مبادئ معرفية على هامش "طوفان الأقصى"

مبادئ معرفية على هامش "طوفان الأقصى"

24 نوفمبر 2023
+ الخط -

أثارت عملية طوفان الأقصى في السابع من الشهر الماضي (أكتوبر/ تشرين الأول)، ومن بعدها العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزّة بالدرجة الأولى، والضفة الغربية المحتلة بما فيها القدس، وجنوبي لبنان، وردّ حركات المقاومة، أثارت كثيراً من الجدال بين مفاهيم متضاربة، يصل بعضها إلى حدود قلب الحقائق، خصوصاً أنّ الدعاية الصهيونية استغلّت اللطمة التاريخية التي تلقتها جيداً هذه المرّة، وجنّدت العالم لترويج سرديّتها. قراءة معرفية من منظار شخصي لبعض العبارات الرائجة أخيراً:

- النتائج لا الأسباب: قالها أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس بشجاعة، فجُنّ الكيان الصهيوني. أعلنها غوتيريس صريحة: "هجمات حماس لم تأتِ من فراغ في ظل معاناة الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال الإسرائيلي الخانق، ولا تبرّر لإسرائيل القتل الجماعي". اعتاد الكيان الصهيوني، ومن خلفه أميركا وبريطانيا والاتحاد الأوروبي، على التعامل مع النتائج وليس الأسباب، مع ترويج تلك النتائج أنّها الأسباب، في عملية احتيالية مستمرّة، غرضها تبرير جرائمه المتواصلة. أما سبب الأسباب بما هو أبعد من كلام غوتيريس، فهو احتلال عصابات صهيونية غربية فلسطين، أحلّت لاجئين صهاينة بدلاً من الشعب الفلسطيني، سالبة أرضه وبيته ورزقه، مهجّرة أبناءه... هذه إعادة لا نملّ منها كما لا تملّ الأجيال التي تولد بعد النكبة بسنوات عن تأييد حقّ المقاومة بتحرير الأرض، وحقّ العودة من مخيمات الشتات، وحقّ الفلسطيني في إعلان دولته المستقلة.

- دولة إسرائيل: عبارة مزيفة يعتنقها كثيرون، لكنّها باتت واقعاً تاريخياً وسياسياً، ويدافع عنها مطبّعون قدامى وجُدد، ومؤمنون بحلّ الدولتين. مع ذلك، هي غير ملزمة بأيّ شكل لقوى المقاومة المسلحة، وللمؤمنين بأشكال أخرى من النضال والمقاومة سياسياً وشعبياً وثقافياً...

الإرهاب، سمةٌ لا يمكن أن تُعطى لمقاوم يسعى إلى تحرير أرضه من جيش احتلال وقوى استعمار... لكنّ قائلها، الأميركي غالباً، يعبّر عن نفسه وعمّن يساند

- حلّ الدولتين: كذبة كبيرة لتبرير وجود الكيان الصهيوني والاعتراف به أمرا واقعا، لجأ إليه كثيرون بعد يأس وتعب، ومن بينهم فلسطينيون بالذات، فيما يؤمن آخرون بدولةٍ واحدةٍ على هذه الرقعة الجغرافية من المشرق، اسمُها فلسطين من البحر إلى النهر ومن أم الرشراش إلى رأس الناقورة. وبينما السيناريو الأقرب إلى التحرّر الكامل هو الوقوع مجدّداً تحت الاحتلال الكامل عبر حلّ السلطة الفلسطينية وقيام المقاومة الشعبية إلى جانب المقاومة المسلحة، وهي مقاومة متّصلة، للمرّة الأولى، بما هو أعظم من انتفاضة نهاية الثمانينيات، لتلتحم فيها غزّة مع الضفة والداخل المحتل، مع الرهان الدائم على الديمغرافيا المتصلة، فإنّه سيناريو بعيدٌ عن الواقع، أو لم يأتِ أوانُه بعد، فمتسلّقو الكراسي ملتصقون بها، وهي أهم عندهم من أي تحرّر. وفي النتيجة، حلّ الدولتين منطقيّ في هذه الحال، لتوفير الحدّ الأدنى من الدولة الفلسطينية المستقلة مع بقاء الكيان الصهيوني جاراً عدوّاً. لكنّه حلّ لا يؤسّس دولة فلسطينية حقيقية، سواء بسبب الصراع الداخلي المحتدم بين الفصائل من جهة، أو التهديد الإسرائيلي الدائم من جهة أخرى، قبل الحديث عن مستوطنات الضفة الغربية والمناطق المصنفة "ب" و"ج" ووضع القدس، وهي التي لا تُبقي للسلطة أكثر من خُمس مساحة الضفة الغربية، مع تقطيع أوصالها، وبناء الجدار العازل داخل أراضيها.

- "أين العرب؟": سؤال من طينة تجاهل العارف... فالعرب معروفو المكان والموقف بدلائل الواقع التاريخي: جزءٌ صغيرٌ مقاوم، وجزءٌ كبيرٌ معاهد، أو مطبّع، أو على طريقهما، وجزءٌ مشغولٌ باقتتال داخلي وآخر باقتتال عربي عربي، وجزءٌ مبتلى بأزمات الرغيف المتزامن مع وجهٍ سخيفٍ لديكتاتور لا يهمّه فناء البلاد بقدر ما يهمّه منصبه، وجزءٌ مغيّبٌ يحتفي بمهرجانات الكلاب وغيرها، وجزءٌ لم يحضُر يوماً. لكن، في عالم اليوم بثورته المعلوماتية، يبدو حصر القضية الفلسطينية بالقومية أو بالديانة أقلّ فاعليةً من توسيع إطارها إلى الإنساني الأوسع، باعتبارها كما هي على حقيقتها قضيّة شعبٍ يطلب التحرّر من مستعمره، ويطلب إعلان دولته المستقلة، ويطلب العودة إلى بلاده التي طُرد منها ظلماً. تبدو هذه المقاربة الأوسع للقضية الفلسطينية، وغزّة جزء منها، أكثر جدوى خصوصاً إذا ما تنبهنا إلى وعي الشعوب في العالم، ومستوى التأييد التي تحظى به القضية بأشكالٍ مختلفةٍ من قلب البلدان التي تنحاز أنظمتها بالكامل للسردية الصهيونية.

- وأخيراً، الإرهاب: سمةٌ لا يمكن أن تُعطى لمقاوم يسعى إلى تحرير أرضه من جيش احتلال وقوى استعمار... لكنّ قائلها، الأميركي غالباً، يعبّر عن نفسه وعمّن يساند. وبما أنّه مدير التصنيفات الحصري في هذا العالم، فالكلمة تفقد أيّ معنى حين تُنسب لمقاوم، وفق الشروط أعلاه، مهما كانت توجّهاته الفكرية وأساليب مقاومته.

F79ED122-582A-49B8-AE82-4B38F780EFB4
عصام سحمراني
صحافي لبناني، سكرتير تحرير مساعد في الصحيفة الورقية لموقع "العربي الجديد".