حكومة الحريري الثانية بمهام تنفيذية وخلافات مؤجلة

حكومة الحريري الثانية بمهام تنفيذية وخلافات مؤجلة

29 ديسمبر 2016
أسقط حزب الله وحلفاؤه حكومة الحريري الأولى (حسين بيضون)
+ الخط -


استكملت القوى السياسية اللبنانية مسار التسوية من خلال منح مجلس النواب الثقة لحكومة الرئيس سعد الحريري بعد 56 يوماً على تكليفه بتشكيلها، والتي ضمت 30 وزيراً يُمثلون أحزاباً وكتلاً متعارضة. وسُجل غياب 34 نائباً عن الجولة الثانية من جلسات مناقشة البيان الوزاري أمس الأربعاء، التي حضرها 92 نائباً من أصل 126. ومنح 87 نائباً الحكومة الثقة مقابل رفض 4 نواب، وامتناع نائب واحد عن التصويت. وبرز من بين أسماء رافضي منح الثقة، اسم النائب المفصول من كتلة "المستقبل" النيابية خالد الضاهر، على الرغم من تسميته الحريري لتشكيل الحكومة وتأييده انتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية بعكس زملائه السابقين في الكتلة.
وانعكس تمثيل معظم الكتل السياسية البرلمانية في الحكومة على تصويت النواب الأعضاء، في حين اتجه نواب الكتل غير الممثلة كـ"الكتائب اللبنانية" إلى رفض منح الثقة أو الغياب. وقد رد رئيس حزب "الكتائب"، النائب سامي الجميل، رفض منح الثقة إلى "الغايات الانتخابية التي تمثلها هذه الحكومة، وإلا فلماذا التقاتل على الوزارات الخدماتية قُبيل الانتخابات؟"، وفق قوله. وأتى تصريح سابق لوزير الأشغال العامة وممثل "تيار المردة" يوسف فنيانوس، ليؤكد الارتباط الوثيق بين سعي الكتل السياسية لحجز مقعد وزاري وتحقيق مكاسب انتخابية، بعد قوله إن "المردة أصروا على انتزاع حقيبة خدماتية تساعد في الانتخابات".
وعلى الرغم من عدم حيازة أي فريق أو تكتل سياسي، "الثلث الضامن" أو "المُعطل" في التشكيلة الحكومية الجديدة (ينص الدستور على اعتبار الحكومة مستقيلة في حال استقالة ثلث أعضائها)، إلا أن البيان الوزاري لحكومة الحريري الثانية أتى مُقيّداً بجملة تعابير تكاد توازي بقوتها الثلث المُعطل الذي نجح في إسقاط حكومته الأولى عام 2011 بعد عامين على تشكيلها، وذلك بعد استقالة وزراء "حزب الله" و"حركة أمل" و"تكتل التغيير والإصلاح"، ومعهم أحد الوزراء المحسوبين على رئيس الجمهورية السابق ميشال سليمان.
وفيما أكد رئيس الحكومة خلال رده على مداخلات النواب أن "كل القوى السياسية في لبنان خاطرت وجازفت لتحقيق انتخاب الرئيس ميشال عون وتشكيل أولى حكومات العهد"، دافع عن البيان الوزاري ورد على مداخلات النواب بشكل مفصل. واعتبر الحريري أن البيان "عالج مختلف القضايا الخلافية، ومنها بند السلاح الذي قررنا ترك أمر مناقشته للاستراتيجية الدفاعية التي سنجلس ونتحدث فيها". وفي موضوع قانون الانتخابات النيابية، حاول الحريري إلزام البرلمان باعتماد الكوتا النسائية، عبر القول إن "عدم اعتراض النواب يعني موافقتهم على الكوتا".


وشكّل بند المحكمة الدولية التي تحقق في اغتيال رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري (والد رئيس الحكومة الحالي)، أحد أبرز وجوه تكبيل الحريري سياسياً من خلال الصيغة المعتمدة في البيان الوزاري، والتي تنص على "حرص الحكومة على جلاء الحقيقة وتبيانها في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه، وستتابع مسار المحكمة الخاصة بلبنان التي أنشئت مبدئياً لإحقاق الحق والعدالة بعيداً عن أي تسييس أو انتقام، وبما لا ينعكس سلباً على استقرار لبنان ووحدته وسلمه الأهلي". وهو ما يعني فعلياً نزع الشرعية اللبنانية عن المحكمة في حال اعتبر أي طرف مشارك في الحكومة أن أحد القرارات الصادرة عن المحكمة يُهدد السلم الأهلي. علماً أن 3 مسؤولين من "حزب الله" يخضعون للمحاكمة غيابياً أمام المحكمة بتهمة المشاركة في اغتيال الحريري الأب، وذلك بعد مقتل المسؤول الرابع الذي كان قيد المحاكمة، وهو القائد العسكري للحزب مصطفى بدر الدين، الذي قُتل في مايو/أيار الماضي بعد قصف مدفعي طاول مركزاً قيادياً قرب مطار دمشق الدولي.
ومع تأكيد البيان الوزاري للحكومة على "ضرورة إقرار قانون انتخابي جديد"، قال نائب رئيس الحكومة، وزير الصحة غسان حاصباني لـ"العربي الجديد"، إن "مهمة الحكومة الجديدة تنفيذية، وليس هناك متسع من الوقت لتأثير الخلافات السياسية بين مكونات الحكومة على عملها". ووضع نائب رئيس الحكومة إقرار القانون الجديد على قائمة أولويات الحكومة، إلى جانب "حل الملفات الحياتية للمواطنين التي بقيت أسيرة الجمود خلال ولاية الحكومة السابقة التي عرقلتها الخلافات"، مشيراً إلى "أهمية التركيز على انتاجية الوزارات ولا سيما تلك التي هي على تماس مباشر مع المواطنين بسبب عمر الحكومة القصير". وهو عمر مرتبط بالموعد المُحدد لإجراء الانتخابات النيابية في مايو/أيار من العام المُقبل، والذي يمكن أن يتم تأجيله "تقنياً" في حال إقرار قانون جديد للانتخابات.
واعتبر حاصباني، وهو أحد وزراء "القوات اللبنانية" الذين سجلوا تحفّظهم على صيغة بند السلاح في البيان الوزاري، أن "القوات انطلقت من ثوابت ومبادئ مرتبطة بحصرية قرار الحرب والسلم بيد الدولة اللبنانية"، لافتاً إلى أن "المشاركة المنتجة والفاعلة في الحكومة لا تتعارض مع الالتزام بهذا المبدأ". واستند حاصباني إلى عنوان البيان الوزاري للحكومة (استعادة الثقة) للحديث عن دور وزارة الصحة "وهو استعادة ثقة المواطنين بالقطاع الصحي من خلال المواءمة بين قدرات الدولة والمتطلبات الصحية للمواطن، مع تنظيم العلاقة بين المؤسسات الصحية والاستشفائية والصيدليات واستكمال حماية الأمن الغذائي للبنانيين".
وبذلك ينهي اللبنانيون عامهم مع نيل الحكومة الثقة، على أن يبدأ بحث ملف الانتخابات وشكل القانون الجديد بعد رأس السنة، في ظل استمرار الأزمات الحياتية، من انقطاع المياه حتى في فصل الشتاء، إلى تقنين التيار الكهربائي واستمرار أزمة النفايات في عدد من المناطق.

المساهمون