الخناق الإسرائيلي على غزة: ضغوط لتخفيف الأثمان بملف الأسرى

الخناق الإسرائيلي على غزة: ضغوط لتخفيف الأثمان بملف الأسرى

05 يوليو 2021
ترفض المقاومة ربط الإعمار بملف تبادل الأسرى (Getty)
+ الخط -

يحاول الاحتلال الإسرائيلي فرض قواعد اشتباك جديدة على الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة، عبر معادلة أن إطلاق بالون حارق سيقابله رد بصاروخ، وهي سياسة لم تكن حاضرة قبل الحرب الرابعة على القطاع التي بدأت في 10 مايو/ أيار الماضي واستمرت 11 يوماً. ويطلق ناشطون فلسطينيون بشكل متقطع بالونات تحمل مواد حارقة على مستوطنات "غلاف غزة" في محاولة للضغط على الاحتلال، الذي شدد الحصار على القطاع منذ اليوم الأول للحرب الرابعة ولم يُعد الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل ذلك اليوم كما جرت العادة سابقاً عقب التوصل لاتفاقات تهدئة.

وشنّت مقاتلات حربية إسرائيلية عدة غارات على مواقع عسكرية وتدريبية لـ"كتائب القسام"، الذراع العسكرية لحركة "حماس"، أمس الأول السبت، والخميس قبل الماضي، بزعم الرد على البالونات الحارقة التي تطلق من القطاع تجاه مستوطنات الغلاف. وحتى هذه الغارات تغيّر شكلها، ففي السابق كانت الطائرات الحربية والمسيّرة تستهدف مواقع المقاومة الفارغة، غير أنها هذه المرة باتت تستهدف مقار إنتاج وسائل قتالية وبنية تحت أرضية بقوة نارية أكبر من ذي قبل تشبه القوة النارية الضخمة التي استخدمها الطيران الإسرائيلي في الحرب الرابعة.
وتفرض هذه التطورات على فصائل المقاومة تحدياً جديداً، خصوصاً على حركتي "حماس" و"الجهاد الإسلامي" اللتين هددتا في أكثر من مرة بالرد عليها، غير أنهما لم تقوما بأي فعل عسكري حتى الآن للرد على هذا العدوان، ما يعني إفساح المجال أمام الوسطاء لوقف هذا الأمر وحلحلة الأزمات التي يعيشها القطاع.

وعلى الرغم من ذلك، أمام الفصائل الفلسطينية في غزة معضلة أكبر وهي فكفكة الحصار المشدد والذي عاد عقب الحرب الرابعة بشكل يشبه كثيراً ما كان عليه الواقع مع بدء الحصار في عام 2006، إضافة إلى ملف إعادة إعمار ما دمرته آلة الحرب الإسرائيلية في 11 يوماً قاسياً عاشتها غزة أخيراً.

وفي المشهد العام، فإنّ الضغط الذي تمارسه إسرائيل على القطاع والذي زاد بشكل كبير في الشهرين الأخيرين هو محاولة لخفض سقف التفاوض حول ملف تبادل الأسرى والذي بدأ يتحرك بشكل أكبر من ذي قبل، وتربط سلطات الاحتلال أي تحرك تجاه حلحلة الأزمات في القطاع بهذا الملف.

أبلغت "حماس" الوسطاء أنّ ملف الأسرى ثمنه أسرى الفصائل وقياداتها وأصحاب الأحكام العالية والأسرى المعاد اعتقالهم


وتصر الفصائل، وحركة "حماس" تحديداً، على فصل الملفات عن بعضها، وهي أكدت خلال جولات التفاوض غير المباشر الأخيرة في القاهرة، والتي من المقرر أنّ تستأنف في الأيام المقبلة، على أنّ ملف التبادل منفصل تماماً عن ملف الهدوء والإعمار والحصار.
ووفق معلومات "العربي الجديد" فقد أبلغت حركة "حماس" الوسطاء المختلفين الذين يتفاوضون معها أنّ ملف الحصار والإعمار ثمنهما الهدوء فقط على جبهة غزة، وأنّ ملف الأسرى ثمنه أسرى الفصائل وقياداتها وأصحاب الأحكام العالية والأسرى المعاد اعتقالهم عقب تحريرهم في صفقة جلعاد شاليط عام 2011.

وفي السياق، أكد المتحدث باسم حركة "حماس" عبد اللطيف القانوع، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنّ المقاومة تراقب سلوك الاحتلال وتمتلك من الأدوات ما يلجم العدوان الإسرائيلي ويجبره على كسر الحصار وإعادة الإعمار، مشيراً إلى أنّ خيارات الفلسطينيين مفتوحة ولا يمكن للاحتلال أنّ يرعبهم سواء بتشديد الخناق أو القصف. وعدّ القانوع القصف المتكرر للاحتلال الإسرائيلي على مواقع المقاومة بأنه تعبير عن حالة الفشل التي مُني بها "العدو الصهيوني" في معركة "سيف القدس" الأخيرة، مشيراً إلى أنّ "الاحتلال يحاول بين الفينة والأخرى أن يثبّت معادلة جديدة على الأرض تارة بتضييق الخناق على غزة أو بقصف مواقع المقاومة". وشدد المتحدث باسم "حماس" على أنّ الشعب الفلسطيني والمقاومة لا يمكن أنّ يسمحا بإعادة إنتاج وتشديد الحصار وإعادة الأوضاع للمربع الأول، محمّلاً "الاحتلال نتائج التصعيد وقصف المواقع والعدوان".

القانوع: الشعب الفلسطيني والمقاومة لا يمكن أنّ يسمحا بإعادة إنتاج وتشديد الحصار


من جهته، قال الكاتب والمحلل السياسي حاتم أبو زايدة، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنّ ما يجري في القطاع من قصف وتضييق وتشديد خناق يهدف إلى الضغط على فصائل المقاومة للمضي قدماً في صفقة تبادل أسرى جديدة، ويحاول الاحتلال من خلال كل هذا تقليل الثمن الذي سيدفعه مقابل جنوده. ولفت أبو زايدة إلى أنّ الاحتلال يحاول استغلال الإعمار وملف الحصار وحاجات القطاع للضغط على المقاومة، ومنذ اليوم الأول للحرب وحتى الآن شدد من حصاره لزيادة الضغط، موضحاً أنّ أي مفاوضات لتبادل الأسرى في ظل الخطوط الحمراء الإسرائيلية المعلنة لن تتقدم. وأشار إلى أن سقف المقاومة عالٍ وتريد مقابل جنود الاحتلال في غزة الإفراج عن قيادات الفصائل الفلسطينية في السجون والمرضى وأصحاب الأحكام العالية.
ورأى المحلل السياسي أن "لا الاحتلال الإسرائيلي ولا فصائل المقاومة بحاجة إلى حرب جديدة، فإسرائيل لديها الملف النووي وما يجرى من مباحثات لإبرام صفقة أميركية إيرانية، والتفكك الحاصل في لبنان وما قد ينعكس منه على إسرائيل، إضافة إلى صورة إسرائيل في المخيلة العالمية والتي تأثرت كثيراً عقب جرائمها الأخيرة في غزة، فيما المقاومة لديها مهام إعادة بناء قدراتها وإعادة الإعمار وكسر الحصار".

وفسر أبو زايدة ما يجري حالياً في غزة بـ"العمليات الصغرى ما بين الحروب"، وهي استراتيجية الضرب بوتيرة عادية لا تؤدي إلى حرب جديدة، وتسعى لإضعاف فصائل المقاومة وتؤخر استعداداتها لأطول فترة ممكنة، وهي جزء من الضغط السياسي على المقاومة للتقدّم في ملف التبادل. وأشار كذلك إلى أنّ المقاومة في غزة تدرس الموقف من جميع أبعاده، وهي ليست صاحبة أفعال عشوائية، تريد أنّ تفك الحصار عن القطاع وتفسح المجال لإعادة إعمار حقيقية، ومسألة القدس حاضرة بقوة لديها، خصوصاً أنّ هناك تهديدات إسرائيلية بابتلاع مزيد من الأحياء في مدينة القدس المحتلة.

المساهمون