ما يخبرنا الأولمبياد عن المنافسة بين الصين وأميركا

ما يخبرنا الأولمبياد عن المنافسة بين الصين وأميركا

28 اغسطس 2021
+ الخط -

تابع الملايين في العالم الألعاب الأولمبية التي جرت، أخيرا، في طوكيو ثلاثة أسابيع، وضمت هذه المرة 33 لعبة بمستويات مختلفة وفئات مختلفة أيضا، فضلا عن الشغف في مشاهدة "أبطال العالم" مجتمعين للتنافس في ألعاب مختلفة، حيث الأرقام متقاربة والمنافسة على أشدّها. كان الممتع لي المنافسة العالمية بين الصين وأميركا التي أصبحت الألعاب الأولمبية إحدى ساحات هذه المنافسة. ودوماً كانت الألعاب الأولمبية ساحة للتنافس الدولي منذ تأسيسها في بداية القرن الماضي، وازدادت حدّة هذا الأمر في سنوات الحرب الباردة بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة، حيث أصبح ينظر إلى التفوق في عدد الميداليات تفوقا أيديولوجيا وسياسيا في نوعية الحياة بالنسبة للمجتمع وقوته. وكان ضحايا هذا التنافس أبطال كثيرون، ربما كان أشهرهم ناديا من رومانيا التي أصبحت أيقونة في الجمباز، وكان تشاوشيسكو يتفاخر بها دوما، قبل أن تنشقّ وتقدم طلب اللجوء السياسي في الولايات المتحدة، وغيرها من أمثلة كثيرة.
ولذلك تستحضر كل من الصين وأميركا اليوم هذه المعركة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي واختفائه تقريبا من المنافسة الدولية كليا، على المستويين، الاقتصادي والسياسي، وتحول روسيا إلى لاعب إقليمي يهوى التخريب، بغرض تأكيد الحضور، أو كما وصف الرئيس الأميركي الأسبق، أوباما، الرئيس الروسي بوتين، في مذكّراته "أرض موعودة"، بأنه "زعيم عصابة يمتلك مقعداً دائما في مجلس الأمن".

أشركت الصين 413 رياضيًا في طوكيو، وهو أكبر عدد منذ أولمبياد بكين في عام 2008، بهدف الوصول إلى قمة عدد الميداليات الذهبية

تمثل الصين اليوم تحدّيا كبيرا اقتصاديا ودوليا للولايات المتحدة، فهي قوة صاعدة، ولديها طموح في التأثير الدولي والمنافسة تهدّد بها السيطرة الأميركية المطلقة. ولذلك شاركت الولايات المتحدة والصين بأكبر عدد من المشاركين في أولمبياد طوكيو، بهدف الحصول على أكبر عدد من الميداليات. الصين، وعلى مدى عقدين، بدأت تأخذ هذا الأولمبياد على محمل الجدّ، كي تثبت حضورها على المنافسة الدولية، بل وتفوقها. فقد أنشأت ما تسمى المدارس الرياضية الحكومية التي هدفها تخريج أكبر عدد من الرياضيين الذين يستطيعون المنافسة في الأولمبياد، والهدف هو الحصول على أكبر عدد من الذهب، لتحقيق "مجد الأمة الصينية"، كما قال أحد المدربين الصينيين.
ولذلك أشركت الصين 413 رياضيًا في طوكيو، وهو أكبر عدد منذ أولمبياد بكين في عام 2008، بهدف الوصول إلى قمة عدد الميداليات الذهبية، حتى لو كان الجمهور الصيني قلقًا بشكل متزايد من التضحيات التي يقدّمها الرياضيون الفرديون. حيث ظهرت تقارير عديدة عن حرمان الأطفال من طفولتهم بين أهليهم، بهدف صنعهم أبطالا أولمبيين. وقد أثارت حادثة البطل الصيني في رفع الأثقال، والذي طلب من صحافي أجنبي أجرى معه مقابلة أن يتصل بأمه، ويخبرها أنه في طوكيو وينافس على الميدالية الذهبية. وقد أثارت هذه الحادثة شكوكا وأسئلة كثيرة بشأن الأبطال والبطلات الصينيات وطريقة صنعهم ودورهم في الحياة العامة في الصين، بعد عودتهم محملين بالذهب. .. والنظام الصيني يعتمد على النموذج السوفيتي في صنع أبطال الذهب، على الدولة في استكشاف عشرات آلاف من الأطفال، لتلقي تدريب بدوام كامل في أكثر من ألفي مدرسة رياضية تديرها الحكومة. لتعظيم حصادها الذهبي، ولذلك ركّزت بكين في استراتيجيتها في الحصول على الذهب على الرياضات الأقل شهرة، والتي تعاني من نقص التمويل في الغرب أو الرياضات التي تقدّم ميداليات ذهبية أولمبية متعدّدة، فليس من قبيل المصادفة أن ما يقرب من 75% من الميداليات الذهبية الأولمبية التي فازت فيها الصين منذ عام 1984 كانت في ست رياضات فقط: تنس الطاولة والرماية والغوص وكرة الريشة والجمباز ورفع الأثقال. أكثر من ثلثي الميداليات الذهبية في الصين جاءت بفضل بطلات، وحوالي 70% من وفدها في طوكيو من النساء.

ضاعف المسؤولون الرياضيون الصينيون جهودهم، حتى لو كان عدد متزايد من الآباء من الطبقة المتوسطة غير مستعدين لتسليم أطفالهم إلى الدولة لتهيئتهم رياضيين

كان رفع الأثقال للسيدات، والذي أصبح رياضة ميدالية في دورة ألعاب سيدني 2000، هدفًا مثاليًا لاستراتيجية الميدالية الذهبية في بكين. هذه الرياضة نادرة تماما في الغرب والولايات المتحدة تقريبا، فالنساء في الغرب يجب أن يتباريْن للحصول على التمويل، من أجل التدريب، لكنهن في الصين يحصلن على التدريب بالمجان، ولذلك ومع فئات الأوزان المتعدّدة، قدّم رفع الأثقال للسيدات أربع ميداليات ذهبية للصين وحدها. بالنسبة للطبقة الوسطى في الصين، لا يهم أن رفع الأثقال ليس له جاذبية جماهيرية في الصين، أو أن الفتيات قبل سن المراهقة اللائي دخلن النظام لم يكن لديهن أي فكرةٍ عن وجود مثل هذه الرياضة. 
معظم الدول حريصة على المجد الأولمبي. استخدمت الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي الألعاب ميدانا لمعركة الحرب الباردة بالوكالة. لكن هوس بكين بالذهب مرتبطٌ بتأسيس جمهورية الصين الشعبية عام 1949، والتي كان يُنظر إليها قوةً ثورية، من شأنها عكس قرون من الانحلال والهزيمة من القوى الأجنبية. وأول مقال كتبه زعيم الثورة الشيوعية، الرئيس ماو تسي تونغ، كان عن الحاجة إلى رفض فكرة أن الصين هي "رجل آسيا المريض". ولذلك هناك حاجة دائمة لتنمية عضلاتها الفكرية والفيزيائية. قاطعت بكين الألعاب الصيفية حتى عام 1984، لأن منافستها تايوان كانت تحمل اسم جمهورية الصين، حتى تم تغيير اسم تايوان إلى تايبيه الصينية. وفي 1988، فازت الصين بخمس ميداليات ذهبية أولمبية. وبعد عقدين، عندما استضافت بكين الألعاب، تجاوزت الولايات المتحدة لتتصدّر قائمة الذهب.
ضاعف المسؤولون الرياضيون الصينيون جهودهم، حتى لو كان عدد متزايد من الآباء من الطبقة المتوسطة غير مستعدين لتسليم أطفالهم إلى الدولة لتهيئتهم رياضيين، فواصلت بكين خططها وبرامجها التصنيعية في التايكوندو والتجديف والإبحار وغير ذلك. تم إرسال الأطفال الذين كان في مقدورهم رمي الرصاص على راحة أيديهم إلى الرماية، تم توجيه فتيات الريف اللائي لديهن أجنحة رائعة لرفع الأثقال. وهكذا نجحت الصين في التفوق في عدد الميداليات الذهبية حتى اليوم الأخير، عندما تفوقت عليها الولايات المتحدة بميدالية ذهبية واحدة، كانت لراكبة الدراجات الأميركية في المضمار. وهكذا حصلت أميركا على 39 ميدالية ذهبية بمجموع 113 ميدالية، وحصلت الصين على 38 ميدالية ذهبية بمجموع 88 ميدالية، فاقتربت من تحطيم السيطرة الأميركية على الأولمبياد، وتستطيع المفاخرة أن نموذجها بالعيش وافق الحلم الأميركي أو تجاوزه.

BCA0696E-8EAC-405E-9C84-3F8EA3CBA8A5
رضوان زيادة

كاتب وباحث سوري، أستاذ في جامعة جورج واشنطن في واشنطن