تمسك بالأرض لا بالجنسية

تمسك بالأرض لا بالجنسية

04 اغسطس 2017
فلسطيني في القدس المحتلة (مصطفى الخاروف/الأناضول)
+ الخط -


يبدو اندفاع دولة الاحتلال نحو تنفيذ التعديل الذي أجرته على قانون المواطنة، وقد فُصِّل على قياس عزمي بشارة، إلى درجة أنه بات يسمى "قانون بشارة"، خطوة أخرى في سياق صهيوني متزايد لفرض وقائع تكريس شعار "يهودية الدولة". وفي المعنى الأوضح لهذه الجهود منذ عام 2007 على الأقل، يصبح استهداف أصحاب الأرض الأصليين في الداخل الفلسطيني هدفا لتحقيق شعار "نقاء الدولة". ولم تتوقف المحاولات الصهيونية، مع بروز توجه قومي لفلسطينيي الداخل، لاستهداف مشروع "التجمع الوطني الديمقراطي" وما أسس له من تحولات في صفوفهم، وفرض هزيمة مشروع "الأسرلة". وفي واحدة من أكثر تجليات المخطط الصهيوني، سعي إسرائيل لخلق وقائع جديدة تبرز فكرة "التبادلية"، كأحد أعمدة مشروع "سكان أقل وأرض أكثر"، لخلق أرضية لتسويق يهودية الدولة. وبخبث لا يُخفى، تجري محاولات تحويل الجنسية، المفروضة بفعل الأمر الواقع، كمعضلة فلسطينية، أي إظهار فلسطينيي الداخل متمسكين بالجنسية، بينما هم متمسكون بأرضهم التاريخية.

لا عجب أن تعجّل الوقائع المقدسية الأخيرة للاندفاع نحو نظرية التبادلية، التي عاد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ليطرحها مع مبعوثي الرئيس الأميركي دونالد ترامب في 28 يوليو/تموز المنصرم، صهر ترامب، جاريد كوشنر وجيسون غرينبلات، للبدء مع وادي عارة مقابل "غوش عتصيون". ومن الواضح أن العين الصهيونية تركز على مزيد من شرذمة فلسطينيي الداخل إلى "أقليات متناثرة"، بمزيد من التهويد.

طرح مسألة نزع الجنسية هي محاولة صهيونية مكشوفة، في زمن اللهث العربي نحو التطبيع، للإيحاء بأن الناس يتمسكون بالجنسية تفضيلاً، بدلاً من أن يكونوا تحت سلطة فلسطينية. وكل نقاشٍ ينحو في هذا الاتجاه هو مخالف لحقائق التاريخ والحقوق. ما يؤرق دولة الاحتلال هو ما قاله عزمي بشارة قبل نحو عقدين: "من بقي منا هنا لم يهاجر، فهذا وطننا. وعليه فأنتم لا تستطيعون التصدي لنا فيما يتعلق بمسألة الولاء للوطن. ولم تقم هذه الدولة إلا على أنقاض فلسطين". هكذا، فإن أصحاب الأرض استخدموا جنسية الأمر الواقع للبقاء على أرض وطنهم.

كشفت صلابة فلسطينيي الداخل في أزمة المسجد الأقصى عن عمق المأزق الصهيوني، ليسابق الزمن في محاولة جعل أصحاب الأرض مجرد نثريات لأقليات، لطمس الهوية العربية الجامعة. ورغم ذلك ثمة تحديات كبيرة أمام كل الفلسطينيين. ففي السابق كان "قانون بشارة"، مقدمة لتجريم الوقوف مع المقاومة، لخلق حالتي خنوع وترهيب. وثمة ما يشي بأننا أمام مقدمات لـ"قانون بشارة" جديد، في ظل ما يشاع عن "صفقة القرن"، وتهافت عربي منقطع النظير، كترسيخ لتطهير قومي يُسوق كـ"إنجاز" وحل لمآزق عربية-فلسطينية، ودولية-إسرائيلية، وكتسويق "سلس" للاعتراف بـ"يهودية الدولة".