23 سبتمبر 2024
في المشترك بين أنقرة وأثينا
يعيد الاتفاق المرتقب بين إسرائيل والشطر الجنوبي لجزيرة قبرص واليونان، لإنشاء أنبوب بحري لنقل الغاز الطبيعي من شرق البحر الأبيض المتوسط إلى أوروبا، يعيد إلى دائرة الضوء العلاقات التركية اليونانية، ومستقبلها، لا سيما في ظل الحديث عن تصاعد حدة الخلاف على مصادر الطاقة شرق المتوسط، مع قرب التوقيع على الاتفاق. فبحسب تقارير، جرى الاتفاق مبدئياً، على بناء خط أنابيب بطول ألفي كيلومتر، يربط موارد الغاز الضخمة في شرق البحر المتوسط بأوروبا، وسيمتد الخط من إسرائيل وقبرص إلى اليونان وإيطاليا، وبتكلفة تقدر بخمسة مليارات دولار.
وكان الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، قد حذّر من المساس بالحقوق السيادية لتركيا على سواحل شمال جزيرة قبرص، مهدداً باستخدام القوة العسكرية، كما حذر رئيس أركان الجيش التركي، خلوصي أكار، من قيام أي أحد بحسابات خاطئة في بحر إيجه والبحر الأبيض المتوسط، وقال: "إذا أوكلت لنا أي مهمة في بحر إيجه أو البحر الأبيض المتوسط، ننفذها لأجل أمّتنا ووطننا بدون أن ترمش لنا عين، يجب ألا يقوم أحدٌ بحسابات خاطئة هناك".
واعتبر المراقبون زيارة أردوغان اليونان، أواخر العام الماضي، بأنها يمكن أن تشكل نقلة نوعية إلى مستوى أفضل، في العلاقات بين تركيا واليونان، العضوين في حلف شمال الأطلسي (الناتو) وبداية حقبة جديدة في العلاقات بين أنقرة وأثينا، فهي الزيارة الأولى من نوعها لرئيس تركي منذ 65 عاماً. واتسمت تلك الزيارة بأهمية تاريخية وسياسية كبيرة بالنسبة للعلاقات بين البلدين الجارين، والتي شهدت توتراتٍ حادةً خلال مراحل ماضية مختلفة في التاريخ. ولا يستبعد خبراء أنها ستكون نقطة تحولٍ بالنسبة للجانبين، فاليونان التي تعاني من أزمة اقتصادية خانقة، تهدّد عضويتها في الاتحاد الأوروبي قد تجد في الانفتاح على تركيا، وإقامة مشاريع اقتصادية للنقل والتجارة والسياحة ومدّ خطوط الطاقة، مخرجاً لا يفوّت لأزمتها المالية.
ولا يخفى أن الخطوة التركية تُشكّل أيضًا أهمية كبيرة لعلاقات تركيا مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية، في ظل التوترات التي ازدادت حدّتها على خلفية محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا في يوليو/ تموز من عام 2016، ووصف الرئيس اليوناني، بروكوبيس بافلوبولوس، زيارة أردوغان إلى أثينا بأنها "حدث تاريخي"، وأنها تستحوذ على أهمية كبيرة بالنسبة لمساعي تركيا في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.
وتمثل مشاريع الاقتصاد والطاقة بين أنقرة وأثينا، إضافة إلى المتغيرات الإقليمية - الدولية، محركات قوية تدفعهما إلى التقارب، وقد وصل التبادل التجاري بين البلدين إلى نحو ثلاثة مليارات دولار عام 2016، وهما يسعيان إلى رفعه إلى نحو 10 مليارات دولار، وتبلغ الاستثمارات اليونانية في تركيا نحو 8.6 مليارات دولار في مقابل 500 مليون دولار استثمارات تركية مباشرة في اليونان، وتنظم الخطوط الجوية التركية قرابة 52 رحلة لليونان أسبوعيًا. لكن رفض المحكمة العليا في اليونان إعادة ثمانية عسكريين أتراك إلى أنقرة، شاركوا بمحاولة الانقلاب الفاشلة، يعتبر من أهم الملفات العالقة بين البلدين الجارين، ما قد يجدد توتر العلاقات بينهما، بعد مرحلة استقرار نسبية، لا سيما أن الرفض اليوناني أزعج أنقرة كثيرًا.
ويعتبر متغير الطاقة في منطقة شرق المتوسط عاملاً رئيسياً للتقارب بين تركيا واليونان، حيث لا يخفى سعي أنقرة إلى توثيق مشاريع الطاقة بينها وبين عموم دول المنطقة، وفي مقدمتها اليونان، في ظل اقتراب أثينا إلى بناء تحالف ثلاثي مع القاهرة وقبرص، ونجاح هذا التقارب في تحقيق نقلة في مجالات التعاون العسكري والاقتصادي، وقد ظهر ذلك في المناورات العسكرية بين هذه الدول منذ عام 2015. بالإضافة إلى تجدد المفاوضات بين مصر و قبرص اليونانية لتوريد الغاز القبرصي إلى مصر، وهي المسألة التي تعترض عليها تركيا بشدة.
ولتاريخ العلاقات التركية اليونانية سلسلة من الخلافات والصراعات، وتعد أزمة قبرص من أعقد الأزمات التي يعيشها البلدان، منذ التدخل العسكري التركي عام 1974، لتنقسم الجزيرة إلى قسمين، قبرص تركية تحت حماية الجيش التركي، وقبرص اليونانية تحت حماية اليونان.
ويضاف إلى الصراع اختلاف البلدين حول المياه الإقليمية، عندما رفعت اليونان حدود مياهها الإقليمية إلى ستة أميال في بحر إيجه، لتخالف بذلك الاتفاقية التي كانت تعطي كلتا الدولتين عمق ثلاثة أميال فقط، ورفعت أيضاً مجالها الجوي إلى عشرة أميال، بدلاً عن ثلاثة أميال حددتها الاتفاقية بين الدول، ما أدى إلى رفع حدة الصراع بين البلدين.
وفيما يتعلق بمعاهدة لوزان، الموقعة بعد الحرب العالمية الأولى، قال أردوغان، في لقاء جمعه بنظيره اليوناني بافلوبولوس، إنّها تنصّ على تفاصيل دقيقة ما تزال غير مفهومة، مشيرًا أنّ تركيا واليونان قادرتان على تحديث تلك المعاهدة، بما يتناسب مع الظروف والشروط الحالية. وتساءل: "كيف نقول إنّ معاهدة لوزان (بين تركيا وعدة دول بينها اليونان) يتم تطبيقها، وإلى الآن لم يتم انتخابُ مُفتٍ عام لمسلمي غربي تراقيا (اليونانية ذات الأقلية التركية)". وتابع: "لو كنا عرقلنا انضمامكم إلى حلف الناتو، لما استطاعت اليونان الحصول على العضوية فيه، لكننا نظرنا إليها على أنها جارة، واليوم أيضاً نعتبرها كذلك".
وقد حددت معاهدة لوزان التي وقعت في 24 يوليو/ تموز 1923 الوضع القانوني للجزر في بحر إيجة، وسيادة تركيا على بعض الجزر، إلى جانب نقل ملكية جزر وتثبيتها لليونان وإيطاليا. وبحسب المادة 16 من المعاهدة، تنازلت تركيا عن كل حقوقها القانونية من الجزر المذكورة في الاتفاقية، لكنها تمتلك حق المشاركة في تحديد مصير تلك الجزر. وقال بافلوبولوس إنّ "معاهدة لوزان تشكّل حجر الأساس في العلاقات بين بلاده وتركيا، وغير قابلة للنقاش أو إعادة النظر".
كما يلتقي البلدان في قضايا عديدة، أبرزها أزمة اللاجئين التي تفاقمت عام 2011، إذ شكلت تركيا نقطة انطلاق المهاجرين غير الشرعيين إلى أوروبا عبر الجزر اليونانية، وعانت تركيا واليونان من آثار تلك الأزمة وما نتج عنها، وإيواء البلدين اللاجئين السوريين وغيرهم.
يبقى القول إن تنامي اكتشافات الغاز في منطقة شرق المتوسط قد ينجح في إنجاز تعاون اقتصادي، وتكامل في مشاريع الطاقة تحتاجه أنقرة وأثينا معاً، وقد يزيد الشرخ أكثر بين الجيران، ويتحول اكتشاف الطاقة إلى نقمةٍ على دول المنطقة بدل النعمة.
وكان الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، قد حذّر من المساس بالحقوق السيادية لتركيا على سواحل شمال جزيرة قبرص، مهدداً باستخدام القوة العسكرية، كما حذر رئيس أركان الجيش التركي، خلوصي أكار، من قيام أي أحد بحسابات خاطئة في بحر إيجه والبحر الأبيض المتوسط، وقال: "إذا أوكلت لنا أي مهمة في بحر إيجه أو البحر الأبيض المتوسط، ننفذها لأجل أمّتنا ووطننا بدون أن ترمش لنا عين، يجب ألا يقوم أحدٌ بحسابات خاطئة هناك".
واعتبر المراقبون زيارة أردوغان اليونان، أواخر العام الماضي، بأنها يمكن أن تشكل نقلة نوعية إلى مستوى أفضل، في العلاقات بين تركيا واليونان، العضوين في حلف شمال الأطلسي (الناتو) وبداية حقبة جديدة في العلاقات بين أنقرة وأثينا، فهي الزيارة الأولى من نوعها لرئيس تركي منذ 65 عاماً. واتسمت تلك الزيارة بأهمية تاريخية وسياسية كبيرة بالنسبة للعلاقات بين البلدين الجارين، والتي شهدت توتراتٍ حادةً خلال مراحل ماضية مختلفة في التاريخ. ولا يستبعد خبراء أنها ستكون نقطة تحولٍ بالنسبة للجانبين، فاليونان التي تعاني من أزمة اقتصادية خانقة، تهدّد عضويتها في الاتحاد الأوروبي قد تجد في الانفتاح على تركيا، وإقامة مشاريع اقتصادية للنقل والتجارة والسياحة ومدّ خطوط الطاقة، مخرجاً لا يفوّت لأزمتها المالية.
ولا يخفى أن الخطوة التركية تُشكّل أيضًا أهمية كبيرة لعلاقات تركيا مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية، في ظل التوترات التي ازدادت حدّتها على خلفية محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا في يوليو/ تموز من عام 2016، ووصف الرئيس اليوناني، بروكوبيس بافلوبولوس، زيارة أردوغان إلى أثينا بأنها "حدث تاريخي"، وأنها تستحوذ على أهمية كبيرة بالنسبة لمساعي تركيا في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.
وتمثل مشاريع الاقتصاد والطاقة بين أنقرة وأثينا، إضافة إلى المتغيرات الإقليمية - الدولية، محركات قوية تدفعهما إلى التقارب، وقد وصل التبادل التجاري بين البلدين إلى نحو ثلاثة مليارات دولار عام 2016، وهما يسعيان إلى رفعه إلى نحو 10 مليارات دولار، وتبلغ الاستثمارات اليونانية في تركيا نحو 8.6 مليارات دولار في مقابل 500 مليون دولار استثمارات تركية مباشرة في اليونان، وتنظم الخطوط الجوية التركية قرابة 52 رحلة لليونان أسبوعيًا. لكن رفض المحكمة العليا في اليونان إعادة ثمانية عسكريين أتراك إلى أنقرة، شاركوا بمحاولة الانقلاب الفاشلة، يعتبر من أهم الملفات العالقة بين البلدين الجارين، ما قد يجدد توتر العلاقات بينهما، بعد مرحلة استقرار نسبية، لا سيما أن الرفض اليوناني أزعج أنقرة كثيرًا.
ويعتبر متغير الطاقة في منطقة شرق المتوسط عاملاً رئيسياً للتقارب بين تركيا واليونان، حيث لا يخفى سعي أنقرة إلى توثيق مشاريع الطاقة بينها وبين عموم دول المنطقة، وفي مقدمتها اليونان، في ظل اقتراب أثينا إلى بناء تحالف ثلاثي مع القاهرة وقبرص، ونجاح هذا التقارب في تحقيق نقلة في مجالات التعاون العسكري والاقتصادي، وقد ظهر ذلك في المناورات العسكرية بين هذه الدول منذ عام 2015. بالإضافة إلى تجدد المفاوضات بين مصر و قبرص اليونانية لتوريد الغاز القبرصي إلى مصر، وهي المسألة التي تعترض عليها تركيا بشدة.
ولتاريخ العلاقات التركية اليونانية سلسلة من الخلافات والصراعات، وتعد أزمة قبرص من أعقد الأزمات التي يعيشها البلدان، منذ التدخل العسكري التركي عام 1974، لتنقسم الجزيرة إلى قسمين، قبرص تركية تحت حماية الجيش التركي، وقبرص اليونانية تحت حماية اليونان.
ويضاف إلى الصراع اختلاف البلدين حول المياه الإقليمية، عندما رفعت اليونان حدود مياهها الإقليمية إلى ستة أميال في بحر إيجه، لتخالف بذلك الاتفاقية التي كانت تعطي كلتا الدولتين عمق ثلاثة أميال فقط، ورفعت أيضاً مجالها الجوي إلى عشرة أميال، بدلاً عن ثلاثة أميال حددتها الاتفاقية بين الدول، ما أدى إلى رفع حدة الصراع بين البلدين.
وفيما يتعلق بمعاهدة لوزان، الموقعة بعد الحرب العالمية الأولى، قال أردوغان، في لقاء جمعه بنظيره اليوناني بافلوبولوس، إنّها تنصّ على تفاصيل دقيقة ما تزال غير مفهومة، مشيرًا أنّ تركيا واليونان قادرتان على تحديث تلك المعاهدة، بما يتناسب مع الظروف والشروط الحالية. وتساءل: "كيف نقول إنّ معاهدة لوزان (بين تركيا وعدة دول بينها اليونان) يتم تطبيقها، وإلى الآن لم يتم انتخابُ مُفتٍ عام لمسلمي غربي تراقيا (اليونانية ذات الأقلية التركية)". وتابع: "لو كنا عرقلنا انضمامكم إلى حلف الناتو، لما استطاعت اليونان الحصول على العضوية فيه، لكننا نظرنا إليها على أنها جارة، واليوم أيضاً نعتبرها كذلك".
وقد حددت معاهدة لوزان التي وقعت في 24 يوليو/ تموز 1923 الوضع القانوني للجزر في بحر إيجة، وسيادة تركيا على بعض الجزر، إلى جانب نقل ملكية جزر وتثبيتها لليونان وإيطاليا. وبحسب المادة 16 من المعاهدة، تنازلت تركيا عن كل حقوقها القانونية من الجزر المذكورة في الاتفاقية، لكنها تمتلك حق المشاركة في تحديد مصير تلك الجزر. وقال بافلوبولوس إنّ "معاهدة لوزان تشكّل حجر الأساس في العلاقات بين بلاده وتركيا، وغير قابلة للنقاش أو إعادة النظر".
كما يلتقي البلدان في قضايا عديدة، أبرزها أزمة اللاجئين التي تفاقمت عام 2011، إذ شكلت تركيا نقطة انطلاق المهاجرين غير الشرعيين إلى أوروبا عبر الجزر اليونانية، وعانت تركيا واليونان من آثار تلك الأزمة وما نتج عنها، وإيواء البلدين اللاجئين السوريين وغيرهم.
يبقى القول إن تنامي اكتشافات الغاز في منطقة شرق المتوسط قد ينجح في إنجاز تعاون اقتصادي، وتكامل في مشاريع الطاقة تحتاجه أنقرة وأثينا معاً، وقد يزيد الشرخ أكثر بين الجيران، ويتحول اكتشاف الطاقة إلى نقمةٍ على دول المنطقة بدل النعمة.