أساسيات النظام الوطني للابتكار

أساسيات النظام الوطني للابتكار

17 مارس 2015
التكنولوجيا ثورة اقتصادية (Getty)
+ الخط -
لطالما وصف الاقتصاد بأنه علم كئيب يقوم على موارد محدودة تقلّ أكثر فأكثر عند المشاركة بها، فتخلق ‏لنا عالماً من الندرة. لكن دخول المعرفة في المنظومة الاقتصادية كأحد المحددات الجديدة للاقتصاد، ينهي ‏هذا الوصف. فالمعرفة هي ذاك المورد الذي لا ينضب، وهي أكثر الأصول الاستراتيجية في المنشآت ‏الاقتصادية، ومصدر كل الإبداع، الابتكار، القيمة، والتقدم الاجتماعي.‏

 
ويظهر ذلك جلياً بعد الانتقال الكبير من المنظومة الصناعية إلى المنظومة المعلوماتية، فالعالم يتوحد ‏ضمن سوق عالمية تحكمها قواعد المعرفة. ونتيجة لذلك، نجد أن اقتصاد المعرفة يساهم بنسبة 80% ‏من الناتج الداخلي الخام للدول المتقدّمة ويخلق 70% من فرص العمل بها، كما أنه رافعة للتنمية بعدة ‏دول.

فقد استفادت دول آسيوية من الطفرة التكنولوجية والتقدم المعرفي لتسلّق المراتب في سلّم الأمم، ‏فأصبحت ماليزيا وسنغافورة أكثر الدول تخصصاً في إدارة المعرفة، واحتلت هونغ كونغ المرتبة الثالثة ‏عالمياً في جلب الاستثمارات الأجنبية لوجود بيئة حاضنة لمؤسّسات الاقتصاد المعرفي، وضاعفت الهند ‏معدل نموّها الاقتصادي ثلاث مرّات في عقد واحد، كما أضحت المنتجات والخدمات المعرفية تمثل 60% ‏من إجمالي صادرات اليابان.‏

وبناءً على ما تقدم، تقوم إدارة المعرفة بإعادة تنظيم البنى الاقتصادية بحيث تتيح زيادات هائلة في ‏الإنتاجية، إزالة العمل الروتيني غير الضروري، خلق قنوات أكثر مباشرة للتوزيع، وتشجيع الإنتاج من ‏السلع والخدمات ذات النوعية العالية، وافتتاح أسواق ضخمة جديدة، وتسهيل العمليات العالمية في كل ‏الأعمال. كما تمارس ثورة المعلومات تأثيراً مضاعفاً، لأن هذه القدرة المتزايدة على اكتساب المعرفة ‏تعجّل بالتقدم العلمي.‏

وإجمالاً، يعتمد الاقتصاد على سلسلة متكاملة لخلق القيمة وإنجاز العمليات الإنتاجية التي يترتّب عنها ‏تجديد هيكلي للعمل في ما يخصّ التنظيم والتنسيق والمراقبة. وبذلك، تعتبر المعرفة المدخل والمنتج في ‏العملية الاقتصادية، الأمر الذي يستدعي إقامة نظام وطني للابتكار متكامل الأركان، وقادر على قيادة ‏الاقتصاد الوطني للخروج من بوتقة الفقر المعرفي إلى آفاق التنمية المعرفية من خلال مواجهة الفجوة ‏الرقمية بين مستخدمي التكنولوجيات الحديثة للمعلومات والتواصل وغير المستخدمين لها، إدارة جيدة ‏للرأسمال البشري عبر كسب الأدمغة بدل هجرتها وإرساء سياسة علمية تدعم الابتكار.‏

وجدير بالذكر أن الابتكار عبارة عن عملية تدريجية وتراكمية تعتمد على الدراسة بالتعلّم وتُبنى على ‏علاقات شبكية، وعلى التفاعل المستمر بين المنشآت التكنولوجية، جامعات التعليم العالي، معاهد ‏البحوث والدراسات، المصارف التمويلية وشركات الاستثمار ومؤسسات الرقابة الحكومية.

وعلى ‏هذا الأساس، فالنظام الوطني للابتكار يجعل كل هؤلاء الفاعلين في إطار مؤسساتي هادف إلى تحقيق ‏عملية الابتكار على الصعيد الوطني عبر ربطها بعلاقات تعاونية ومعاملات تجارية وتنافسية تمكّن من ‏تحصيل القيمة الاقتصادية المضافة. ‏

وعلى هذا النحو، يستند النظام الوطني للابتكار على تشبيك واسع بين كل المؤسسات المعنية بإنتاج ‏المعرفة بهدف إقامة تواصل يقوي تنمية التكتل التكنولوجي من خلال مناطق ‏صناعية، وأقطاب تكنولوجية ونُظُم للإنتاج المحلي.

ويستلزم النظام الوطني للابتكار ‏الارتكاز على عناصر رئيسة تؤطر عمله وتعزز مكانته في المنظومة الاقتصادية. ونذكر هنا: ضرورة ‏وجود نظام تعليمي قوي منتج لموارد بشرية ذات كفاءة عالية ومتحلية بروح المبادرة والرغبة في ‏الاكتشاف، تعزيز البحث والتطوير عبر توفير التمويل الكافي وتحفيز الباحثين والعمل على شراكات ‏استراتيجية بين القطاع العام والخاص، تنظيم الإطار الاقتصادي بترسانة قانونية تهم المنافسة، حماية ‏المستهلك وحقوق الملكية الفكرية.

علاوة على ذلك، يحتاج النظام الوطني للابتكار إلى مؤسسات وسيطة تعمل على تمويل المنشآت الصغرى ‏والمتوسطة من خلال رأس المال المجازف، وكذلك تشجيع ريادة الأعمال بالقطاعات المعرفية عن طريق ‏تقديم الدعم المالي في شكل التعويضات الصناعية عن مصاريف البحث والتطوير، وعرض ‏خدمات التكوين والتأهيل في القطاعات التكنولوجية الدقيقة للارتقاء بمهارات الرأس مال البشري.
(باحث وأكاديمي مغربي) ‏

إقرأ أيضا: 12 مليار دولار أرباح السعودية من البتروكيماويات

المساهمون