"شارلي إيبدو" وهاجس الإسلام

"شارلي إيبدو" وهاجس الإسلام

28 فبراير 2015

عدد "شارلي إيبدو" بعد الهجوم في باريس (25 فبراير/2015/أ.ف.ب)

+ الخط -
نشر باحثان مختصان في علم الاجتماع، جون-فرنسوا مينو وسيلين جوفرت، يوم 24 فبراير/شباط 2015، مقالة مقتضبة (يبدو أنها مقتبسة من دراسة مفصلة حول الموضوع) في يومية لوموند الفرنسية، يؤكدان فيها أن هاجس الإسلام لم يستبد بـ "شارلي إيبدو". والمقالة مسح إحصائي تحليلي لـ 526 صفحة أولى للجريدة بين يناير 2005 (عدد 655) و7 يناير/كانون الثاني 2015 (عدد 1177). يتساءل الكاتبان بداية: بمن كان يتهكم "شارلي إيبدو" قبل العملية الإرهابية التي استهدفته في 7 يناير/كانون الثاني؟ وهل حقاً، كما يقول بعضهم، إن المسلمين هاجس الصحيفة؟
يقر الكاتبان بأن الصفحات الأولى لا تعبر وحدها عن الجريدة، لكنها تشكل واجهتها التي يمكن أن يراها حتى غير قرائها في واجهات أشكاك بيع الجرائد. ويفترضان أن العدد الضئيل من القراء المشتركين في الصحيفة، قبل الهجوم عليها، يدل على أن الصحيفة اتهمت بالإسلاموفوبيا، على أساس صفحاته الأول (وليس محتواها).
وتوصل الكاتبان، من تحليلهما، إلى استنتاج أساسي، هو أن موضوع الدين لا يأتي إلا في المرتبة الرابعة، وبنسبة ضئيلة، للمواضيع الأساسية الأربعة التي طغت، حسب المسح الإحصائي، على مواضيع الصفحات الأولى للصحيفة، في الفترة التي غطتها الدراسة. المواضيع الأربعة الأساسية: السياسة بنسبة تقارب الثلثين (523 صفحة أولى)؛ الأحداث الاقتصادية والاجتماعية (85)؛ الشخصيات الإعلامية لعالمي الرياضة والفن (42)؛ الدين (38) أي 7% فقط من مجمل الصفحات الأولى. بينما عالجت 22 صفحة أولى عدة مواضيع في الوقت نفسه: سياسة وإعلام (عدد 919 من الصحيفة)؛ إعلام ودين (982)؛ دين وسياسة (932)؛ دين وقضايا اجتماعية (917). في ما يتعلق بموضوع السياسة أكثر من نصف الصفحات الأولى خصصت لشخصيات من اليمين (الأغلبية الحاكمة في عهد ساركوزي)، ما يقارب الربع خصص لشخصيات يسارية، 7% لليمين المتطرف، و9% لشخصيات سياسية دولية (و9% خصصت لعدة مواضيع في الوقت نفسه).
من بين 38 صفحة أولى استهدفت الدين، 21 تهكم بالأساس بالديانة الكاثوليكية، أي أكثر من النصف منها، و7 سخرت من الإسلام بالأساس، أي بنسبة أقل من 20%. أما اليهود فيستهدفون، إلى جانب أعضاء دين واحد آخر على الأقل، كما الحال مع الإسلام في العدد 1057. ثلاث صفحات أولى عالجت الديانات الثلاث سوياً، كما حال العددين 983 و1108. وعليه، فبين 2005 و2015 خصصت الصحيفة 1.3% فقط من صفحاتها الأولى للسخرية من الإسلام بالأساس. ولذا، يقول الكاتبان إن "شارلي إيبدو" لم يكن متوجساً من الإسلام، بل إذا كان هناك توجس فهو موجه نحو الساسة الفرنسيين، وفي مقدمتهم نيكولا
ساركوزي (الرئيس اليميني السابق) وفرنسوا هولاند (الرئيس اليساري الحالي) وجون-ماري لوبان (الزعيم السابق والرئيس الشرفي للجبهة الوطنية – حزب يميني متطرف). ويضيفان أن بعض الصفحات الأولى الأكثر سخرية كانت موجهة ضد اليمين المتطرف الفرنسي (عددا 965 و1031) والديانة الكاثوليكية (أعداد 1064، 1080، 1111). ويقولان إنها قليلة هي الصفحات الأولى التي خصصت للإسلام منذ مقاضاة الصحيفة في 2007 و2012 بسبب رسوم الرسول، من جمعيات مسلمة. ويردفان أنه، في تسعينيات القرن الماضي، كان اليمين المتطرف والجمعيات الكاثوليكية هم من يرفعون دعاوى قضائية ضد "شارلي إيبدو". وحتى قبل عمليات 7 يناير 2005، فإن أعمال العنف التي تعرضت لها الصحيفة ارتكبت باسم الإسلام، عقب صدور طبعة "شريعة إيبدو" في 2011. يختتم الجامعيان مقالتهما بأن "شارلي إيبدو" جريدة تهكمية للغاية، ويسارية التوجه ومعادية للعنصرية، ومناوئة لكل ظلامية دينية، بما فيها المسلمة. ومن ثم فـإن "ما يجب شرحه وتفسيره ليس لماذا كان "شارلي إيبدو" إسلاموفوبياً. ولكن، لماذا يريد متطرفون يدعون الإسلام، دون سواهم، تكميم صحيفة تسخر، بين أمور كثيرة أخرى، من دينهم".
تعد هذه الاستنتاجات في غاية من الأهمية، من حيث إنها تشكل مسحاً إحصائياً للمواضع التي عالجتها الجريدة في صفحاتها الأولى، طوال المدة الزمنية التي غطتها الدراسة. فهي تبين أن الدين لا يشكل موضوعاً أساسياً بالنسبة للصحيفة، وأن الدين الإسلامي ليس الأكثر استهدافاً. وبالتالي، فإحصائياً، لا يمكن القول بعداء الصحيفة الإسلام أو المسلمين.
بيد أن الدراسة تبقى ناقصة، لأنه حتى تكتمل الصورة التحليلية، وتُستغل مختلف الأدوات المنهجية المتوفرة، يتعين الاهتمام بتحليل المحتوى، كالاستعانة، مثلاً، بأداة علمية، مثل تقنية تحليل المضمون والقرائن المستخدمة، مع مختلف المفردات الواردة في المضامين. فقد يكون مضمون صفحة أولى واحدة ورسومها أقوى حدة بكثير من مضامين ورسوم عشرات الصفحات الأولى لأعداد الأخرى. وبالتالي، فتقنية تحليل المضمون، المستخدمة بكثرة لتحليل المادة الإعلامية، تسمح بتحليل كمي وموضوعي للمضمون.