Living With Yourself: ماذا ستفعل لو كنت أنت أنت؟
رغم أن الممثلين في العمل كوميديون فالمسلسل درامي (نتفليكس)
في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أعلنت شبكة "نتفليكس" عن عرض مسلسل الخيال العلمي والكوميدي "أن تحيا مع نفسك" Living With Yourself من بطولة الممثل وفنان الكوميديا بول رود، وترشّح عن دورهِ لجائزة "غولدن غلوب" لأفضل أداء لممثل في مسلسل تلفزيوني درامي أو كوميدي عام 2020. كان هذا أول مسلسل يكون بول رود بطله أو صاحب ظهورٍ لافت فيه منذ مسلسل "الأصدقاء". حتى الآن لا توجد أي أخبار مؤكدّة حيال وجود موسمٍ ثانٍ، ولكن التوقعات والترجيحات في أوساط صناعة التلفاز تتوقع إعلانًا قريبًا عنه بدلًا من الإلغاء.
تدور حبكة المسلسل حول شخصية موظف التسويق والإعلان "مايلز إليوت الذي يعيش حياة مُملة وكئيبة فقد فيها مظهره الجذّاب وقدراته التسويقية، بل وحتى شغفه بزوجته وبحياته بشكل عامٍ؛ فيدله أحد الأصدقاء إلى عنوان مركز منتجعٍ صحّي يُعيد له شغفه، ويقوم بصيانته جسديًا وروحيًا، ليكتشف لاحقًا أنهم يقومون فيه بنسخهِ وتطوير النسخة الجديدة وتحسينها.
في الوقت نفسهِ، يتم التخلّص من الشخصية الأصلية عبر القتل والدفن في الغابة. نجحت عملية الاستنساخ تقريبًا، وعادَ مايلز إلى حياته شغوفًا وعبقريًا كما لم يكن قبلًا، إلّا أنّ الأمر لم ينجح تمامًا، فقد فشلت إدارة المنتجع في قتل النسخة الأصلية، حيث تصحو، وتعود إلى البيت. هنا تبدأ المشكلة. لديك اثنان من مايلز، ولكن حياة واحدة، وزوجة واحدة، وبيت واحد، وعمل واحد، ومن هنا جاء اسم المُسلسل "أن تحيا مع نفسك".
ليست هذه المرة الأولى التي تذهب فيها صناعة التلفاز والسينما إلى فكرة الاستنساخ، فقد ظهرت في فيلم "تعدّد" (1996)، بطولة مايكل كيتون، وفيلم "الجزيرة" (2005)، بطولة سكارليت جوهانسون وإيوان مكريغور، وفيلم "رجل الجوزاء" (2019)، بطولة وِل سميثْ، ومسلسل "سواد اليتم" (2013-2017)، وغيرها من الأعمال المتنوعة التي تناولت الفكرة من أبعاد عدة، سواء ديستوبية أو علمية أو مرتبطة بعلم الجريمة، أو شهدت تناولًا وجوديًا أو كوميديًا.
وعلى الرغم من أن العناوين السابقة استغرقت من المنتجين والمخرجين مئات الملايين من الدولارات لإنتاج نسخ محوسبة من الشخصيات الأخرى، مثل شخصية ول سميث، فقد نجح مسلسل "أن تحيا مع نفسك" في خلق نسخة شابّة ونشيطة من شخصية بول رود، فقط عبر دفعهِ لحلاقه لحيته وتغيير تسريحة شعر رأسهِ.
كان تناول مسلسل "أن تعيش مع نفسك" لموضوع الاستنساخ عبر الحس الدرامي والوجودي ومن بعيدِ عبر بعض الكوميديا السوداء، فكيف لشخصٍ يذهب لمنتجعٍ صحي لكي يُعيد الشغف والنشاط والحيوية إلى حياته، أن يجد نفسهِ مدفونًا في قلب غابة؟ كيف ستكون ردة فعله؟ وعلى الرغم من أن المسلسل من بطولة بول رود والفنانة آيزلينغ بيا (فنانة كوميدية)، إلا أن العمل وكما أسلفنا، يغوص في الدراما أكثر منه في الكوميديا المتوقعة من مثل هؤلاء الممثلين، فهو لا يقع تحت تصنيف sitcom (كوميديا موقف).
عند مساءَلة المسلسل إنتاجيًا، ومحاكمته نقديًا، فحتمًا ستكون هناك العديد من الأسئلة والإشارات إلى عدد من الثغرات في الكِتابة أو في التصوير أو في الإخراج، أو حتى في فكرة العمل نفسه. لكن مُنشئ المسلسل، تيموثي غرينبيرغ، لم يكن مُهتمًا بهذه الجوانب التقنيّة كثيرًا، بقدر اهتمامهِ بالأسئلة التي يطرحها العمل، مثل سؤال الهويّة وما يجعلنا مميزين عن الآخرين أو ما يميزنا أفرادًا. يظهر هذا عند أول حوار مطول بين مايلز ونسختهِ عن التجارب وعن الزواج، إذ يملك كل منهما الذكريات نفسها والخبرات نفسها في الدماغ، خصوصًا أن الثاني نسخة عن الأول، ولكن بعد سير الحوار لبعض الوقت، تستوعب النسخة أن لديها ذكريات نعم، ولكنها لم تختبر أياً من تلك الذكريات. لديه ذكرى زواج، ولكنه لم يتزوج. لديه ذكرى قبلة ونوم مع زوجتهِ، ولكنه لم يكن معها إطلاقًا، هي ذكريات مُرّرت من جسد إلى آخر. فهل هي الذكريات التي تجعلنا نحن؟ أو ما تعرّفنا به هويتنا؟ يمكن نقل سؤال الهوية من السياق الحرفي إلى السياق الاستعاري، فالدول القومية أنشأت هويتها عبر "الذاكرات" الجمعية، وهذا السؤال في العمل يجعلنا نشكك مرة أخرى في سؤال الهوية... هل تلك الذكرى لنا؟
اقــرأ أيضاً
في الوقت نفسهِ، يتم التخلّص من الشخصية الأصلية عبر القتل والدفن في الغابة. نجحت عملية الاستنساخ تقريبًا، وعادَ مايلز إلى حياته شغوفًا وعبقريًا كما لم يكن قبلًا، إلّا أنّ الأمر لم ينجح تمامًا، فقد فشلت إدارة المنتجع في قتل النسخة الأصلية، حيث تصحو، وتعود إلى البيت. هنا تبدأ المشكلة. لديك اثنان من مايلز، ولكن حياة واحدة، وزوجة واحدة، وبيت واحد، وعمل واحد، ومن هنا جاء اسم المُسلسل "أن تحيا مع نفسك".
وعلى الرغم من أن العناوين السابقة استغرقت من المنتجين والمخرجين مئات الملايين من الدولارات لإنتاج نسخ محوسبة من الشخصيات الأخرى، مثل شخصية ول سميث، فقد نجح مسلسل "أن تحيا مع نفسك" في خلق نسخة شابّة ونشيطة من شخصية بول رود، فقط عبر دفعهِ لحلاقه لحيته وتغيير تسريحة شعر رأسهِ.
كان تناول مسلسل "أن تعيش مع نفسك" لموضوع الاستنساخ عبر الحس الدرامي والوجودي ومن بعيدِ عبر بعض الكوميديا السوداء، فكيف لشخصٍ يذهب لمنتجعٍ صحي لكي يُعيد الشغف والنشاط والحيوية إلى حياته، أن يجد نفسهِ مدفونًا في قلب غابة؟ كيف ستكون ردة فعله؟ وعلى الرغم من أن المسلسل من بطولة بول رود والفنانة آيزلينغ بيا (فنانة كوميدية)، إلا أن العمل وكما أسلفنا، يغوص في الدراما أكثر منه في الكوميديا المتوقعة من مثل هؤلاء الممثلين، فهو لا يقع تحت تصنيف sitcom (كوميديا موقف).
عند مساءَلة المسلسل إنتاجيًا، ومحاكمته نقديًا، فحتمًا ستكون هناك العديد من الأسئلة والإشارات إلى عدد من الثغرات في الكِتابة أو في التصوير أو في الإخراج، أو حتى في فكرة العمل نفسه. لكن مُنشئ المسلسل، تيموثي غرينبيرغ، لم يكن مُهتمًا بهذه الجوانب التقنيّة كثيرًا، بقدر اهتمامهِ بالأسئلة التي يطرحها العمل، مثل سؤال الهويّة وما يجعلنا مميزين عن الآخرين أو ما يميزنا أفرادًا. يظهر هذا عند أول حوار مطول بين مايلز ونسختهِ عن التجارب وعن الزواج، إذ يملك كل منهما الذكريات نفسها والخبرات نفسها في الدماغ، خصوصًا أن الثاني نسخة عن الأول، ولكن بعد سير الحوار لبعض الوقت، تستوعب النسخة أن لديها ذكريات نعم، ولكنها لم تختبر أياً من تلك الذكريات. لديه ذكرى زواج، ولكنه لم يتزوج. لديه ذكرى قبلة ونوم مع زوجتهِ، ولكنه لم يكن معها إطلاقًا، هي ذكريات مُرّرت من جسد إلى آخر. فهل هي الذكريات التي تجعلنا نحن؟ أو ما تعرّفنا به هويتنا؟ يمكن نقل سؤال الهوية من السياق الحرفي إلى السياق الاستعاري، فالدول القومية أنشأت هويتها عبر "الذاكرات" الجمعية، وهذا السؤال في العمل يجعلنا نشكك مرة أخرى في سؤال الهوية... هل تلك الذكرى لنا؟
في الحلقة السادسة من المسلسل ذي الحلقات الثماني، تسأل شخصية مايلز الأصلية السؤال الآتي: "ماذا كنت لتفعل لو كنت أنت أنت؟"، قد يبدو سؤالًا ساذجًا، يسأله مدرب تنمية بشرية في إحدى دوراتهِ التدريبية، ولكن سؤال مايلز كان هنا وهو يمر في معضلة، وكان يسأل نفسه، كيف كانت النسخة المُحسنة منه لتفعل لو كانت ذاتها في الموقف نفسه؟
وجود بول رود قطعًا كان هو الدفعة الكبرى للعمل، فهو معروف بشخصيتهِ الخفيفة وسريعة القبول عند المشاهدين، فلم يترك جنسًا سينمائيًا إلا مثّله ونجح فيهِ، وباستغلال المنشئ له، تمكن عبر حس فكاهي غريب (مريض أحيانًا) أن يدفع بالمشاهد إلى عدة أسئلة فلسفية، إن صح التعبير. كثيرا ما نحكم على أنفسنا في قرارتنا في بعض الموقف بأن تفكيرنا لم يكن صافيًا أو واضحًا. كيف كنا لنفكر لو كنا نسخة أفضل ذكيّة ومتنورة عن أنفسنا في المواقف المتفرقة في حياتنا؟ هل الإجابة عند الاستنساخ؟ بعد الانتهاء من مشاهدة المسلسل، ستجد تلك الرغبة الشديدة لديك للبحث في داخلك عن حلول وإجابات عن المعضلات التي تواجهها، فما النسخة الأخرى من مايلز في المسلسل إلا "نسخة" من الأصل، فكيف للنسخة أن تغلب الأصل؟
