجمتها بلغات أخرى. وأخّر اغتيال القيادي في "كتائب القسام"، الذراع العسكرية للحركة، مازن فقهاء في غزة الجمعة قبل الماضية، من عملية الإعلان عن الوثيقة، التي يفترض أن تُعلن من العاصمة القطرية، الدوحة، قبل الخامس عشر من الشهر الحالي، وهو الموعد شبه النهائي  لتسليم وتسلم رئاسة المكتب السياسي الجديد للحركة. ومن المقرر أن يطلق الوثيقة رسمياً، رئيس مكتب "حماس" السياسي، خالد مشعل، في مؤتمر صحافي من الدوحة، وسيكون الإعلان عنها آخر مهامه التنظيمية، كرئيس للمكتب، على أن يجري تجهيز منصب يلائم قدرات مشعل، خصوصاً في العمل الخارجي.

والوثيقة السياسية التي توضح بعض ما جاء في ميثاق الحركة الذي صيغ قبل 3 عقود، تؤكد قبول الحركة بدولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو/حزيران 1967، مع عدم الاعتراف بإسرائيل، إضافة إلى التأكيد على أنّ "حماس" حركة وطنية فلسطينية، من دون ذكر العلاقة بينها وبين جماعة "الإخوان المسلمين". وبينما كان ميثاق "حماس" يتحدث عن مشكلة مع اليهود المحتلين، تتحدث الوثيقة عن حصر المشكلة مع المحتلين الإسرائيليين للأرض الفلسطينية، وتتحدث الحركة عن المسيحيين، كشركاء في الوطن، وجزء من النضال ضد الاحتلال.

وتعطي وثيقة "حماس"، وفق مصادر "العربي الجديد"، امتيازات جديدة للمرأة، وتوصف بدقة وضعها التنظيمي والوطني، وتعتبرها شريكاً أساسياً في الحالة النضالية. كما تعلن الحركة في وثيقتها رغبتها في دخول منظمة التحرير الفلسطينية والمحافظة عليها كإطار وطني شامل، مع التأكيد على ضرورة إصلاحها والعمل على تقويتها. 
ويقول النائب عن "حماس" في المجلس التشريعي الفلسطيني، القيادي يحيى موسى، إنّ الإعلان عن الوثيقة الجديدة للحركة أضحى قريباً، وستُطرح مبادئ عامة واضحة، تعيد توصيف الصراع، لا سيما الصراع مع الكيان الإسرائيلي وليس مع اليهود كديانة. ويلفت موسى في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إلى أن وثيقة "حماس" الجديدة تؤكد أنها لن تقف أمام أي توافق فلسطيني داخلي لإقامة دولة فلسطينية في حدود عام 1967 شريطة عدم الاعتراف بإسرائيل، مع تمسك الحركة ببرنامجها وعدم تفريطها بأي نقطة من فلسطين التاريخية.

ويشير موسى إلى أنّ الوثيقة التي من المرجح الإعلان عنها خلال أيام، فيها نوع من المقاربة للمفاهيم الدولية والإنسانية المرتبطة بالحقوق العامة والحريات والمرأة وغيرها، وتؤكد على الدور الفلسطيني لـ"حماس". وعن الاتهامات التي وُجّهت لحركته بشأن التخلي عن برنامجها، يشدد موسى على أن رؤية الحركة تؤكد أنها لن تقف أمام أي توافق فلسطيني مرحلي لإقامة دولة فلسطينية، من دون اعتماد خيار التفاوض وحل التسوية كحل نهائي، كما تفعل حركة "فتح" والسلطة الفلسطينية.

ويشير النائب عن "حماس" إلى أنّ حركته ستحتفظ في ورقتها الجديدة بحقها في خيار المقاومة من أجل تحرير فلسطين مع التأكيد على احترام قرارات المجموع الوطني الفلسطيني وعدم الوقوف أمامها، وتعزز من التأكيد على أن "حماس" حركة تحرر وطني ذات هوية إسلامية. ويلفت إلى أن الحركة لم تكن يوماً تابعة لجماعة "الإخوان المسلمين" أو جزءاً من تنظيم دولي، وإنما تعزز في ورقتها أنها جزء من حركة التحرر الوطني الفلسطيني ذات هوية إسلامية وسطية بحتة فقط، وتدير قراراتها عبر توافق داخل الأطر القيادية للحركة.

وعن انعكاسات الوثيقة الجديدة لـ"حماس" على تعامل الأنظمة العربية والدولية، يؤكد موسى أن الأنظمة الحالية محكومة بالنظرة الأميركية فقط، ولا تُمثّل الحالة العربية حالياً أي رافعة للقضية الفلسطينية، بالإضافة إلى أنّ تعويل الحركة الأساسي منصب على الشعب الفلسطيني.


في السياق، يقول الكاتب والمحلل السياسي، إبراهيم المدهون، إنّ وثيقة "حماس" السياسية أضحت جاهزة بعد اكتمال المشاورات والاعتماد من قبل الهيئات الشورية والقيادية للحركة خلال الفترة الماضية، وبانتظار الإعلان رسمياً عنها من قبل مشعل. ويوضح المدهون لـ"العربي الجديد" أن الوثيقة الجديدة للحركة لا تتعامل مع فلسطين على أنها أرض وقف إسلامي، وتعزز الدور الوطني العام إذ جرى صياغتها بشكل سياسي بحت بعيداً عن الأيديولوجيات، وتفرد مساحة لدور المسيحيين والمرأة في القضية الفلسطينية.
ويضيف أن الوثيقة تتضمن موافقة الحركة على إقامة دولة فلسطينية في حدود الرابع من يونيو/حزيران لعام 1967 من دون الاعتراف بإسرائيل، فضلاً عن التأكيد على أن الصراع مع المحتل الإسرائيلي وليس اليهود كما تضمن الميثاق الأول للحركة الذي صدر عند تأسيسها. ويلفت إلى أنها تتضمن تأكيداً على أن حركة "حماس" حركة تحرر وطني من دون الإشارة لأي تبعية لجماعة "الإخوان المسلمين"، فضلاً عن العمل داخل الساحة الفلسطينية فقط، وهو ما قد يساهم في رفع الحرج عن الأطراف الدولية الراغبة في التعامل معها.
ويؤكد الكاتب والمحلل السياسي أن الوثيقة جرت صياغتها بطريقة ذكية جداً تتلاءم والواقع الحالي للحركة وبعد تجربة طويلة لـ"حماس" التي قاربت على عامها الثلاثين، وهو ما يؤهل الحركة لإدارة المشروع الفلسطيني التحرري ويعزز من دورها في المنطقة. ويشير المدهون إلى أن الوثيقة أوضح من الميثاق الذي صدر عن الحركة عند تأسيسها عام 1987 ويتعامل بطريقة سياسية واضحة بعيداً عن العواطف، وتركز على دور الفلسطيني الوطني بعيداً عن دينه وهو ما سيعزز مكانة "حماس" بشكل عام.
وينبه إلى أن الوثيقة الجديدة المرجح الإعلان عنها خلال أيام بشكل رسمي، لن تغيّر من الواقع شيئاً لكنها ستعزز دور "حماس" داخلياً أكثر من دورها الخارجي، بالإضافة إلى أنها تجيب عن تساؤلات عديدة كانت تُوجّه لها، وتعالج اتهامات وُجّهت للحركة في أكثر من مرة من أطراف مختلفة.
من جهته، يقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأمة في غزة، عدنان أبو عامر، إنّ "حماس" ربما تدرك أنّ إصدار وثيقتها السياسيّة، يتزامن مع إغلاق العديد من أبواب العواصم الإقليميّة والدوليّة بوجهها مثل مصر والأردن، ومعرفة الحركة متأخّرة لصعوبة فرض أيديولوجيتها على هذه العواصم. ويوضح أبو عامر لـ"العربي الجديد"، أنّ إصدار "حماس" لوثيقتها يأتي في إطار مراجعة الحركة لمواقفها وسياساتها، بعد مرور ثلاثين عاماً على تأسيسها عام 1987، مما يتطلب منها اتخاذ مواقف جديدة تختلف عما أعلنته منذ تلك المرحلة.
ويلفت إلى أنّه ربما جاء إصدار "حماس" لوثيقتها السياسية الجديدة تحت ضغط أزمات الحركة السياسيّة، بعد أن واجهت توترات متلاحقة مع بعض دول المنطقة، كمصر وإيران، وربما ترى "حماس" في إصدار وثيقتها مقدمة لإعادة ترميم هذه العلاقات الإقليمية التي تضررت كثيراً. غير أنّ أبو عامر، يرى أنّ الوثيقة لا تعطي ضمانات أكيدة بقدرة الحركة على ترميم ذلك.
ومن المتوقّع أن تقدّم "حماس" من خلال وثيقتها السياسية الجديدة رؤيتها لمستجدّات المنطقة، تتضمّن علاقاتها مع دول الجوار، ومنظّمة التحرير الفلسطينيّة والسلطة الفلسطينيّة، وشكل النظام السياسي الفلسطيني، وقد تسود الوثيقة لغة المرونة، وحديث عن الشراكة السياسيّة مع الفصائل الفلسطينيّة، وفق أبو عامر. ويضيف أنّ "حماس" باتت حركة فاعلة في المشهد المحليّ والإقليمي، وهذا قد يفرض عليها ترجمة هذا الدور السياسي إلى رؤية تتسم بالواقعيّة السياسيّة، وتجيب عن التساؤلات المطروحة، وتقدم أجوبة واضحة لها.