أزمة إقالة حاكم بلخ تتعمّق: تمرد جديد بالشمال الأفغاني؟

أزمة إقالة حاكم بلخ تتعمّق: تمرد جديد بالشمال الأفغاني؟

27 ديسمبر 2017
يتمتع محمد نور بنفوذ سياسي وعسكري (سيد خودابردي سادات/الأناضول)
+ الخط -
عندما أعلنت الرئاسة الأفغانية، قبل أيام، قبول الرئيس، أشرف غني، استقالة القائد الجهادي المعارض له، عطاء محمد نور، وهو الأمين العام للجمعية الإسلامية، والمعروف في الأوساط الجهادية بـ"معلم عطاء" عن منصب حاكم إقليم بلخ، عدّ كثيرون الأمر انتصاراً ثانياً للرئيس الأفغاني أشرف غني بعد منع نائبه الجنرال، عبد الرشيد دوستم، من الدخول إلى البلاد وإرغامه على العيش في المنفى (تركيا).
لكن سرعان ما ساد الخوف على الساحة السياسة بعد إعلان الجمعية الإسلامية التي كانت قد أبدت في فترة سابقة خشيتها من وجود مخطط لإقصائها رفضها قرار الرئيس ودراسة جميع الخيارات لمواجهة هذا القرار، وسط مخاوف من تفاقم الأزمة نتيجة إصرار الطرفين على موقفهما، لا سيما إذا ما حاولت الحكومة تنحية محمد نور، الذي تقول، إنه مدعوم من روسيا وإيران اللتين تتمتعان بنفوذ في الشمال الأفغاني، بالقوة، أو إذا ما أعلن العصيان المدني أو حمل السلاح، كما هدد خلال مؤتمر صحافي في مدينة مزار شريف، السبت الماضي، بعد أن اتهم الرئيس الأفغاني، بتقسيم الجبهة المعارضة له، وتحديداً الجمعية الإسلامية.


نفوذ كبير وخصوم كثر
يتربع الجنرال عطاء محمد نور على منصب حاكم إقليم بلخ، أحد الأقاليم المهمة من الناحية السياسية والاقتصادية. ويعد صاحب نفوذ واسع ليس في إقليم بلخ الذي حكمه لمدة 14 عاماً بل في أوساط عرقية الطاجيك التي يقول، إنه يمثلها وفي الأوساط الجهادية.

وكانت الأحزاب السياسية والمجامع الشعبية المناهضة لنفوذ محمد نور تتوقع أن تفعل الحكومة شيئاً بشأنه في قضية الاعتداء على عضو في المجلس الإقليمي محمد آصف مهمند، الذي اتهم "معلم عطاء" بأخذه إلى منزله وضربه وتعذيبه بنفسه وبمشاركة أبنائه حتى مزِّقت إحدى أذنيه، وهذا ما أثبتته الاستخبارات الأفغانية في ما بعد، إلا أن الحكومة عجزت عن فعل شيء في حق رجل تحت يده مئات المسلحين على غرار ملفات حقوقية وجنائية عدة المهمشة في حقه.

ولكن يبدو أن الرئيس الأفغاني ومن حوله من المستشارين كانوا يعملون على القضية وينتظرون الفرصة المناسبة. هم كانوا يدركون أن الرجل لا يمكن السطو على نفوذه وحوله القياديون من جبهة الشمال والجمعية الإسلامية أحد أكبر الأحزاب الجهادية إبان الغزو الروسي لأفغانستان في سبعينيات القرن الماضي.

ولم يخيب محمد نور التوقعات لجهة رفضه ترك منصبه وتهديده بأنه سيحمل السلاح إن دعت الحاجة، لكن ما لم يتوقعه أحد، هو ما ركز عليه في الجزء الأكبر من تصريحاته خلال مؤتمر صحافي، يوم السبت الماضي، إذ اتهم رفاق دربه السابقين، وعلى رأسهم الرئيس التنفيذي للحكومة وممثل الجمعية فيها، عبد الله عبد الله، بالتواطؤ ضده.

اعتبر محمد نور، أن اللاعب الرئيسي وراء ما حصل من "مؤامرة" في حقه وفي حق الجمعية الإسلامية عبد الله عبد الله، مؤكداً أنه تعامل معه كتعامل العدو، وشبهه بأنه مثل الثعبان.

وهدد محمد نور أنه سيقلع أسنان عبد الله عبد الله، منوهاً أن إرادته كالجبل لا تتزعزع، وأنه واقف في وجه كل مؤامرة، لكنه استدرك بالقول، إن القرار بيد الجمعية الإسلامية وزعيمها صلاح الدين رباني، وزير الخارجية، مشيراً إلى أنه إذا قرر رباني تنحيه فإنه سيترك المنصب ليس خضوعاً لقرار الرئيس الأفغاني بل لما تتوصل إليه الجمعية. كما طلب محمد نور من أنصاره ومن القوات المسلحة أن تنتظر أوامره.

الجمعية ترفض وتنقسم

يبدو أن الأمور إلى تعقيد أكثر بعد أن قرر وفد من الجمعية الإسلامية، يضم وزير الدفاع السابق الجنرال بسم الله خان، عدم الخضوع لقرار الرئيس. وبعد زيارته مدينة مزار شريف قرر الوفد أن يتم التفاوض مع الرئيس الأفغاني أشرف غني. واتفق محمد نور ووفد الجمعية أن يكون البرلماني فرهاد عظيمي، وأحد المقربين لمحمد نور، خلفاً له في رئاسة الإقليم، وطالبوا الرئاسة بقبول ذلك. لكن الأخيرة تبدو مصرة على قرارها بتعيين المهندس محمد داوود حاكماً على إقليم بلخ. وشدد الرئيس الأفغاني على أن قراره نهائي وعلى محمد نور والجمعية أن يقبلا ذلك.

من جهته قال عبد الله، يوم الإثنين الماضي، إن الجمعية الإسلامية وافقت معه على تنحي محمد نور، ولكن بعض القياديين خالفوا ذلك بعد الذهاب إلى إقليم بلخ.

وبعد اتهام عطاء محمد نور للرئيس التنفيذي بالتآمر ضده وضد الجمعية خرجت إلى العلن الخلافات الداخلية بين قيادات الجمعية الإسلامية، وانقسمت إلى المعسكرين: معسكر محمد عطاء نور ومعسكر عبد الله، ووُصف كل منهما من قبل أنصاره بالمجاهد الحقيقي والآخر بصاحب المصالح والذي يعمل لصالح آخرين.

ومن أبرز الوجوه التي وقفت مع عبد الله رئيس الاستخبارات الأفغانية السابق أمر الله صالح، ونائب رئيس الاستخبارات الأفغانية حالياً محمد أديب فهيم وهو نجل وزير الدفاع السابق والقيادي المهم في الجمعية الجنرال الراحل محمد قسيم فهيم. وانضم إلى معسكر عبد الله دين محمد جرأت القائد العسكري المهم في شمال كابول، وهو عين أخيراً مستشاراً للرئيس الأفغاني.

أما معسكر محمد نور فيضم زعيم الجمعية ووزير الخارجية صلاح الدين رباني، ووزير الدفاع السابق الجنرال بسم الله خان، وقياديين آخرين. كذلك انضم إلى معسكر محمد نور كل من يخاف من الإقالة، بينهم مسؤول أمن إقليم قندهار الجنرال عبد الرازق، الذي يواجه ملفات عديدة وتنظر الحكومة في شكاوى الناس ضده ومنها أن لدى رازق سجوناً شخصية، فضلاً عن عضو البرلمان ظاهر قدير وهو يعد من أهم معارضي الرئيس في الشرق.

القوات الدولية تنحاز

وعلى الرغم من طلب محمد نور مراراً من القوات الدولية العاملة في أفغانستان التزام الحياد وعدم التدخل في الشؤون الداخلية الأفغانية، يبدو أنها ستؤيد موقف الرئيس الأفغاني. وقد ظهر ذلك عند زيارة وزيرة الدفاع الألمانية، أورسلا فون، لمزار شريف وطلبها من محمد نور الخضوع لموقف الحكومة. كما أكدت في كابول أن القوات الدولية وحلفاء أفغانستان مع الدستور وأنها لا تقبل أية خطوة خارجة على الدستور بأية حال.

ومع إصرار الطرفين على موقفيهما، يبدو أن المعضلة قد تتطور نحو الأسوأ، خصوصاً إذا لجأت الحكومة إلى تنحية الرجل بقوة، كما ألمح إليه الرئيس الأفغاني بقوله، إن جميع الخيارات مطروحة. وهو ما دفع بعضهم إلى المناداة بأن تصل الحكومة إلى حل مع الرجل بدلاً من تفاقم الأمور، لا سيما أنها تقول إنه مدعوم من قبل إيران وروسيا.