عشية صيف شرق أوسطي حار

عشية صيف شرق أوسطي حار

14 يونيو 2022
+ الخط -

نحن على أعتاب الانقلاب الصيفي بعد أيام، حيث تجفّ الأعشاب وتصفرّ السنابل، استعداداً لموسم الحصاد. وعلاوة على ارتفاع درجات الحرارة في هذا الموسم الطويل، ترتفع سقوف التوقعات بحدوث ما لا يُحمد عُقباه، ليس في حالة الطقس والأنواء، وإنما في المناخ السياسي العام، لمنطقةٍ شديدة الاشتعال، وذات قابلية مُفرطةٍ للاحتراق، عند أول عود كبريت، يُلقيه عابر طريقٍ عابثٌ على هشيمها المشبع بالزيت الخام، أو يدسّه تحت برميل البارود دسّاس.
وفي الذاكرة الغضّة، أن المعارك الكبيرة والوقائع الحربية الهامة، جرت في فصل الصيف، سيما في شهر يونيو/حزيران، الذي شهد عدوان الخامس منه عام 1967. وفي السادس منه جرى قصف المفاعل النووي العراقي عام 1981، وفي السابع منه كان اجتياح بيروت عام 1982، الأمر الذي يثير التحسّب الشديد إزاء ما قد يحدُث في هذا الصيف اللاهب، ويحثّ على مدّ الأبصار إلى الأمام، لترقّب ما قد تحمله الأيام المقبلات من متغيراتٍ ساخنةٍ خلال هذا الشهر الغاصّ بالذكريات.
قبل أن ينقضي شهر الاعتداءات الكبرى على بلادنا، ويأتي الصيف الذي يجنّ فيه الجنون الإسرائيلي، يخرج من علبة الثقاب عودا كبريت كبيران، أحدهما استله تقرير مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة النووية، المعطوف على فشل مفاوضات فيينا بشأن البرنامج النووي الإيراني، وثانيهما شروع دولة الاحتلال في استخراج الغاز من حقول متنازع عليها قرب الحدود البحرية مع لبنان، الأمر الذي أخذ في رفع درجات الحرارة في هذه المنطقة المهيأة تماماً لنشوب حريق واسع، خصوصا بعد أن تعهد ذراع إيران الأطول، حزب الله، بضرب منصّات التنقيب.
وفيما بدأت إيران بتصعيد ردّها المنهجي المبيّت ضد فشل مفاوضات فيينا، ناهيك عن تقرير وكالة الطاقة الدولية، المسوّغ لإنزال ضربة عسكرية باتت مرجّحة ضد البرنامج النووي، قبل أسابيع قليلة من اكتماله، دخل وكيلها اللبناني المدجّج، على خط التصعيد هذا، في إشارة بالغة الدلالة على أن هناك تحوّلاً عميق الغوْر، صار على الأبواب، وأن متغيرا لا تخطئه العين بات على وشك الحدوث، خصوصا وأن الطرف الذي يواصل تهديداته بالحرب، ويتعهّد بمنع حصول طهران على القنبلة بالقوة، أنهى، أخيرا، المناورة العسكرية الأوسع، وادّعى امتلاك المقوّمات اللازمة، وزعم أنه بات على أهبة الاستعداد لذلك.
ومعلوم أن الحروب لا تقع كلها بتخطيطٍ مسبق، ولا تنشب جميعها عن سابق إصرارٍ وتعمّد، لكنها تحدُث في الواقع، رغم إعلان جانبيها أن لا رغبة لهما في الحرب، وأنهما لا يريدانها، على الأقل في المدى المنظور. وعلى الرغم من ذلك، يواصلان الاستعداد لها على قدم وساق، في السرّ والعلن، انطلاقا من إدراك متبادل لحقيقة أن الهوّة بينهما عميقة، وأن التسويات والحلول الوسط شبه معدومة، وبالتالي، فإن الواقعة واقعة لا محالة، ومهما طال الزمن، تماماً على نحو ما تشي به المواجهة الكلامية الحادّة، والخطابات النارية بين الطرفين اللذيْن لم يتحاربا، وجهاً لوجه، في أي يومٍ مضى.
ومع أن درجة الحرارة قد اشتدّت أكثر من مرّة في فصول صيف الشرق الأوسط في السنوات الطويلة السابقة، وأن الأجواء السياسية قد احتدمت بشدّة، وتلبّدت آفاقها بالغيوم السوداء الكثيفة، ثم انقشعت عن سماء صافية، إلا أن غيوم هذا الصيف، الذي بدأ ساخناً قبل أن يحلّ أوانه، تُنذر، هذه المرّة، بأن التوقعات بفصلٍ شديد الحرارة، في محلّها على الأرجح، وأن دقّات ساعة الحرب قد أخذت تدقّ بصوت مدوٍ أشد من السابق، ووتيرة أعلى من ذي قبل، بفعل ما تشير إليه النيات المعلنة جهاراً، والخطابات التهديدية المتبادلة على رؤوس الأشهاد، من كلا الجانين اللذيْن تجهزا بكامل العتاد والعدة، لإلحاق أحدهما بالآخر هزيمة ساحقة.
ولعلّ أكثر المتغيرات أهمية على هذا الصعيد أن كل طرف بات أسير صورته وادّعاءاته وسرديته الخاصة، فلا إيران قادرة، بعد أن بلغت حافة العتبة النووية أو أدنى، على التراجع إلى الوراء خطوة، والتنازل عن كل ما استثمرته من موارد وتضحيات في سبيل بوليصة تأمين أبدية لنظامها السياسي، على غرار كوريا الشمالية، ولا تستطيع، في المقابل، آخر دولة احتلال أن تعيش تحت تهديد وجودي دائم، إذا ما امتلك آيات الله سلاح دمار شامل، قد تتمكّن بواسطته من تغيير واقع الشرق الأوسط، وتُملي بموجبه منطقها "المقاوم"، وتعزّز من مشروعية خطابها العنيف، وتُدخل المنطقة إلى ما قبل درجة الغليان بشحطة، الأمر الذي يجعل الحرب بمثابة قدر لا رادّ له.

45AB6A9D-38F9-4C2C-B413-9E5293E46C8D
45AB6A9D-38F9-4C2C-B413-9E5293E46C8D
عيسى الشعيبي

كاتب وصحافي من الأردن

عيسى الشعيبي