28 سبتمبر 2024
موسم جيد لحصاد إسرائيلي وإيراني
تمنح التطورات المتسارعة في المشرق العربي مزيدا من التأثير للقوى الإقليمية المجاورة، وهي إسرائيل وإيران وتركيا. وبينما تثور الخلافات البينية بشأن الموقف من إحدى الدول الثلاث، إلا أن المستفيد يبقى في محصلة التطورات الطرفان الإسرائيلي والإيراني. إذ لا توجد جبهة متحدة أو منسجمة في وجه أي منهما. وكلتاهما تجدان في التطورات فرصةً لمزيدٍ من التأثير والتدخلات في شؤون منطقتنا. وقد جاء الحدث المتعلق باستقالة رئيس الحكومة اللبنانية، سعد الحريري، نموذجا مكثفا للاستغلالين، الإسرائيلي والإيراني، لهذه المسألة، فيما تتباعد مواقف عربية حيال هذا التطور الذي يتعلق بلبنان، لكن تداعياته المنظورة والمحتملة تمتد إلى خارج هذا البلد. فقد استغلت تل أبيب فرصة توجيه اتهامات من الحريري لحزب الله وإيران، كيما توجه تهديدات إلى لبنان، وبزعم الحد من التأثير الإيراني فيه. وبينما يقول الحريري إن الأجواء في بلده هذه الأيام شبيهة بالتي سبقت اغتيال والده، رفيق الحريري، في العام 2005، فإن أطرافا لبنانية وعربية ترى الأجواء الحالية من منظور آخر، وتعتبرها شبيهةً بأجواء صيف 2006 التي سبقت حرب تموز الإسرائيلية على لبنان وحزب الله. وهكذا بترك المشكلات الداخلية تتفاقم في لبنان، فإنه أمكن لتل أبيب التدخل سياسيا على خط التوترات، بما قد يشكل مقدمةً لتدخل عسكري واسع النطاق. والحروب جيدة لتل أبيب، تمنحها فرصةً لاستعراض قوتها العسكرية المتطورة، وتعزيز الدعاية الصهيونية القائلة إن ثمة خطرا دائما يحيق بها من الخارج، ليس بعيدا عن حدودها، كما تسمح لها الحروب بالهرب من ملفاتٍ ثقيلة، مثل ملف التسوية مع الجانب الفلسطيني.
وقد سعت تل أبيب، بقدر من النجاح، إلى الادعاء بأن ثمة قضية تجمعها مع العالم العربي، هي مكافحة الإرهاب. والآن، تركّز الدعاية الإسرائيلية على أن مسألة التصدي لإيران تجمعها
بأطرافٍ عربية عدة. في وقتٍ تحتل فيه إسرائيل أرضا عربية، وتستبيح المقدسات الإسلامية، وتستولي على أملاك مسيحية، وتمارس إرهاب الدولة بصورة منهجية وثابتة. وتستثمر، في الوقت نفسه، المناخ الدولي (الغربي) ضد إيران، على أن التهديدات الإسرائيلية لا تنذر سوى بمواجهةٍ مع إيران على أرضٍ عربية (في لبنان، وربما في سورية حسب تصريحات لجنرالات الاحتلال)، وبعيدا عن إيران. وبهذا تتقدّم تل أبيب لكي تمنح نفسها دور العامل المؤثر والوازن في صراعات المنطقة، وذلك في محاولةٍ لحجب صورتها وواقعها وموقعها دولةً تهدد، في الصميم، منذ نشأتها، الأمن الجماعي للمنطقة. فيما تطرح، بين آونةٍ وأخرى، مشاريع سلام وهمية في المنطقة، وجديدها "السلام الإقليمي" للتنصل من استحقات السلام مع الطرف الأصلي في الصراع، وصرف أنظار الآخرين عن هذه الاستحقاقات. وهي لعبةٌ دأب الاحتلال على ممارساتها، بطرح أولوياتٍ وأجنداتٍ تقفز، في كل مرةٍ، عن موجبات الالتزام بمحدّدات السلام، بإعادة الأرض إلى أصحابها، والتمتع مع الآخرين بفرص الأمن والسلام. وتجد تل أبيب فرصة ذهبية في تراجع القضية الفلسطينية إلى مرتبةٍ متدنيةٍ على سلّم الأولويات العربية. فيما السلطة الفلسطينية منهمكةٌ في تعظيم سلطويتها على شعبها، ويندفع الطرف الفلسطيني الآخر (حماس) بعد المصالحة نحو إيران، وهو الطرف الثاني المستفيد من جملة التطورات المتسارعة التي تشهدها منطقتنا. وقد جاءت استقالة الحريري، وما تضمنته من أسبابٍ لكي تعيد مواقف سبق أن طرحها الرجل، ولم تكن جديدة أو طارئة.. الجديد فيها أن هذه الأسباب، والتي تتمحور حول النفوذ الإيراني، من خلال حزب الله، هي التي دفعته إلى الاستقالة، بعد نحو سنة من تشكيله حكومته. والحال أن إقدام الرجل على ما سُمّيت تسوية داخلية صعدت بميشال عون، حليف حزب الله، إلى سدة الرئاسة، ما كان يمكن أن تنتج سوى تعزيز النفوذ الإيراني على الأرض، وإلى تكريس وجود جيشين في البلد، على حد تعبير الرئيس السابق، ميشال سليمان، خصوصا أن رئيس الجمهورية الحالي والرئيس الدائم لمجلس النواب، نبيه بري، لا يريان
غضاضةً في وجود جيشين. وتستغل إيران ذلك كله للحديث عن تدخلاتٍ في لبنان، وذلك في محاولةٍ لتغطية تدخلها الهائل والجسيم من خلال حزب الله، المرتبط بإيران وأجنداتها في المنطقة. وإذا ما تعرّض لبنان لاعتداء إسرائيلي، فلن يضير ذلك إيران كثيرا، كما حدث في العام 2006، سوف تتغنى بالمقاومة والتصدّي للعدو، ولكن بعيداً جداً عن حدودها. وتواصل دعم الحوثيين بالسلاح، وسياسيا ودبلوماسيا، وسد الطرق أمام تسوية تعيدهم إلى حجمهم الطبيعي حزبا سياسيا بين الأحزاب، وتعيد الشرعية إلى صنعاء وفقاً لاتفاقيات سابقة مبرمة بين المكونات اليمنية. وليس مستغربا، وسط حالة التفكّك العربية، أن تشتد وتيرة العدوانية الإيرانية، وأن يتم التعامل مع المشرق مجالا حيويا وحديقة خلفية ومشاريع مستعمرات للجمهورية الإسلامية.
أما الطرف الإقليمي الثالث، وهو تركيا، فإن لعبة القوى الإقليمية والدولية تسعى إلى دفعه نحو التركيز على الحركة الكردية دون سواها، وبعدما استخدمت أميركا وإيران، وبدرجة أقل، روسيا، الورقة الكردية على مدى عقد سابق على الأقل، من أجل الضغط على تركيا، فإن هذه الأطراف باتت تدعو أنقرة إلى التلاقي من أجل محاربة الأكراد ونفض اليد من الملفات الإقليمية الأخرى التي يُعهد بها لإيران وروسيا، وبدرجة أقل لأميركا. وقد صُممت لعبة مؤتمرات أستانة لغرضٍ مثل هذا، إلى جانب إضعاف المعارضة السورية. وقبل أيام، كان كبير مستشاري علي خامئني يهدّد بأن المعركة ضد إدلب ستبدأ قريبا، وفي قفز عن الوجود التركي في المدينة وحولها، وفق مخرجات أستانة أخيرا. والحال أن أنقرة لم تجد حلفاء أو شركاء لها في المنطقة، كما وجدت طهران مثل أولئك الحلفاء.
وفي المحصلة، يتعاظم التهديد الإسرائيلي، كما يتضاعف النفوذ الإيراني، وسط تخبط دولي، حيث لا يعرف رجل الأعمال الذي يقود أميركا (الرئيس دونالد ترامب) ما الذي يريده في منطقتنا غير دعم الاحتلال الإسرائيلي، فيما تفعل موسكو كل ما يسعها فعله من أجل تقليص النفوذ الأميركي، وفي سبيل أن يحل التمدّد الروسي والإيراني محل ذلك النفوذ. وفي إدارة ظهر كاملة لإرادة شعوب المنطقة التي ترفض كل نفوذ أجنبي.
وقد سعت تل أبيب، بقدر من النجاح، إلى الادعاء بأن ثمة قضية تجمعها مع العالم العربي، هي مكافحة الإرهاب. والآن، تركّز الدعاية الإسرائيلية على أن مسألة التصدي لإيران تجمعها
أما الطرف الإقليمي الثالث، وهو تركيا، فإن لعبة القوى الإقليمية والدولية تسعى إلى دفعه نحو التركيز على الحركة الكردية دون سواها، وبعدما استخدمت أميركا وإيران، وبدرجة أقل، روسيا، الورقة الكردية على مدى عقد سابق على الأقل، من أجل الضغط على تركيا، فإن هذه الأطراف باتت تدعو أنقرة إلى التلاقي من أجل محاربة الأكراد ونفض اليد من الملفات الإقليمية الأخرى التي يُعهد بها لإيران وروسيا، وبدرجة أقل لأميركا. وقد صُممت لعبة مؤتمرات أستانة لغرضٍ مثل هذا، إلى جانب إضعاف المعارضة السورية. وقبل أيام، كان كبير مستشاري علي خامئني يهدّد بأن المعركة ضد إدلب ستبدأ قريبا، وفي قفز عن الوجود التركي في المدينة وحولها، وفق مخرجات أستانة أخيرا. والحال أن أنقرة لم تجد حلفاء أو شركاء لها في المنطقة، كما وجدت طهران مثل أولئك الحلفاء.
وفي المحصلة، يتعاظم التهديد الإسرائيلي، كما يتضاعف النفوذ الإيراني، وسط تخبط دولي، حيث لا يعرف رجل الأعمال الذي يقود أميركا (الرئيس دونالد ترامب) ما الذي يريده في منطقتنا غير دعم الاحتلال الإسرائيلي، فيما تفعل موسكو كل ما يسعها فعله من أجل تقليص النفوذ الأميركي، وفي سبيل أن يحل التمدّد الروسي والإيراني محل ذلك النفوذ. وفي إدارة ظهر كاملة لإرادة شعوب المنطقة التي ترفض كل نفوذ أجنبي.