لماذا تريد روسيا إنشاء قاعدة بحرية في أبخازيا؟

لماذا تريد روسيا إنشاء قاعدة بحرية في أبخازيا؟

05 أكتوبر 2023
القصف الأوكراني على مبنى المقر الرئيسي للأسطول الروسي في سيفاستوبول (بلانيت/أسوشييتد برس)
+ الخط -

كشف أصلان بجانيا، رئيس جمهورية أبخازيا الانفصالية في جورجيا، اليوم الخميس، عن توقيع اتفاق مع روسيا لإقامة قاعدة دائمة للبحرية الروسية على شواطئ الإقليم الذي انفصل عن جورجيا بعد حرب 2008 ضد روسيا.

وبعد يوم من لقائه بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، نقلت صحيفة "إزفيستيا" الروسية عن بجانيا قوله: "وقعنا اتفاقاً، وفي المستقبل القريب ستكون هناك قاعدة دائمة للبحرية الروسية في مقاطعة أوتشامشيرا"، وأضاف: "يهدف كل هذا إلى زيادة مستوى القدرة الدفاعية لكل من روسيا وأبخازيا، وسيستمر هذا النوع من التعاون".

وأعربت جورجيا عن قلقها حيال ذلك واصفة الخطوة الروسية بأنها انتهاك لسيادتها. وقالت وزارة الخارجية في تبليسي: "نعبر عن قلقنا حيال بيان نظام الاحتلال الروسي في سوخومي في ما يتعلق بتأسيس قاعدة عسكرية روسية إضافية على الأراضي الجورجية المحتلة"، مضيفة أن "هذا النوع من الأعمال يشكّل انتهاكاً صارخاً لسيادة جورجيا وسلامة أراضيها".

ورفض المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف التعليق، وقال إن مثل "هذه القضايا من اختصاص وزارة الدفاع".

تعود مخططات روسيا لإنشاء قاعدة للأسطول الروسي في أوتشامشيرا إلى نحو 14 عاماً؛ ففي صيف عام 2009، أعلن القائد العام للبحرية الروسية حينها، الأدميرال فلاديمير فيسوتسكي، أنه سيجرى بناء القاعدة في فترة ما بين عامين وثلاثة أعوام، مؤكداً أنه "لن يتمركز أي شيء كبير هناك"، وستتمركز مجموعات تكتيكية منفصلة، وبدأت روسيا أعمال التجريف في الشاطئ في ذات العام. وبدأت قاعدة سفن الدورية في أوتشامشيرا العمل مرة أخرى في عام 2017.

في ثلاثينيات القرن العشرين، أنشأ السوفييت قاعدة بحرية صغيرة  في ميناء أوتشامشيرا تتبع منطقة القوقاز العسكرية بهدف مراقبة الحدود البحرية، ومنذ الستينيات كان هناك لواء منفصل من سفن الدورية تنفذ مهام حماية حدود الدولة حتى عام 1996،  ثم نقلت من أوتشامشيرا إلى كاسبيسك في داغستان.

بديل عن سيفاستوبول

ويبدو أن الهجمات الأوكرانية الأخيرة على قاعدة أسطول البحر الأسود الأساسية في سيفاستوبول سرعت في مخططات روسيا لإقامة القاعدة البحرية في أوتشامشيرا، وتملك روسيا إضافة إلى سيفاستوبول قاعدتين بحريتين على الشاطئ الغربي لشبه جزيرة القرم، التي ضمتها روسيا في عام 2014، وهما فيوديسا ودونوزلاف وكلها معرضة لضربات أوكرانية بمسيّرات بحرية وجوية.

وكشفت صور للأقمار الاصطناعية، نشرتها صحيفة "وول ستريت جورنال" أمس الأربعاء، أن روسيا نقلت عدداً من السفن الكبيرة والغواصات إلى ميناء نوفوروسيسك، الواقع شمال شرق البحر الأسود، ما يجعله بعيداً عن استهداف المسيّرات الأوكرانية. 

وفي إشارة إلى توجّه روسيا إلى بناء قاعدة بحرية كبيرة في المنطقة، صرح سكرتير مجلس الأمن في جمهورية أبخازيا الانفصالية سيرغي شامبا، لوكالة "نوفوستي" الروسية، في 30 سبتمبر/أيلول الماضي، بأنّ الجانب الروسي سيبدأ تجديد مطار سوخوم القريب من أوتشامشيرا. والمطار متوقف عن العمل منذ قرابة 30 عاماً، لكنه استقبل في السنوات الأخيرة عدّة رحلات خاصة أو طائرات نقلت عسكريين روسيين.

في ظل الهجمات الأوكرانية المتواصلة على شبه جزيرة القرم، ونجاح أوكرانيا في إصابة أهداف في الشواطئ الغربية، يبدو أن موسكو تتجه نحو نقل جزء من سفنها وغواصاتها إلى الجزء الشرقي من البحر الأسود.

ومن المرجح أن تزعج هذه الخطوة تركيا، إضافة إلى جورجيا، مع اقتراب القواعد الروسية من شواطئها على البحر الأسود، كما يفتح بناء القاعدة الجديدة ملفاً خلافياً جديداً مع حلف شمال الأطلسي، حيث تطل ثلاث من دوله على البحر الأسود هي رومانيا وتركيا وبلغاريا.

وبعيداً عن نجاح أوكرانيا في ضرب مواقع أسطول البحر الأسود الروسي، فإن العقيدة  البحرية الروسية، التي أقرها بوتين في 31 يوليو/ تموز 2022، قسمت البحار في العالم إلى مناطق حيوية ذات أولوية قصوى ومناطق مهمة وغيرها.

وتضم المجموعة الأولى مناطق "تتعلق مباشرة بتنمية الدولة، وحماية سيادتها، وسلامتها الإقليمية، وتعزيز الدفاع، وتؤثر بشكل حاسم على التنمية الاجتماعية والاقتصادية للبلاد"، وصنفت العقيدة البحر الأسود وبحر آزوف على أنها من المناطق "التي تؤثر بشكل كبير على التنمية الاقتصادية والرفاهية المادية للسكان وحالة الأمن القومي، فضلاً عن الحفاظ على الأمن الاستراتيجي والإقليمي للدولة".

والأرجح أن مخططات إنشاء قاعدة بحرية يمكن أن تكون بديلاً عن سيفاستوبول، وبدأت بعد "الثورة البرتقالية" ومخاوف روسيا من خسارة أوكرانيا بتوجهها نحو الغرب. وقدّمت روسيا تسهيلات كبيرة لأوكرانيا بأسعار الغاز إضافة إلى قروض بنحو 3 مليارات دولار في 2013 من أجل تمديد عقد تأجير قاعدة سيفاستوبول حتى 2042 .

وربما كانت أحد أهداف حرب أغسطس/آب 2008 هي السيطرة على اقليم أبخازيا الحيوي لروسيا، إضافة لمنع انضمام جورجيا إلى حلف شمال الأطلسي. واحتلت روسيا في تلك الحرب قرابة 40 في المائة من أراضي جورجيا، واعترفت لاحقاً باستقلال اقليمي أوسيتا الجنوبية وأبخازيا في عام 2009. ومنذ خريف العام الماضي، يدور نقاش واسع في موسكو حول ضم الجمهوريتين الانفصاليتيين اللتين تمولان من الموازنة الروسية، ولم تعترف بهما إلا فنزويلا ونيكاراغوا والنظام السوري وجزيرة نارو.  وربما يسرع إنشاء القاعدة البحرية الجديدة في أوتشامشيرا وضخ استثمارات ضخمة في الميناء والمطار القريب منها؛ عملية ضم أبخازيا إلى روسيا.