نفاق دولي بجنازة بيريز: مهرجان تأييد لإسرائيل بمشاركة عربية

نفاق دولي بجنازة بيريز: مهرجان تأييد لإسرائيل بمشاركة عربية

30 سبتمبر 2016
تغييب لجرائم بيريز في قانا اللبنانية وغيرها (Getty)
+ الخط -


تشهد إسرائيل، اليوم الجمعة، أكبر مهرجان تأييد دولي لها تحت غطاء مشاركة أكثر من سبعين زعيم عالمي، بينهم وزير خارجية عربية واحد على الأقل، هو وزير الخارجية المصري سامح شكري، ووفد فلسطيني رفيع المستوى، في تشييع جثمان الرئيس الإسرائيلي السابق شمعون بيريز.
 بيريز، الذي يوارى الثرى اليوم، تخلى في سنواته الأخيرة، عن "سلام الشجعان"، وفق التعبير الذي أطلقه الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات على اتفاق المبادئ في أوسلو، وانقلب عليه بيريز كلياً بعد أن أيّد رئيس الحكومة الإسرائيلي السابق إيهود باراك في حربه على الشعب الفلسطيني بعد فشل كامب ديفيد، ثم دق المسمار الأخير في نعش أوسلو عندما انضم لحزب أرييل شارون، عام 2006، وتبوأ مناصب رفيعة في حكومته، قبل انتخابه رئيساً لإسرائيل عام 2007.
وشكّلت وفاة بيريز فرصة ذهبية عملياً للحكومة الإسرائيلية ورئيسها بنيامين نتنياهو نفسه، الذي اعتبر أن بيريز عمل من أجل السلام حتى آخر نفس في حياته، وسط عملية تضليل واسعة تشكّل استمراراً عملياً للتضليل الذي مارسه بيريز، منذ كان صقراً سياسياً في حزب العمل عند منافسته الأولى لإسحاق رابين في الانتخابات الداخلية على قيادة الحزب بعد استقالة غولدا مئير عام 1974.
ومنذ إعلان خبر موت بيريز، انطلقت الجهود الإسرائيلية لتحويل الجنازة وتشييع جثمان بيريز إلى تظاهرة تأييد لإسرائيل، وإن كان الظاهر وداعَ سياسي نشط في السياسة الإسرائيلية والإقليمية لأكثر من خمسة عقود، وكان دافعه ومحركه الأول فيها ليس مجرد "ضمان أمن إسرائيل" وإنما بالأساس ضمان استمرار تفوّقها العسكري، وإن كلفه ذلك في الظاهر إطلاق كلام معسول عن السلام والتعاون الإقليمي وأحلام تشغيل العقل اليهودي للمال العربي، وقبول إسرائيل عضواً طبيعياً في أسرة "دول حوض المتوسط وشمال أفريقيا".
ستنقل شاشات التلفزة ووكالات الإعلام صور زعماء العالم وهم يحطون في مطار اللد الذي بات يعرف دولياً باسم "مطار بن غوريون"، وفي مقدّمتهم الرئيس الأميركي باراك أوباما، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، ثم وهم يتوجهون إلى القدس في طريقهم للجنازة. ومعها ستظهر صور نتنياهو وهو يستقبلهم، ولاحقاً وهو يلقي على مسامعهم تأبينه لبيريز، مبرزاً أن الراحل كان رجل السلام. وسيسارع مراسلو الوكالات الأجنبية، خصوصاً من يرافقون زعماء دولهم، إلى استنطاق زعمائهم في تفسير هذه الهرولة إلى إسرائيل، وتكرار مئات الجمل والعبارات عن بيريز والسلام، والالتزام بأمن إسرائيل وبقائها، وهو الكلام نفسه الذي ردده بيريز على مدار عقود، وأشهرته إسرائيل في دفاعها عن سياسات الاحتلال والاستيطان والعدوان.
ولعل أول من ساهم في مهرجان النفاق هذا لبيريز، من خلال التغاضي المطلق ومع سبق الإصرار، هما طرفان عربيان، أولهما الرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي سارع إلى إرسال تعزية لإسرائيل بوفاة بيريز، مزكيا بأنه حمامة سلام، متناسياً أن بيريز كان الأب الروحي للاستيطان حتى بعد إعلان اتفاق المبادئ في أوسلو. فقد بيّنت تقارير مختلفة أن عدد سكان المستوطنات وعدد المستوطنات ارتفع في فترة سنوات أوسلو الأولى خلافاً لنصوص الاتفاق، بل إن بيريز حمى مستوطني الخليل وأصر على بقائهم فيها بعد مذبحة غولدشتاين في الحرم الإبراهيمي عندما فكر رابين بإخراجهم من الخليل ونقلهم إلى مستوطنة كريات أربع المجاورة.
وإلى جانب هذه المشاركة، جاءت أيضاً التعزية المصرية والإعلان عن مشاركة شكري في الجنازة اليوم، على الرغم من كون بيريز نفسه المهندس الرسمي عملياً للعدوان الثلاثي على مصر، والذي أيّد ضرب نظام جمال عبد الناصر لتحقيق هدفين، أولاً التخلص من مصر كقائدة عربية في سنوات تفكيك الإمبريالية، وثانياً تقديم ذلك عربوناً لفرنسا التي كانت تئن تحت ضربات جبهة التحرير الجزائرية في حرب استقلال الجزائر، ليحصد بعد العدوان أهم معونات عسكرية لإسرائيل من سلاح وعتاد متطور، والأهم من كل ذلك موافقة فرنسية لبناء مفاعل ديمونا الذري.


جنازة بيريز، اليوم، ستكون مهرجاناً إعلامياً، سيتحدث فيه زعماء الدول، أو من سيُسمح لهم وفقاً للترتيبات الإسرائيلية بإلقاء كلمات تأبين لبيريز "رجل السلام"، وسط تغييب كامل لجرائم الرجل في قانا اللبنانية، أو في تدبير العدوان الثلاثي، وفي إطلاق يد حركة غوش إيمونيم للاستيطان، التي من المفترض أن تكون مخالفة للقانون الدولي. كل هذا سينساه زعماء العالم اليوم، كما سينسون تنكّر بيريز كلياً للفلسطينيين في عدوان السور الواقي، وحصار عرفات في رام الله، وسكوته عن خروق إسرائيل نتنياهو لاتفاق أوسلو، بل وأكثر من ذلك دفاعه المستميت عن سياسات نتنياهو خلال توليه منصب رئيس الدولة، وإن أبدى انتقادات من حين لآخر.
الأطراف العربية المشاركة في التشييع، سواء كان ذلك وزير الخارجية المصري، أم وفد السلطة الفلسطينية الذي سيضم أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية صائب عريقات ورئيس لجنة التواصل مع المجتمع الإسرائيلي حسين الشيخ ورئيس جهاز الاستخبارات ماجد فرج، أم الذين سارعوا لنعي بيريز ووصفه بأنه رجل الحرب والسلام، كما فعل وزير الخارجية البحريني الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة في تغريدة عبر موقع "تويتر"، ستكون شريكة ليس فقط في حملة النفاق العالمي لإسرائيل، وإنما أيضاً في شرعنة ما سيقوله نتنياهو، في كلمته في الجنازة بعد خطابات الزعماء الأجانب، وما سيدعيه بأنه وبيريز رغم اختلافهما في الآراء إلا أنهما يمثلان، كل بحسب موقفه ومعتقداته، سعي إسرائيل الدائم للسلام.
لن يتورع نتنياهو عن "استغلال مراسم التشييع" أمام زعماء العالم وفي وسائل الإعلام الأجنبية التي ستغطي الحدث، للترويج مجدداً للسلام حسب المخيلة الإسرائيلية، سلام يبدأ مع العرب أولاً، ويقود في نهاية المطاف لسلام مع الفلسطينيين.
ستحظى إسرائيل اليوم بمهرجان تأييد دولي واسع، تحت ستار تشييع جثمان بيريز، وهو مهرجان ستكون له شرعية عربية تتمثل ببرقيات التعزية التي وصلت إلى إسرائيل من أطراف عربية، وربما أيضاً باللقطات المصورة التي قد تركز في الكاميرات على الوفود العربية، سواء اقتصرت على الوزير المصري والوفد الفلسطيني أم انضمت إليها في اللحظات الأخيرة وفود عربية أخرى.