"الإخوان" بين السيسي وشفيق

27 يونيو 2015
+ الخط -
الصراع داخل الثورات المضادة وارد، وليس قاصراً على الحالة المصرية، وإنما يكاد يكون عالمياً في حالات مماثلة، بل هو من طبيعة البشر الذين يحكمهم مفهوم المصلحة وتقديم الخدمة مقابل خدمة مثلها، أو أكثر منها، ودائما ما تبرز هذه الخلافات في فترة توزيع الغنائم، والتخلص من العدو المشترك (الإخوان في الحالة المصرية)، وبالتالي، طبيعي جداً أن يحدث خلاف بين رجال المخلوع حسني مبارك وحاشيته من ناحية، وأحمد شفيق ومؤيديه من ناحية ثانية، وعبد الفتاح السيسي والمؤسسة العسكرية من ناحية ثالثة، فمبارك يعتبر نفسه الأصل، ويرى أن ابنه جمال الوريث الرسمي له. وربما هذا ما يفسر أسباب صدور حكم (مسيس) ضد مبارك ونجليه في أقل قضية، القصور الرئاسية، وليس في قضايا أخرى كبرى، حتى لا يتسنى له طرح فكرة الترشح من الأساس، لعدم جواز ذلك قانوناً. 
أما أحمد شفيق فيرى أنه الأحق بالرئاسة من مرسي، ولن أستفيض في أمره، فقد أشار إليه الزميل خليل العناني في مقال سابق في "العربي الجديد"، بينما يرى السيسي أنه المنقذ من (الإخوان)، وجاء بانتخابات رسمية، بغض النطر عن حجم المشاركة ووجود منافسين حقيقيين من عدمه. ويبدو أنه بعدما كان هناك شبه اتفاق ضمني، بين السيسي وشفيق على تسوية ما، تسمح للأخير بالعودة من الخارج، ولحزبه بالمشاركة في الانتخابات البرلمانية، في مقابل نسيان موضوع الرئاسة، إلا أن معلومات وصلت إلى الرئاسة تشير إلى تحرك شفيق على الصعيد الإقليمي، وإعادة طرح الموضوع من جديد، لاسيما بعد انتشار ملصقات في البلاد، لا يعرف من وراءها، بشأن شفيق أنه الرئيس.

أكيد أن (الإخوان المسلمين) معنيون بذلك كله، نظرا لأنهم الخصم في هذا الشأن، ولا بد لهم من التفكير في كيفية تعظيم الاستفادة من هذه التباينات المرشحة للتصاعد، والتي يبدو أنها قد تنتقل من التباينات السياسية المتوقعة إلى تباينات صفرية، ما قد يعني أن جبهة الانقلاب ربما تشهد مرحلة تكسير عظام، يقوم بها السيسي ضد حلفائه، وبحسب تلميحات إعلاميين مقربين منه قد تكون البداية بشفيق ورجل الأعمال نجيب ساويرس والبقية تأتي. ولعله من المهم أن يتذكر (الإخوان) كيف احتشد خصومهم من خلال (جبهة الإنقاذ)، بهدف إسقاطهم وإسقاط محمد مرسي، على الرغم من التباينات الشديدة بين مكوناتها، سواء على الصعيد الأيديولوجي، ليبرالي، ويساري، وقومي، وناصري، أو حتى على الصعيد الشخصي، من القائد عمرو موسى أم حمدين صباحي أم السيد البدوي. وبغض النظر عن أن تلك الجبهة كانت ضعيفة سياسياً، وتفتقد الظهير الشعبي، إلا أن جهات سيادية في الداخل والخارج وظفتها مظلة سياسية "معارضة" في مواجهة مرسي، ونجحت في تحقيق هدفها. صحيح أنها تفككت، وهذا كان متوقعاً، وبدأت الخلافات تظهر مجددا بين مكوناتها، بعد بروز شبح (الانتخابات البرلمانية)، إلا أن السؤال مطروح عما إذا كان "الإخوان" استفادوا من ذلك؟
هذا هو الوقت الآن، إن كانت الجماعة عازمة فعلا على تحقيق هدفها الذي جاء، بحسب بيان المتحدث الرسمي باسمها، يوم 28 مايو/أيار 2015، متمثلا في المسار الثوري لإسقاط الانقلاب، والذي يبدو، بحسب البيان، جاء بناء على قاعدة الشورى واستطلاع رأي قاعدة الجماعة في ذلك. وإذا كانت الجماعة قد تبنت الخيار الثوري، وربما هذا رأيها وهذه قناعة الغالبية فيها، فإن السؤال هو: كيف يتحقق ذلك؟ وهل بالفعل بدأت الجماعة خطوات جدية في تحقيق اصطفاف ثوري، على اعتبار أنه ربما يكون القادر، مع آليات أخرى، على إسقاط الانقلاب، بحسب استراتيجيتها المعلنة. وفي حالة البدء في تحقيق هذا الاصطفاف، ما الذي تم التوصل إليه، وما أبرز النقاط الخلافية بينها وبين باقي القوى الرافضة للانقلاب وللانضمام معها؟ وهل تستطيع الجماعة تقديم تنازلات مؤلمة لهؤلاء من أجل جذبهم إليها، لا سيما أن فكرة الشرعية والحديث عن عودة مرسي من القضايا الحرجة التي تعوق هذا الاصطفاف؟
يبدو أن الإجابة عن هذه الجزئية تحديداً كانت سريعة وواضحة في بيان متحدث الجماعة الذي جاء مثمناً لنداء الكنانة الذي وقعه أكثر من 150 عالماً من 25 دولة، ويؤكد شرعية الرئيس مرسي. ومعنى هذا أن هذا البيان ربما يقطع حبل الود الذي بدأته شخصيات داخل الجماعة، للتواصل مع هذه القوى، وليس معلوماً، حتى كتابة هذه السطور، ماذا سيكون رد فعلها تجاه البيان الأخير، وموضوع عودة مرسي.
لكن، ربما ما يحتاج إلى تفسير أنه في وقت بدأت فيه حرب تكسير العظام داخل معسكر الانقلاب، برزت إلى السطح (الإعلامي تحديداً) حالة من الخلاف حول من الذين يحق لهم التحدث باسم الجماعة، ومن هو الأمين العام وغير ذلك. قد يكون هذا الخلاف وارداً في أي جماعة، لكن بروزه إلى السطح، في مثل هذا التوقيت، ربما يفيد بأن الجماعة لا تحتاج فقط لتحقيق اصطفاف ثوري مع القوى الأخرى، بل أيضاً تحقيق اصطفاف آخر داخلها، ما يجعل بعضهم يتساءل: هل تضيع الجماعة فرصة وجود تباينات شديدة بين خصومها، خصوصاً شفيق والسيسي، لترد بتباينات مماثلة، ليس بينها وبين القوى الثورية فحسب، ولكن، داخلها أيضاً؟ وهل يمكن أن تتدارك الأمر سريعاً، لاسيما أن توحيدها التنظيمي أولاً، ثم تحقيق الاصطفاف الثوري، شرطان أساسيان، وليسا كافيين لاستراتيجية المسار الثوري التي تبنتها لإسقاط الانقلاب، وليس التوصل إلى حلول سياسية معه.

B8DDCC55-8075-41F9-A617-4F3EA9A3A8C9
بدر شافعي

كاتب وباحث مصري، يحمل الدكتوراة في العلوم السياسية من جامعة القاهرة، له كتابان عن تسوية الصراعات في إفريقيا، وعن دور شركات الأمن في الصراعات.