النظام السوري: دراما موازية

النظام السوري: دراما موازية

29 مايو 2019
كذب لا يُصدق في "باب الحارة" (لؤي بشارة )
+ الخط -
انطلقت حكايات الموسم الرمضاني بحصة سورية أكبر مما قدّم في السنوات الماضية، عبر الاستفادة من موارد مالية جديدة وتعاونات مشتركة مع جهات لبنانية وخليجية. إلا أن رواية النظام السوري لوضع البلاد حالياً، تشابكت في غالبية الأعمال المنجزة في الداخل؛ فإذا ما استثنينا المسلسلات المنتجة من قبل مديرية الإنتاج التلفزيوني التابعة لوزارة الإعلام، سنلاحظ تخبط النظام الواضح أمام مسلسل "دقيقة صمت" والكذب غير القابل للتصديق في "باب الحارة".
تبدأ الحكاية في الجزء العاشر من "باب الحارة"، بعد عملية "التعفيش" الشهيرة التي قام بها عضو مجلس الشعب التاجر محمد قبنض، من قصف يطاول حارة الضبع، الموقع الرئيسي للأحداث في الأجزاء التسعة السابقة. يكرّس المسلسل، منذ حلقاته الأولى، مفاهيم الثورة السورية بشكل مناف للحقيقة ومعاكس لما جرت عليه الأحداث في الأرض. فإذا ما أسقط مجتمع باب الحارة على مجتمع النازحين الهارب إلى حارة الصالحية، التي تمثل المجتمع الموالي للنظام، فإن الدلالات ستصبح واضحة بين طريقة التعامل الحسنة مع النازحين وتقديم كل إمكانيات الراحة لهم حتى البيوت الواسعة، من دون أية أجرة، مع توفر المستشفيات الميدانية التي تتابع النازحين وأوضاعهم الصحية والجهات المحلية التي تحاول دمج المجتمع المضيف بالمجتمع الأصلي.
حالة الطهرانية المقدّمة في هذا الجزء قابلتها موجات سخرية عارمة على مواقع التواصل الاجتماعي وعدم متابعة الجمهور للمسلسل حتى ولو بغرض السخرية؛ فهو يفقتد لأدنى درجات الطرافة التي حملتها الأجزاء الأخيرة. لكن ذلك لم يمنع المنتج محمد قبنض من إقامة احتفال في "القرية الشامية" حيث صورت أحداث العمل، للإعلان بشكل رسمي عن نيته تقديم الجزء الحادي عشر من السلسلة. 
حالة التزييف في رواية قبنض قابلتها حالة من الخوف إثر ردات الفعل على مسلسل "دقيقة صمت"، فبعد تصريح للكاتب السوري سامر رضوان على قناة "الجديد" اللبنانية صنّف فيه المسلسل بالمعارض لرؤية السلطة، قامت الدنيا ولم تقعد على صفحات الموالاة في مواقع التواصل الاجتماعي وعبر أبواق النظام الإعلامية والفنية، ما دفع بشركتي إنتاج العمل للتراجع عن تبني كلام سامر وتبعتها مجموعة من الفنانين العاملين في المسلسل. 
تقوم الحكاية على نقض الخطاب الإعلامي للنظام وفضح مكائد السلطة في تعويم الشعب وإغراقه في حالة من الأكاذيب عبر بناء أسطورة "النبي" ودفع الشعب للالتفاف حولها، وهذا ما حدث كثيراً خلال سنوات الثورة عبر تصدير مجموعة من الأسماء التي صنعها النظام لنفسه، لتغدو بين ليلة وضحاها مجموعة أبطال شعبيين تلتف حولهم الجموع ويؤثرون بالوعي الجمعي أشد تأثير.
الارتباك الذي دفع وزارة الإعلام لاعتبار المسلسل مهرّباً من سورية ولم يحظَ بموافقة لجنة المشاهدة بعد إنتاجه، وتهديدات من نواب في مجلس الشعب بالتصعيد ضد المسلسل أظهر تخلخل السلطة في قدرتها على ضبط نفسها أمام عمل تلفزيوني يتناول أحداثا أسقطت على عام 2010 أي قبل حلول الأحداث في سورية من ناحية، ولم تغرق في فخ الأسماء أو الإسقاطات المكانية حتى لا تحسب بإطار التوثيق من جهة ثانية.
وبين رواية النظام في تبني مقولات "باب الحارة" ونفيه لما قدم في "دقيقة صمت"، دليل جديد على تعنت السلطة في تقبل أي رأي مخالف أو تقديم أي صورة مغايرة لصورة التهميش التي تقدمها للمواطنين في سورية قبل أن تعكسها للعالم الخارجي.

دلالات

المساهمون