نزوح الغزيين من مكان لآخر... تاريخ النكبة يعيد نفسه

نزوح الغزيين من مكان لآخر... تاريخ النكبة يعيد نفسه

15 مايو 2024
غزيون يخرجون من منازلهم في مخيم النصيرات، إبريل (فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- علي البردويل ودينا رمضان من غزة يعيشان تجربة التهجير المتكرر، معكسين مأساة النزوح الفلسطيني بسبب العدوان الإسرائيلي المستمر، ومجددين ذكريات النكبة الفلسطينية في 1948.
- دينا تشدد على الصمود والتمسك بالحق في التعليم والعودة، رغم الوضع الإنساني الكارثي والنزوح المتكرر في غزة.
- حسام الدجني يربط بين النكبة والنزوح الحالي، مؤكدًا على فشل إسرائيل في محو الهوية الفلسطينية وضرورة الاعتراف بحقوق الفلسطينيين وإقامة دولة فلسطينية لتحقيق السلام الدائم.

لم يدر في مخيلة الفلسطيني علي البردويل أنه سيعيش تجربة التهجير التي عايشها والداه خلال النكبة الفلسطينية عام 1948، إذ من نزوح إلى آخر تتكرر التجربة معه في قطاع غزة، والذي يشهد منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي عدواناً إسرائيلياً ارتكب خلاله الاحتلال قائمة لا تنتهي من الجرائم، من بينها الإبادة والتهجير والتجويع، والتي دفعت إلى نزوح الغزيين داخل القطاع.

يقول المهجّر الفلسطيني علي البردويل إن عائلته اضطرت للنزوح بعد أن اعتقلته قوات الاحتلال عقب عملية طوفان الأقصى خلال عمله داخل الأراضي المحتلة عام 1948، لفترة من الزمن قبل أن تفرج عنه وتبعده إلى جنوبي القطاع. ويشير في حديثه مع "العربي الجديد"، إلى أنه من نزوح إلى آخر انتقلت عائلته من منزلها بحي الشيخ رضوان لإحدى المناطق في غزة قبل أن تنتقل منها لمدينة خانيونس في إحدى المناطق التي صنفها الاحتلال منطقة آمنة. ويوضح أن العائلة انتقلت لاحقاً إلى مدينة رفح حيث أقامت خيمة خاصة بها ظناً منها أن المدينة ستكون آمنة بالنسبة للمهجرين، إلا أن ذلك لم يدم طويلاً حتى اضطرت العائلة للانتقال من جديد.

ويربط البردويل بين تجربة التهجير من نزوح إلى آخر وبين ما عايشه والداه خلال النكبة عبر الانتقال من مكان لآخر، وسط ممارسات العصابات الصهيونية حينها من تهجير وعمليات قتل وإبادة. ويخشى أن تتكرر تجربة النكبة التي عايشها والداه، وألا يتمكن من العودة إلى منزله والحي الذي هُجّرت منه عائلته قسراً جراء حرب الإبادة.

نزوح الغزيين في ذكرى النكبة

وتبدو حال عائلة البردويل متشابهة مع قرابة مليونَي فلسطيني يعيشون أهوال الحرب منذ يومها الأول. واختار مئات الآلاف عدم مغادرة مدينة غزة وشمالي القطاع، إلا أن مئات الآلاف الآخرين توجهوا إلى مدينتَي رفح وخانيونس ووسط القطاع، قبل أن ينتقلوا مرات عدة وبشكل متكرر. وشمل نزوح الغزيين الانتقال المتكرر في فترة الأيام الأخيرة الماضية، بعدما وسّع الاحتلال من عملياته العسكرية في رفح والتي كانت تضم حينها نحو مليون ونصف المليون نسمة، وأصدر أوامر إخلاء مناطق فيها، فضلاً عن إعلانه عمليات جديدة في مناطق كان قد غادرها شمالي القطاع، ليضيف من وتيرة نزوح الغزيين. وتكررت عمليات التهجير مع بعض العائلات قرابة سبع مرات نتيجة العمليات العسكرية البرية للجيش الإسرائيلي، كما تكرر الانتقال من مكان لآخر بفعل اشتداد القصف والاستهداف وصعوبة العيش.

وتتزامن ذكرى النكبة الـ76 العام الحالي، مع حرب الإبادة التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي للشهر الثامن على التوالي، والتي استشهد فيها قرابة 40 ألف فلسطيني علاوة على أكثر من 80 ألف مصاب. وتبدو الأوضاع مماثلة لحد كبير بين ظروف الحرب الإسرائيلية الحالية وبين ما جرى في النكبة من إبادة وعمليات قتل جماعي للفلسطينيين من تجويع وإعدام ميداني وتهجير من مكان لآخر. ويعتبر مخطط التهجير من ضمن المخططات التي عادت للظهور خلال الحرب الحالية على القطاع، لا سيما أن الاحتلال حاول في بداية الأمر دفع الفلسطينيين نحو الحدود مع مصر، وسيناء على وجه الخصوص.

من جهتها تروي الفلسطينية دينا رمضان تجربتها، واحدة من قصص نزوح الغزيين إذ تقول إنها انتقلت بفعل الحرب الإسرائيلية من نزوح إلى آخر عدة مرات بلغت في حصيلتها سبع مرات جراء حرب الإبادة على القطاع. وتوضح لـ"العربي الجديد" أنها انتقلت في بداية الحرب من منزلها بحي التفاح شرق مدينة غزة، باتجاه أحد مراكز الإيواء في إحدى المدارس بالنصيرات وسط القطاع. وتضيف المهجرة الفلسطينية أنها كررت الانتقال بفعل الاستهدافات الإسرائيلية باتجاه منطقة الصناعة في مدينة خانيونس مع عائلتها، بحثاً عن الأمان المفقود، وهو أمر لم يتحقق بفعل الحرب.

وفي ظل نزوح الغزيين تربط رمضان بين الحرب الإسرائيلية وعمليات التهجير وبين ما عاشه أجدادها خلال النكبة الفلسطينية، إذ كان الاحتلال يتعمد ارتكاب المجازر بهدف تهجير الفلسطينيين وإجبارهم على ترك أراضيهم. وتصف الوضع الإنساني بالكارثي "في ظل تعمد الاحتلال الإسرائيلي استهداف المدنيين الفلسطينيين وارتكاب جرائم قتل وإبادة تستهدف كي الوعي والتهجير". وسعت رمضان لاستئناف دراستها الجامعية خلال فترة وجودها في خيمة انتقلت إليها باعتبار التعليم أحد القطاعات التي سعى الاحتلال لاستهدافها من أجل تجهيل الفلسطينيين وحرمانهم من التفوق العلمي. واضطرت رمضان أخيراً للانتقال من مدينة رفح باتجاه منطقة دير البلح في ظل بدء العملية العسكرية في المدينة.

تجدد النكبة

من جانبه، يقول الكاتب والمحلل السياسي حسام الدجني إن نزوح الغزيين يأتي في سياق التاريخ الذي يعيد نفسه "إذ إن الاحتلال الإسرائيلي استخدم سلاح المجازر والقتل الجماعي بهدف تهجير الفلسطينيين من أراضيهم وهو ما قد نجح فيه". لكنه يستدرك في حديثه لـ"العربي الجديد"، بالقول إن "الفلسطينيين ومنذ تهجيرهم قسراً عن أرضهم لم ينسوا حقهم التاريخي فيها، ويتشبثون بها ويحيون هذه الذكرى (15 مايو/ أيار من كل عام) بتطلع لإنهاء الاحتلال وتحقيق حق العودة".

يشير إلى أن "الفلسطيني لا ينسى حقوقه وهو يستخدم كل الخيارات السياسية والعسكرية والاقتصادية للعودة إلى دياره باعتبارها حقا له لا يسقط بالتقادم أو بالمجازر والحروب التي يشنها الاحتلال". ويشدد على أن إسرائيل لم "تتعلم من التجربة بأن التهجير لا يجدي نفعاً مع الفلسطينيين وها هي تعيد التجربة في حرب الإبادة التي تشنها على القطاع للشهر الثامن على التوالي واستخدمت فيها المجازر والتهجير". ويلفت إلى أن الاحتلال قضى على البنية التحتية ومظاهر الحياة "إلا أنه فشل في القضاء على الوعي الفلسطيني، فيما ازداد الفلسطينيون تمسكاً بحقهم وأرضهم ورغبتهم في العودة إلى أراضيهم وإنهاء الاحتلال". ويعتبر أن "سيناريو التهجير فشل بالرغم من أن إسرائيل قد تكون نجحت في إخراج بعض الفلسطينيين طوعاً، إلا أنهم لا ينسون"، مضيفاً أن "الاحتلال لا يريد الإقرار بأن سيناريو الاستقرار له في المنطقة هو منح الفلسطينيين دولة، وحدودها الأدنى حدود الرابع من يونيو/ حزيران 1967".

هجّر الاحتلال أكثر من مليون فلسطيني من أصل 1.4 مليون كانوا يقيمون في فلسطين التاريخية عام 1948

وبحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني فقد شكلت أحداث نكبة فلسطين وما تلاها من تهجير، مأساة كبرى للشعب الفلسطيني، إذ تم تشريد ما يزيد عن مليون فلسطيني من أصل 1.4 مليون كانوا يقيمون في فلسطين التاريخية عام 1948. وبحسب بيانات الجهاز فقد سيطر الاحتلال الإسرائيلي على 774 قرية ومدينة فلسطينية، 531 منها تم تدميرها بالكامل، فيما تم إخضاع المتبقية منها إلى كيان الاحتلال وقوانينه. كما صاحب عملية التطهير هذه اقتراف العصابات الصهيونية أكثر من 70 مجزرة بحق الفلسطينيين أدت إلى استشهاد ما يزيد عن 15 ألف فلسطيني.

وبلغ عدد السكان في فلسطين التاريخية عام 1914 نحو 690 ألف نسمة، شكلت نسبة اليهود بينهم 8 بالمائة فقط. وفي العام 1948 بلغ عدد السكان أكثر من 2 مليون، حوالي 31.5 بالمائة منهم من اليهود، إذ تدفق بين عامي 1932 و1939 أكبر عدد من المهاجرين اليهود، وبلغ عددهم 225 ألف يهودي. وتدفق على فلسطين بين عامي 1940 و1947 أكثر من 93 ألف يهودي، وبهذا تكون فلسطين قد استقبلت بين عامي 1932 و1947 ما يقرب من 318 ألف يهودي، ومنذ العام 1948 وحتى العام 2023 تدفق أكثر من 3.3 ملايين يهودي. وعلى الرغم من تهجير نحو مليون فلسطيني في العام 1948 وأكثر من 200 ألف فلسطيني بعد حرب حزيران 1967، فقد بلغ عدد الفلسطينيين الإجمالي في العالم، 14.63 مليون نسمة في نهاية العام 2023، ما يشير إلى تضاعف عددهم نحو 10 مرات منذ أحداث النكبة.

المساهمون