اشتباكات القبائل

اشتباكات القبائل

01 يوليو 2016
همام السيد/ سورية
+ الخط -

على الرغم من أن الإنترنت يقدم آلاف الألعاب لمستخدمي أجهزة الاتصال الخليوية، فإن لعبة واحدة من بينها كلها تستأثر باهتمام المستخدمين في أكثر من منطقة في سورية، تلك هي لعبة "اشتباكات القبائل" أو clash of clans.

يكاد المراقب يذهل، من ذلك الانشغال واسع النطاق، الذي يشمل أعماراً مختلفة، من بين الشباب خاصة، ممن لا يلعبون اللعبة فقط، بل ينشغلون في التراسل، وطلب المساعدة، والتحدث عن المنجزات "العسكرية" التي يحققها أي واحد منهم، والأعمال التدميرية التي يستطيع اللاعب تنفيذها في كل مرحلة من مراحل اللعبة، واستعارة القرى، والمدن، والقلاع، لمتابعة اللعبة ـ الحرب. هذا عدا التحالفات التي قد تصل أحيانا إلى حدود العداء.

اللافت أن اللعبة تشغل أولئك السوريين الذين لا يشاركون في الحرب، والمعارك. واللاعبون بها يمكن أن يوصفوا بأنهم في حالة انعدام وزن، إذ إن نسبة عالية من بينهم، ممن تجاوزوا العشرين من العمر، عاطلون عن العمل، أو شبه عاطلين، أو عاملون في الأنشطة الهامشية المربحة كالسمسرة والتهريب، أو "هاربون" من الخدمة العسكرية.

والمرجح هنا أن يكون اللاعبون راغبين في الحرب الدائرة من حولهم (وثمة من يقول إنهم يمكن أن يعوّضوا عن الهرب منها، حين يجدون في الحرب الافتراضية بديلاً لا يسبب الضرر لأي آخر).

كأنما هي استعارة رمزية تدخل اللاعب في المناخ الحربي، أو العسكري الذي يطغى على الحياة اليومية في سورية كلها. وهو شكل آخر من أشكال المشاركة في الاقتتال الدائر. يرافق اللغة العنيفة التي تمارس في الحياة اليومية، والألعاب الحيّة التي تطغى عليها أيضاً الأسلحة الأوتوماتيكية، والبيضاء، لأولئك الذين لا يعرفون بعد استخدامات الهاتف الخليوي.

ومثل أيّ نشاط بشري، من الصعب أن نصنّف "اللعب" عامة، في طبيعة واحدة، غير أن الميل الأكبر هو النظر إلى هذا النشاط كعمل ترويحي يضفي على الاجتماع البشري ملامح وجدانية تقرّب الأفراد بعضهم من بعض.

ففي كلّ لعبة، مع استثناءات قليلة، يُفترض وجود الآخر الذي يشاركنا اللعب. ومن المريع أن تكتسب الألعاب هذا البعد الحربي، خاصة حين تكون التغذية قادمة من جهة أخرى. لا أعرف جنسية مخترع اللعبة، ومعدها.

ومن الواضح، بفضل التقنيات المبتكرة التي بنيت بها، أنه ليس عربياً، ومن المنطقي أن لا يكون قادماً من مجتمع ما يزال يتغنى بالصراع القبلي أو العشائري. غير أن المشكلة ليست في المخترع، فأنا لست ممن يلقون لائمة العنف الذي تشهده بلادنا، على عاتق أي مصدِّر أفكار، أو مخترع ألعاب.

(يمكن هنا أن نتساءل عن دوافع المخترع والمصدر أيضاً) بل على المتلقي العربي الذي يجد في اللعبة تعويضاً ما عن ميل لا واع لديه للقتل، أو التدمير.

هذه حقيقة يعكسها انتشار لعبة الحرب العنيفة. لم يكن ينقصنا إلا أن يخترع لنا مبتكرو الألعاب مثل هذه الألعاب "لتملأ أوقات فراغنا". أي تلك الأوقات التي لا نتحارب فيها. وإمعانا في ترسيخ صورتنا عن أنفسنا فقد سمّوها "حرب القبائل".

المساهمون