خلافة السبسي

خلافة السبسي

29 يوليو 2019
يريد التونسيون المحافظة على المسار الديمقراطي(الشاذلي بن ابراهيم/Getty)
+ الخط -
يبدأ المرشحون للانتخابات الرئاسية في تونس، اليوم الإثنين، في البحث عن التزكيات (10 نواب أو 10 آلاف توقيع)، في حيّز زمني قصير جداً، بعدما أعلنت هيئة الانتخابات المستقلة عن تقديم موعد الانتخابات إلى يوم 15 سبتمبر/أيلول المقبل. وسيكون هؤلاء أمام عقبات عديدة فرضها الجدول الزمني الجديد، والمعطيات والتوازنات السياسية الجديدة. لكن عقبة أكبر أُضيفت أمام الطامحين في دخول القصر الرئاسي في قرطاج مع كل الصعوبات المعروفة في أي انتخابات، وهي "عقبة الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي". سياسياً سيجد المرشحون، المعارضون تحديداً، صعوبة في صياغة خطاب يقترح بديلاً مناقضاً يقوم على انتقاد السبسي، بعدما استرجع الراحل رصيده الشعبي. في المقابل، سيتبارى المقرّبون منه على استثمار هذا الإجماع الشعبي حول السبسي، مع أنه ليس بالأمر اليسير، إذ اصطف كثر ممن كانوا يدّعون القرب منه إلى جانب خصومه، وستتطلّب إعادة التموضع من جديد جهداً كبيراً، لن يكون ناجحاً بالضرورة.

لكن بعيداً عن الحسابات السياسية التقنية الانتخابية، سيكون على المرشحين التساؤل مسبقاً عن طريقة خروجهم من قصر قرطاج قبل دخوله. وهو سؤال بالمناسبة يعني أيضاً كل القادة في أي دولة، خصوصاً العربية منها. فقد دخل السبسي إلى قصره بطريقة ديمقراطية، وخرج منه أيضاً بطريقة ديمقراطية. دخل بإجماع صغير تجاوز الـ50 في المائة بقليل، وخرج بإجماع كبير من شعب وخصوم سياسيين من كل الألوان. لا يعني هذا أنه كان ملاكاً أو منزّهاً من الخطايا، فقد ارتكب الكثير منها، ولكن التونسيين قرروا في لحظة فراقه أن يتذكروا كيف حقن دماءهم ولم يسجن صحافياً أو صاحب رأي، وتشبث بالدستور حتى عندما كان ضده في أشدّ معاركه الأخيرة، وحاول بما أوتي من جهد وصلاحيات محدودة، إنقاذ بلاده من وضع إقليمي صعب للغاية كان يستهدفها كل يوم، ووضع داخلي لا يقل صعوبة. وعلى المرشحين اختيار ما إذا كانوا يحلمون بالخروج من قصر قرطاج وهم يحظون بالتقدير الذي ناله السبسي، أو بطرق أخرى تضج بها كتب التاريخ. ويبدو أن التونسيين أيضاً سيغيّرون في معايير اختيارهم لرئيسهم العتيد، وسيكون السبسي حاضراً بقوة في خلفية الصورة، بعد وفاته كأول رئيس ديمقراطي في البلاد.

المساهمون