30 سبتمبر 2024
هذه البيئة الإكراهية للقرار 2401
اشتغلت ورشة لتدوير الزوايا في كواليس مجلس الأمن ثلاثة أيام، على مشروع القرار بشأن الغوطة الشرقية في ريف دمشق، والذي تقدمت به الكويت والسويد، من أجل ملاقاة الروس في منتصف الطريق، وإخراج القرار السبت رقم 2401. فقد تم انتزاع كل ما يشير إلى الإلزام بوقت محدد لوقف إطلاق النار، وإلى آليات تنفيذية وأطراف ضامنة، وكيفية الرد على خرق الاتفاق، فظهرت الصياغة واسعة وغير دقيقة، فجاء القرار مهلهلاً مليئا بالثقوب، خصوصا وأنه ترك الباب مفتوحاً لاستكمال هجمات النظام البرية، بسبب عدم تحديده وقت سريان الهدنة، كما ترك لروسيا ونظام الأسد إمكانية استهداف المناطق التي يتذرعون بوجود جبهة النصرة فيها.
لكن، على الرغم من كل ما سبق، يمكن القول إن صدور القرار عطّل عملية اجتياح كبرى جهزت لها روسيا والمليشيات، بعد تجهيز أعداد كبيرة من المقاتلين، عشرات الألوف من قوات نخبة النظام والمليشيات الإيرانية والعراقية وكتائب من حزب الله، مدعومة بأحدث أنواع الأسلحة الروسية التي لم يسبق استخدامها بعد في الحرب السورية، وقد تم التمهيد للعملية بطوفان ناري، شاهده العالم، ويفوق طاقة ال 90 كيلومترا (المساحة التي تحت سيطرة الفصائل في الغوطة) على الاحتمال.
أرادت روسيا وحلفاؤها تغيير المعطيات بشكل كبير في الحرب السورية، من خلال تأمين حزام العاصمة، وإبعاد خطر المعارضة نهائيا، وكشف وزير الخارجية الروسية، سيرغي لافروف، عن سقف ما تريده بلاده في الغوطة، عبر إعادة تجربة حلب التي أفضت إلى خروج
المعارضة نهائياً، بناء على تقدير الكرملين أن الوقت قد حان لتنفيذ هذا الأمر. وبالفعل، وفّرت روسيا الموارد اللازمة لتطبيق ذلك، إلى درجة أن بعض الإعلام الغربي ذهب إلى اعتبار الغوطة ساقطة، ولم يعد مفيداً العمل على إنقاذها.
وفي مقدمة خلفيات قرار روسيا السيطرة على الغوطة إضعاف الموقف الغربي في المفاوضات بشأن سوربة، وفرض أمر واقع تجعله يعمل تحت سقف ما تريده روسيا. وقد تسرب، عبر تقارير دولية، أن روسيا أرادت لنظام الأسد السيطرة على حزام دمشق، لإعلان بدء مرحلة إعادة الإعمار وإيجاد حالة من التنافس بين الشركات الإقليمية والدولية، من أجل الحصول على حصة. وبالتالي، وضع الدول الغربية أمام خيارين، العزلة والابتعاد عن الموضوع السوري، أو الرضوخ لضغط شركاتها التي ستتسابق على كعكة الإعمار، على اعتبار أنها فرصة ثمينة، لا يجوز التفريط بها.
وفي المقابل، ثمّة عوامل أضعفت الموقف الروسي، أهمها فشل عملية اقتحام الغوطة في وقت سريع، حيث كان مقدراً للعملية أن تنتهي في أيام معدودة، بالنظر إلى الاستعدادات الهائلة والموارد الكبيرة التي تم توفيرها، وإذا تعثر الاختراق والسيطرة البرية الكاملة، على الأقل السيطرة على مواقع استراتيجية حاكمة تجعل منطقة الغوطة ساقطة عملياً، ويتم إجبار الفصائل على الاستسلام، وطلب الخروج مع عائلاتهم، وفق المخطط الروسي الذي أعلن عنه لافروف.
وعلى الرغم من الإسناد الناري الكثيف، لم تحقق القوات المهاجمة أدنى اختراق، حيث تكشّف أن الفصائل استعدت جيداً عبر تحصين المواقع، وبناء الأنساق الدفاعية جيدا. وعلى الرغم من احتمالية تحقيق القوات المهاجمة خروقا هنا أو هناك، ما زالت ممكنة حتى بعد صدور قرار مجلس الأمن، إلا أنها لم تعد كافية، لتغيير المعطيات بشكل كبير، وقد أدركت روسيا هذه الحقيقة، وأدركت معها أن تقييمها الوقت المطلوب لتحقيق أهدافها لم يكن دقيقاً. وثمة حاجة لوقت أطول بكثير، لم يكن ممكناً في ظل ضغوط دولية غير مسبوقة عليها.
وقد شكّل الضغط الدولي، وتحديداً، ضغوط أميركا وبريطانيا وفرنسا، عاملاً حاسما في الموافقة الروسية على وقف إطلاق النار، كما أنها شكّلت معطيات جديدة في الحرب السورية، دفعت روسيا إلى إعادة حساباتها، أقله بالنسبة للغوطة، وفي هذا التوقيت تحديدا.
وكانت دعوة بعض الإعلام الغربي إلى قصف مطارات نظام الأسد تشير إلى تبلور اتجاه
محدّد، قد يتحول إلى توجه وسياسة، كما أن تحذيرات مندوبي الدول الغربية إلى احتمال تفعيل مبدأ مسؤلية الحماية الدولية الذي أقرّه مؤتمر القمة العالمي سنة 2005، ويقضي بحق السكان المدنيين في أي دولة بالحماية، إذا ما واجهوا تهديدا بالإبادة، حيث ينطبق هذا الوضع على سكان الغوطة بشكل كبير.
وبالطبع، قلل هذا التطوّر في الموقف الغربي الخيارات الروسية، وحصرها في التفاوض على تحسين شروط القرار، وليس إلغاءه، كما حصل في حلب سابقاً، وقد كانت واضحةً مخاوف المندوب الروسي من احتمال استغلال الدول الغربية هذا القرار واتخاذه وسيلة لضرب النظام، أو حتى إسقاطه، وقد عبر لافروف عن هذه المخاوف، حينما قيّم القرار، قبل تعديله، أن الدول الغربية ترغب من خلاله بإسقاط نظام الأسد.
من الواضح أن هذا القرار، وعلى الرغم من كل التحريفات التي أدخلتها روسيا عليه، سيشكل باباً لنزاع غربي – روسي جدي في سورية. وإذا كانت روسيا قد رضخت تحت ضغوط الدول الغربية والموافقة على تمريره، فالمؤكد أنها ستعمل بكل جهدها على تفريغه والالتفاف عليه، بذرائع كثيرة، وحتى ألعاب استخباراتية قذرة، وهو ما يضع المجتمع الدولي أمام اختبار قدرته على فرض وقف إطلاق النار في سورية، كما يضع المعارضة السورية أمام ضرورة اجتراح أفكار وأساليب خلاقة لتفنيد الذرائع الروسية، وكشفها أمام العالم.
لكن، على الرغم من كل ما سبق، يمكن القول إن صدور القرار عطّل عملية اجتياح كبرى جهزت لها روسيا والمليشيات، بعد تجهيز أعداد كبيرة من المقاتلين، عشرات الألوف من قوات نخبة النظام والمليشيات الإيرانية والعراقية وكتائب من حزب الله، مدعومة بأحدث أنواع الأسلحة الروسية التي لم يسبق استخدامها بعد في الحرب السورية، وقد تم التمهيد للعملية بطوفان ناري، شاهده العالم، ويفوق طاقة ال 90 كيلومترا (المساحة التي تحت سيطرة الفصائل في الغوطة) على الاحتمال.
أرادت روسيا وحلفاؤها تغيير المعطيات بشكل كبير في الحرب السورية، من خلال تأمين حزام العاصمة، وإبعاد خطر المعارضة نهائيا، وكشف وزير الخارجية الروسية، سيرغي لافروف، عن سقف ما تريده بلاده في الغوطة، عبر إعادة تجربة حلب التي أفضت إلى خروج
وفي مقدمة خلفيات قرار روسيا السيطرة على الغوطة إضعاف الموقف الغربي في المفاوضات بشأن سوربة، وفرض أمر واقع تجعله يعمل تحت سقف ما تريده روسيا. وقد تسرب، عبر تقارير دولية، أن روسيا أرادت لنظام الأسد السيطرة على حزام دمشق، لإعلان بدء مرحلة إعادة الإعمار وإيجاد حالة من التنافس بين الشركات الإقليمية والدولية، من أجل الحصول على حصة. وبالتالي، وضع الدول الغربية أمام خيارين، العزلة والابتعاد عن الموضوع السوري، أو الرضوخ لضغط شركاتها التي ستتسابق على كعكة الإعمار، على اعتبار أنها فرصة ثمينة، لا يجوز التفريط بها.
وفي المقابل، ثمّة عوامل أضعفت الموقف الروسي، أهمها فشل عملية اقتحام الغوطة في وقت سريع، حيث كان مقدراً للعملية أن تنتهي في أيام معدودة، بالنظر إلى الاستعدادات الهائلة والموارد الكبيرة التي تم توفيرها، وإذا تعثر الاختراق والسيطرة البرية الكاملة، على الأقل السيطرة على مواقع استراتيجية حاكمة تجعل منطقة الغوطة ساقطة عملياً، ويتم إجبار الفصائل على الاستسلام، وطلب الخروج مع عائلاتهم، وفق المخطط الروسي الذي أعلن عنه لافروف.
وعلى الرغم من الإسناد الناري الكثيف، لم تحقق القوات المهاجمة أدنى اختراق، حيث تكشّف أن الفصائل استعدت جيداً عبر تحصين المواقع، وبناء الأنساق الدفاعية جيدا. وعلى الرغم من احتمالية تحقيق القوات المهاجمة خروقا هنا أو هناك، ما زالت ممكنة حتى بعد صدور قرار مجلس الأمن، إلا أنها لم تعد كافية، لتغيير المعطيات بشكل كبير، وقد أدركت روسيا هذه الحقيقة، وأدركت معها أن تقييمها الوقت المطلوب لتحقيق أهدافها لم يكن دقيقاً. وثمة حاجة لوقت أطول بكثير، لم يكن ممكناً في ظل ضغوط دولية غير مسبوقة عليها.
وقد شكّل الضغط الدولي، وتحديداً، ضغوط أميركا وبريطانيا وفرنسا، عاملاً حاسما في الموافقة الروسية على وقف إطلاق النار، كما أنها شكّلت معطيات جديدة في الحرب السورية، دفعت روسيا إلى إعادة حساباتها، أقله بالنسبة للغوطة، وفي هذا التوقيت تحديدا.
وكانت دعوة بعض الإعلام الغربي إلى قصف مطارات نظام الأسد تشير إلى تبلور اتجاه
وبالطبع، قلل هذا التطوّر في الموقف الغربي الخيارات الروسية، وحصرها في التفاوض على تحسين شروط القرار، وليس إلغاءه، كما حصل في حلب سابقاً، وقد كانت واضحةً مخاوف المندوب الروسي من احتمال استغلال الدول الغربية هذا القرار واتخاذه وسيلة لضرب النظام، أو حتى إسقاطه، وقد عبر لافروف عن هذه المخاوف، حينما قيّم القرار، قبل تعديله، أن الدول الغربية ترغب من خلاله بإسقاط نظام الأسد.
من الواضح أن هذا القرار، وعلى الرغم من كل التحريفات التي أدخلتها روسيا عليه، سيشكل باباً لنزاع غربي – روسي جدي في سورية. وإذا كانت روسيا قد رضخت تحت ضغوط الدول الغربية والموافقة على تمريره، فالمؤكد أنها ستعمل بكل جهدها على تفريغه والالتفاف عليه، بذرائع كثيرة، وحتى ألعاب استخباراتية قذرة، وهو ما يضع المجتمع الدولي أمام اختبار قدرته على فرض وقف إطلاق النار في سورية، كما يضع المعارضة السورية أمام ضرورة اجتراح أفكار وأساليب خلاقة لتفنيد الذرائع الروسية، وكشفها أمام العالم.