سياحة تونسيّة داخليّة لتحدّي الإرهاب

سياحة تونسيّة داخليّة لتحدّي الإرهاب

07 يناير 2016
الإرهاب لم يخفهم ويفسد احتفالاتهم (مريم الناصري)
+ الخط -
في ليلة رأس السنة، اختار عدد من التونسيين الاحتفال بدخول العام الجديد في جبل الشعانبي. فتوجّه شباب وأطفال ونساء إلى هذا الجبل الذي يتحصن فيه عشرات الإرهابيين، منذ ثورة 14 يناير/ كانون الثاني 2011. هي تظاهرة اختار المواطنون تنظيمها إلى هذا المكان تحديداً، كتحدّ منهم للإرهاب وللتأكيد أنه لم يخف الناس ويفسد احتفالهم بالأعياد. كذلك أرادوا الترويج لتونس بصورة إيجابية، "هي ما زالت بلد أمان".

قد يكون هؤلاء اختاروا مناسبة بحدّ ذاتها للتعبير عن تحدّيهم للإرهاب، إلا أن مجموعة أخرى كبيرة من الشباب اختارت تحدّي الإرهاب عبر تنظيم رحلات أسبوعية إلى أحد الجبال التونسية. في نهاية كل أسبوع، إما خلال يوم أو يومين، يقصد هؤلاء الشباب إحدى المناطق الداخلية ويمشون في غاباتها ويتسلقون جبالها. ويحرص منظمو هذه الرحلات على التأكد من أمان تلك المناطق الجبلية وخلوّها من أي خطر، قبل أن يرافقوا المشاركين. لذا يقصدونها هم أولاً للتعرف على الطريق واكتشاف أي خطر محتمل.

أميمة تشارك في تنظيم تلك الرحلات التي غالباً ما تكون في الشمال الغربي، مثل زغوان وجندوبة والكاف وسليانة وغيرها من المناطق الجبلية، أو حتى الجنوبية. والمناطق كانت في السابق قبلة السياح، على خلفيّة مناظرها الخضراء وطبيعتها الجميلة. لكنّ السياح الأجانب، توقّفوا عن زيارتها بسبب الأحداث الإرهابية والمخاوف من الإرهاب، بعد مقتل عشرات في عمليتين إرهابيتين استهدفتا السياح دون سواهم.

تقول أميمة إنّ "تنظيم الرحلات يشجع على السياحة الداخلية بعدما تراجعت بشكل كبير، خصوصاً السياحة إلى المناطق الجبلية. الإرهاب بات يهدد مناطق حدودية عدة". تضيف: "بعد جبل الشعانبي، الإرهابيون موجدودون في جبل سمامة في محافظة القصرين وجبل سلوم في المحافظة نفسها وبعض المناطق الريفية الأخرى. كل ذلك أثّر بشكل كبير على السياحة وعلى عدد كبير من الحرفيين والمهنيين العاملين في القطاع السياحي، الذي بات اليوم يتطلب تشجيعاً من المواطنين لتنشيط السياحة الداخلية واكتشاف مناطق تونس، ومن جهة أخرى لتنشيط السياحة الأجنبية ككل وإعطاء صورة جيدة عن تونس وطمأنة السياح الأجانب".

أحمد عبيدي يشارك في هذه الرحلات، منذ ثلاث سنوات، وفي كل مرّة يخرج مع فريق جديد. في كل أسبوع، يزور منطقة جبلية أو أثرية لم يقصدها من قبل ويروج لتلك الأماكن عبر شبكة التواصل الاجتماعي. ويشرح أنه يفعل ذلك "للتعريف بتلك المناطق، وطمأنة الأجانب، وتنشيط السياحة الداخلية، حتى لا يفقد مهنيون كثر موارد رزقهم، خصوصاً العاملين في النزل وفي المناطق الأثرية والمرشدين في الجبال والمناطق الريفية".

إلى ذلك، ينظم إبراهيم سليتي، مرّة كل أسبوع أو أسبوعين، رحلة إلى إحدى المناطق الداخلية وحتى الحدودية مثل طبرقة وعين دراهم في محافظة جندوبة على مقربة من الحدود الجزائرية. كل واحدة من الرحلات تضمّ ما بين 60 و80 شاباً. ويشير إلى أنّ "السياحة في تونس تراجعت بشكل كبير، وعلى الشباب أن يساهموا ولو بجزء بسيط في إعادة تنشيط السياحة، ومساعدة الحرفيين والمهنيين العاملين في القطاع السياحي وكذلك النزل على تجاوز الأزمة، خصوصاً أنّها باتت، اليوم، تقدم خدماتها إلى الزبائن التونسيين مع تخفيضات كبيرة".

وفي الوقت الذي اختار فيه ثلاثة آلاف شاب تونسي القتال في سورية والعراق، بالإضافة إلى تحصّن عشرات آخرين في بعض الجبال التونسية والتحاقهم بالجماعات الإرهابية، اختار شباب آخرون تحدي الإرهاب الذي أثّر على السياحة بشكل كبير.

وقد أكّدت وزارة السياحة أنّ تطوراً طاول السياحة الداخلية، منذ خمسة أعوام، بنسبة 46 في المائة. وقد تجاوز عدد الزبائن التونسيين في سنة 2014 مليوناً وخمسمائة ألف زبون، فيما بلغ عدد الليالي المشغولة أربعة ملايين ليلة. بذلك، احتلت السوق الداخلية المرتبة الثانية بعد ألمانيا، متفوقة بذلك على فرنسا وإيطاليا.

وقد أوضحت وزيرة السياحة، سلمى اللومي، أنّ الوزارة اتخذت إجراءات عديدة بالتعاون مع وزارة الداخلية للتشجيع على السياحة الداخلية، من خلال تأمين النزل والمراكز والمسالك السياحية عبر تكثيف الوجود الأمني.

من جهتها، أكّدت الكاتبة العامة للجامعة التونسية لوكالات الأسفار نادية قطاطة، تطوّر السياحة الداخلية في تونس، منذ ثلاثة أعوام وأكثر. وأشارت إلى ضرورة عدم ارتباط السياحة الداخلية فقط بالموسم الصيفي، بل يجب أن تستمر على مدار السنة من خلال السياحة الصحراوية وزيارة المتاحف والمناطق الداخلية.

اقرأ أيضاً: وتستمرّ الحياة.. التونسيّون لا يخشون الاعتداءات الإرهابية